الرئيسية / أخبار العالم / تكساس… فاتحة «مصائب» عهد بايدن

تكساس… فاتحة «مصائب» عهد بايدن

مجلة وفاء wafaamagazine

على مدى أسبوع، عاشت «عاصمة الطاقة الأميركية»، تكساس، من دون كهرباء أو مياه، بسبب عوامل طبيعية أظهرت هشاشة البنية التحتية في واحدة من أغنى الولايات الأميركية. وبحجم الكارثة التي وقعت، بدا حجم الاستقطاب السياسي، حين سعى كلٌّ من الحزبين، الديموقراطي والجمهوري، إلى تحميل الآخر مسؤولية ما تسبّبت فيه الظروف المناخية

شَكّلت الكارثة التي حلّت بولاية تكساس انتكاسة أولى كبيرة لعهد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. انتكاسةٌ فاقمتها مسارعة السلطات المحلية الجمهورية إلى تسجيل النقاط في مرمى الإدارة الديموقراطية الوليدة، لتحميلها مسؤولية سنوات الإهمال الذي ترزح تحته إحدى أكبر الولايات الأميركية وأغناها. وكشفت موجة الصقيع القطبي النادرة التي ضربت وسط الولايات المتحدة وشرقها، وأثّرت بشكل خاص على تكساس حيث حُرم ملايين السكّان من الكهرباء ومياه الشرب الأسبوع الماضي، هشاشة البنية التحتيّة في «عاصمة الطاقة الأميركية».
وُصم العهد الجديد بحدثٍ يرقى إلى مستوى الفضيحة، خصوصاً أنه يترافق مع بلوغ الولايات المتحدة عتبة النصف مليون وفاة من جرّاء وباء «كورونا»، الذي تتعذّر السيطرة عليه في الوقت الراهن. والأكيد أن الاستقطاب المتعاظم في البلاد نجح في تسييس «مصيبة» يتّجه الأميركيون إلى دفع فاتورتها العالية جدّاً. في هذا الوقت، فُتحت تحقيقات على المستوى الفدرالي وعلى مستوى الولاية ومقاطعاتها، بحثاً عن مسبّبات الكارثة الطبيعية التي حلّت بولايةٍ اعتادت طقساً معتدلاً طيلة أشهر السنة، لكونها تقع في الوسط الجنوبي للولايات المتحدة، عند الحدود مع المكسيك. وفي ظلّ موجة الصقيع القطبية، تدنّت درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، ووصلت إلى ما دون الصفر في بعض المقاطعات، ما أدّى إلى تجمُّد المياه داخل الأنابيب وانقطاعها عن أكثر من 14 مليوناً من سكان الولاية البالغ عددهم نحو 29 مليوناً. وانقطع التيّار الكهربائي عن الملايين أيضاً، عندما اضطرت شركات الكهرباء في تكساس إلى تطبيق برنامج تقنين لتجنُّب تحميل الشبكة أكثر من طاقتها، في وقت ارتفع فيه الطلب على الكهرباء، مع تضاؤل القدرة الإنتاجية بسبب تجمُّد محطّات الطاقة وتوربينات الرياح. وأعلنت شركة «أركوت»، المسؤولة عن توزيع الطاقة في ولاية تكساس، حالة الطوارئ، بداية الأسبوع الماضي، وقرّرت، على سبيل الاحتياط، قطع بعض مصادر الطاقة لتجنُّب تشبُّع الشبكة. قرارٌ دفع حاكم الولاية الجمهوري، غريغ أبوت، إلى اعتبار المجموعة «غير جديرة بالثقة على الإطلاق»، فيما أعلنت الوكالة الفدرالية المكلّفة بتعرفات الكهرباء والغاز الطبيعي، أنها ستنظر في أسباب انقطاع التيار الكهربائي. لكن بعض الخبراء يعتقد أن المشكلة هيكلية؛ إذ يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة هيوستون، إيد هيرس، إنه «لا يمكن شركة أركوت الاستثمار في تجهيزات. يمكنها فقط إدارة الشبكة»، موضحاً أن تكساس، التي تبلغ ذروة إنتاج الطاقة عموماً في نهاية الصيف، لم تكن مستعدّة لمثل موجة الصقيع هذه، ولا سيما أن المولدات المعدّة للشتاء لا تكفي لتلبية الزيادة على الطلب.

