مجلة وفاء wafaamagazine
تحت عنوان : جبران باسيل يتحدى: لاقوه أو إهرعوا الى تطوير النظام!
كتبت مي خريش
لم تكن إطلالة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الأحد 22 شباط لإلقاء التحية على التيّاريين فهو على تواصل إلكتروني يومي معهم تحضيراً لمؤتمر 14 آذار.
أطلّ جبران باسيل على اللبنانيين طارحاً حلولاً لأزمات تُغرِق البلد، ونادراً ما نشهد في الحياة العامة اللبنانية سياسياً مستعداً لطرح حلول لأزمة ما، ولو على حساب مصلحة ناسه، وهذا بالضبط ما يُفرّقه عن أقرانه.
هو خصص جزءاً هاماً من كلمته ليفنّد دستورياً وقانونياً دور رئيس الجمهورية في عملية تشكيل الحكومة، لكنه لم يفعل ذلك لأن الرئيس ميشال عون هو مؤسس التيار، أو لأنه على صلة قرابة به. أبداً. شرح وحاجج ودافع عن موقع رئاسة الجمهورية بصرف النظر عن شاغله، فكيف إذا كان الرئيس الجنرال ميشال عون؟
قبل الطائف، زمن “المارونية السياسية”، لم يكن خافياً الصراع الماروني-السنّي على السلطة والصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. وهي كانت على وسعها في ذلك الزمن. فرؤساء الحكومة كانوا يحكمون، بل كانوا يعرقلون مسار السلطة التنفيذية أسابيع وأشهراً، زعلاً أو حرداً أو إحتجاجاً، مع غياب أي وسيلة دستورية ناظمة أو صالحة للبت متى إشتدّ الخلاف وتفاقم الزعل والحَرَد. في عهد الرئيس شارل حلو على سبيل المثال، أعرب الرئيس الشهيد رشيد كرامي في المجلس النيابي عن رغبته بالإستقالة عام 1969، من دون أن يعلم رئيس الجمهورية، ومن دون أن يقدم له كتاب الإستقالة. يومها، إشتدّت الأزمة الدستورية وضاعت البلاد بين من يفتي أن الحكومة مستقيلة وبين من يُنكر عليها ذلك، فتعطّل مجلس الوزراء أشهراً الى أن تم توقيع إتفاق القاهرة الشهير.
إذن، حتى قبل الطائف، كانت السلطة التنفيذية برأسيْن ماروني وسُنّي، وخير دليل بيان الرئيس سليم الحص في تموز 1979 عقب إتهام المجلس الإسلامي له بتخلّيه عن صلاحية حمل حقيبة وزارية، يومها صرَّح الحص أن “رئيس الحكومة شريك في السلطة والقرارات ويجب ألا يُحجّم بحقيبة وزارية.”
نقل الطائف معظم صلاحيات رئيس الجمهورية إلى “مجلس الوزراء مجتمعاً” لا إلى رئيس الوزراء منفرداً، غير أن ممارسات ما بعد الطائف كرّست ال One Man Show في رئاسة الحكومة، ويبقى الأخطر التنازل الطوعي لبعض رؤساء الجمهورية عما تبقى لهم من صلاحيات، أهمها تلك المنصوص عنها في الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور.
مخطئ، لا بل مرتكب من يُسوّق أن رئيس الجمهورية قبل الطائف كان يختار وحده الوزراء، بل على العكس تماماً. إذ بالرغم من كل ما كان يتمتع به من صلاحيات، كانت كل طائفة تختار وزراءها، وهذا ما أكده العلّامة الدستوري الدكتور إدمون الرباط في كتابه “الدستور اللبناني” (صفحة 346).
لرئيس الجمهورية الحق في إبداء رأيه في كل الوزراء مسلمين ومسيحيين، فهو من يوقع مرسوم تشكيل الحكومة. كما أن واجبه الدستوري يحتم عليه، في بلد نظامه طائفي، أن يختار المسيحيين منهم منعاً لأي إخلال بالتوازن والميثاق. وهذا تماماً ما يفعله الرئيس عون مع الرئيس المُكلف سعد الحريري.
إذا حجبنا عن رئيس الجمهورية حقه في إختيار جزء من فريق عمل الحكومة، كيف له أن يحافظ على قَسَمه الدستوري؟ فالقَسَم المنصوص عنه في المادة 50 من الدستور يحتّم على من يتلوه أن يُحصَّن بالقدرة الكاملة للسهر على تطبيقه، أي أن تُمنح له ممارسة كاملة للسلطة. هل لرئيس الجمهورية بعد الطائف السلطة الكاملة والصلاحيات اللازمة للحفاظ على قَسَمه؟ هذا سؤال جوهري، بل كياني برسم صانعي الطائف.
أي إستغلال للأزمة الإقتصادية والمعيشية والصحية بغية تكريس تنازلات ولّى عليها الزمن، هو مرفوض. وأي إنتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية يُلحق الغبن في مكوّن أساسي ويضرب “الشراكة الحقيقية” ويكُرس “الشراكة العددية” الهشة والشكلية، والأخطر أنه يهدد تركيبة النظام اللبناني بأكمله.
أما عن “خذوا الحكومة واعطونا الإصلاح”، فهو طرح “مشروط ” ينضح جرأة وتحدياً. جرأة أن يتخلى رئيس أكبر كتلة نيابية عن حقه في المشاركة في الحكومة. وتحدٍ أن يضع المطالبين بالإصلاح ومكافحة الفساد أمام مسؤولياتهم في إقرار قوانين هي المدخل الأساسي لأي عملية إصلاحية جدية. أما إشتراط إقرارالإصلاحات قبل تشكيل الحكومة، فلأن اللبنانيين ملّوا الوعود ورذلوا الأوهام. الحاجة اليوم حصراً الى أفعال.
هل من يلاقي جبران باسيل فيقبل التحدي؟ قابل الأيام هي الفيصل بين إصلاحيين ومُدّعي إصلاح، وما على اللبنانيين إلا الحكم بالعقل والمنطق، لا الإنسياق في بروباغندا الغريزة والإنفعال.
أما إذا كان تحدي باسيل غير مقدور للبعض من السياسيين على ملاقاته، فما على الطبقة السياسية إلا الذهاب إلى تطوير جدي للنظام عبر إقرار إصلاحات هي في صلب إتفاق الطائف وجرى تهميشها وتهشيمها خدمةً للدولة العميقة ولأمراء الحرب وما بعدها. إصلاحات تبدأ بالدولة المدنية واللامركزية الموسعة الإدارية والمالية وإلغاء الطائفية بكاملها (لا الطائفية السياسية فحسب)، ولا تنتهي بمجلس شيوخ ذات صلاحيات حقيقية لا هامشية على شاكلة ما يريده البعض، بالتوازي مع مجلس نيابي خارج القيد الطائفي.
حمى الله لبنان، ومنّى على من يحتاج من السياسيين، وهم الغالبية الغالبة يا للأسف، الحكمة والتبصر والترفع.