تُقدَّر الخسائر التي خلّفتها موجة الصقيع القطبية بنحو 125 مليار دولار

تُعتبر تكساس رئة الولايات المتحدة في مجال الطاقة، وهي أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي في البلاد، لكنها أيضاً مهمّة في مجال توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وبما أنها متمسّكة باستقلاليتها في هذا المجال، فهي تحظى، دون غيرها من ولايات البرّ الأميركي الـ48، بشبكة كهرباء مستقلّة تمنعها من استيراد الطاقة من بقية أنحاء البلاد. والأزمة الحالية تسلّط الضوء على حدود هذا النظام؛ فبحسب مايكل ويبر، الأستاذ في جامعة تكساس ومدير العلوم والتكنولوجيا لدى «إنجي» في باريس: «إنه تحذير للعالم بأسره من أنه حتى المناطق التي توجد فيها الطاقة بشكل كبير، يمكن أن تواجه مشاكل، وهذا الأمر قد يكون كارثياً». من هنا، فإن التحقيقات الجارية تتّجه أكثر إلى البحث عن كبش فداء وموقف سياسي، بدلاً من رغبة فعلية في إصلاح البنى التحتية المتهالكة. ويرى هيرس أن التغيير الحقيقي يتطلّب «إرادة سياسية قوية والكثير من النزاهة والقيادة. وفي الوقت الراهن، لا الحاكم ولا المجلس التشريعي لـ(تكساس) أثبتا وجود هذه الصفات». وسعى حاكم الولاية إلى إلقاء اللوم في ما حدث على الديموقراطيين، عن طريق مهاجمة مبادرات استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة، بدلاً من الاعتراف بسوء البنية التحتيّة، وعدم استعدادها لمثل هذا السيناريو. ومع ذوبان الثلوج وعودة الكهرباء، يُتوقع أن ترتفع فواتير استهلاك الطاقة المقبلة لأهالي تكساس بدرجة كبيرة، ما دفع غريغ أبوت إلى عقد لقاء مع النواب لمناقشة إمكان تجنيب السكان «فواتير خدمية غير منطقية لا يمكنهم تحمّل كلفتها بسبب الارتفاع الكبير المؤقّت للأسعار في سوق الطاقة».
إزاء هذه الفوضى، يعتزم جو بايدن وزوجته جيل التوجُّه يوم غدٍ الجمعة لتفقّد الولاية الجنوبية بعد الأضرار الفادحة التي تسبّبت بفيا موجة الصقيع القطبي. وأعلنت الناطقة باسم الرئاسة، جين ساكي، أن «الرئيس والسيدة الأولى» سيتوجّهان إلى هيوستن، كبرى مدن تكساس، حيث سيلتقي بايدن «مسؤولين محليّين لمناقشة خطط الإغاثة بعد العاصفة الثلجية، والخطوات اللازمة للنهوض». وفي وقت اتّضحت فيه حصيلة ضحايا موجة البرد في منطقة جنوب وسط البلاد، حيث سُجّلت نحو 70 وفاة مرتبطة بالطقس، أصدر الرئيس الأميركي إعلان طوارئ لـ77 من مقاطعات تكساس الأكثر تضرُّراً، يسمح بأن تنسّق وزارة الداخلية ووكالة إدارة الطوارئ الفدرالية جهود الإنقاذ في الحالات الطارئة وتسريع إيصال المساعدات. كما يتيح الإجراء تمويلاً اتحادياً للأفراد في مختلف أنحاء الولاية، بما في ذلك مساعدات للإسكان المؤقّت وإصلاح المنازل وقروض مخفّضة الفائدة. وهي «خطوة أولى مهمة»، بحسب أبوت الذي لفت إلى أن الموافقة على المساعدات للأفراد تمّت في 77 مقاطعة فقط، وليس كما طلب، أي في جميع المقاطعات الـ 254، خصوصاً أن كلفة الخسائر الناجمة عن العاصفة قد تناهز تلك التي خلّفها، في عام 2017، الإعصار «هارفي» الذي قُدّرت أضراره يومها بنحو 125 مليار دولار، وفق النائب الجمهوري، مايكل ماكول.

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار