الرئيسية / سياسة / الأزمة تزداد اشتعالاً.. والشارع يتحرّك.. والسلــطة في كوكب آخر

الأزمة تزداد اشتعالاً.. والشارع يتحرّك.. والسلــطة في كوكب آخر

الإثنين 30 أيلول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

الإنفجار يوشِك أن يحصل، ووجع الناس مُتزايد، وما يفوق ذلك وَجعهم من السلطة الحاكمة، التي تبدو مهاجرة وتعيش في كوكب آخر، مستقيلة من مسؤولياتها ومن أبسط واجباتها، وتعطي أذنها الطرشاء لصرخات الناس، فلا تسمع سوى ما يُدغدغ مصالحها وجيوبها ويحمي محمياتها، وامّا الناس فليجرفهم الطوفان مع لقمة عيشهم وقوت أبنائهم. ولعل الصورة التي رَسمتها التحركات في الشارع أمس، عبّرت، ولَو بشكل خجول، عمّا يختلج في نفوس اللبنانيين من وجع، وجاءت على شكل إنذار مُبكر على ما قد سيحصل في مواجهة المسبّبين بهذا الوجع، فإنها في دولة تحترم نفسها، يفترض أن تجعل القيّمين عليها والمتنعّمين بملذاتها، يغادرون صالوناتهم الفخمة، وينزلون الى الناس لتَحسّس وجعهم، ولكن ما يدفع الى الاسف انه مع هذه السلطة الحاكمة لا حياة لمَن تنادي.

صورة الداخل تعجّ بالكثير من مسبّبات القلق؛ فالصالونات السياسية غارقة بكلام اتهامي للطاقم الحاكم، وقد وقفت «الجمهورية» من مسؤولين كبار، على عيّنات من هذا الكلام:

– أولاً، «الأمر المُستغرَب، أن يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد عودته من نيويورك، انه ليس عارفاً بما حصل اثناء غيابه، فهل ما حصل كان خافياً عنه قبل السفر؟ ولماذا قال ما قاله ولمَن توجّه بكلامه؟».

– ثانياً، «ما يجري يؤكّد انّ البلد يتعرّض لمؤامرة، لا نقول من الخارج بل مؤامرة من الداخل، تديرها غرف سوداء، بمنطق إلغائي يستعيد بطريقة فظّة خطاباً يستنفِر العصبيات والطوائف، ويجري توظيفه في قلب الازمة الاقتصادية، مقروناً بمحاولة إثارة البلبلة الداخلية:

– تارة عبر محاولة نسف العلاقات بين الرؤساء، وتحديداً بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

– تارة أخرى عبر كلام عابر للقارّات يتحدث عن شراكة أطراف معيّنين في الحكومة في محاولة إحداث فتنة اقتصادية، وقبله كلام آخر عن اتّهام جهات لبنانية بالشراكة مع الاميركيين بفرض عقوبات على «حزب الله»!

– تارة ثالثة عبر ترجمات لطموحات رئاسية، تترافَق بتصويب عبر وسائل التواصل الاجتماعي على بعض الاسماء، كقائد الجيش العماد جوزف عون، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبترويج حديث خطير عن لقاء سلبي، لم يحصل أصلاً، بين بري وسلامة، والمتابعون يعرفون انّ آخر لقاء بينهما كان قبل نحو 20 يوماً.

التصويب على قائد الجيش ينعكس سلباً بالتأكيد على المؤسسة العسكرية وعلى الاستقرار، امّا التصويب على سلامة في هذا الوقت بالذات، فهو، على ما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»: «تصويب خطير ومَشبوه، وهدفه الضغط على الاقتصاد والليرة وافتعال مشكلة كبرى في البلد»، علماً انّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قد أكد في قداس الاحد، في بكركي أمس، «انه من غير المقبول التصويب على مصرف لبنان، برئاسة حاكمه، ووَصف الحملة التي تَطال الجيش بالمُريبة»، داعياً اللبنانيين المُخلصين «لتجديد ثقتهم المطلقة به، قائداً ومؤسسة وعقيدة وطنية».

– ثالثاً، الأمر المقلق، في موازاة محاولة الارباك السياسي، هو الحديث عن تدريبات عسكرية لبعض القوى السياسية، بالتوازي مع تحركات مماثلة على ما حصل مع العراضة العسكرية التي قام بها الحزب «القومي» في شارع الحمراء في بيروت قبل أيام.

– رابعاً، شركاء الحكم يَتغنّون انّ الاستقرار الاقتصادي يبقى العنصر المانع لأيّ انفجار. وبالتالي، لا مجال لإهدار مزيد من الوقت والفرَص، لكن هذا الكلام لا يقترن مع اي أفعال.

– خامساً، «الأمر المستغرب هو ان يسكت الشركاء في الحكومة ولا يقومون بأيّ مبادرة إنقاذية».

– سادساً، المشكلة الراهنة ليست في الاقتصاد فقط، بل في الحكومة. فأين هي؟ هل نسيت اسمها «حكومة الى العمل»؟ أين حالة طوارىء اقتصادية؟ لماذا إهمال خطوات المعالجة التي اتفق عليها في بعبدا؟ ولماذا عودة التَلهّي المُريب في موضوع البواخر؟ هل هنا يكمن الحل ام تكمن السَمسرة والمكاسب؟ وها قد عدنا الى النغمة السابقة، والاستغراب يسود دائرة المناقصات من تحوير دفاتر شروط معامل الطاقة الى اللجنة الوزارية خلافاً لأحكام القانون 129 / 2019، ومحاضره وأسبابه الموجبة وقانون المحاسبة العمومية!

إزاء ذلك، يسأل المسؤول الكبير عبر «الجمهورية»: ماذا تنتظر الحكومة لتتدخّل؟! هل نستورد حكومة من الخارج ونقول لها تفضلي انقذي البلد؟ إذا كان هناك من هو مطمئنّ لوضعه نقول له البلد لا يستطيع ان يُكمل بهذه الطريقة وبهذه العقلية. لا يوجد احد أغلى من البلد، هناك انعدام كامل للثقة بالحكومة وبالسلطة بشكل عام، وعندما تسقط هذه الثقة فهل يبقى شيء»؟.

واقع لا يبشّر

الى ذلك، الواضع الداخلي لا يبشّر؛ سعر الدولار في السوق الرسمية ثابت، لكنه غير متوافر سوى على الورق، في حين أنّ سعره في سوق الصيرفة يواصل الارتفاع، ومن غير الواضح السقف الذي سيبلغه، والمعطيات تشير الى انّ هذه السوق ستصبح سوقاً رديفة دائمة، وسيكون السعر الفعلي للدولار هو السعر القائم في السوق.

النزول الجزئي للمواطنين الى الشارع امس، واللافت فيه عدم المشاركة الحزبية سواء الموالية او المعارضة للحكومة، وشَملَ مناطق في بيروت وتحديداً في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط بيروت وبعض الطرقات المؤدية اليها، وايضاً مناطق في البقاع والشمال، وترافقَ مع محاولة قطع طرقات وحرق إطارات.

واذا كان النزول الى الشارع يشكل رداً غاضباً على تَردّي الاوضاع، الّا انّ لغة الشارع هي الأصعب ويمكن ان تَجرّ الى فوضى غير محسوبة، قد تستحيل معها قدرة الامساك بالوضع ومنع انحداره الى منزلقات خطيرة، خصوصاً اذا ما جرى استغلالها من قبل بعض الخبثاء لأخذ الامور في الاتجاه الذي يخدم الفتنة. وبالتالي، تستطيع الناس ان تسمع صوتها، ولكن ليس بالتكسير والتحطيم وإغلاق الطرقات وشَلّ البلد، والسلطة وحدها مسؤولة عن منع الانهيار، الا اذا أصَرّت على ان تبقى مقيمة خارج حدود المسؤولية ومستوطِنة، بإقامة دائمة، في مستعمرة العَجز.

حمادة

وقال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: المشهد اليوم هو النتيجة الحتميّة للإدارة التي تحكّمت بالبلاد بفضل تسوية 2016، وأمعنت في الإنحراف نحو الخيارات الخاطئة في السياسة عبر التخلي عن النأي بالنفس، وفي الاقتصاد عبر اللجوء الى فريق فاشل». كل ذلك، تحت شعار «التغيير والإصلاح» والادعاء بأبوّة الجميع.

أضاف: «مَن تظاهَرَ من اللبنانيين؟ إنتفضوا ضدّ العهد، والحكومة التي ادّعى رئيس الجمهورية أنها ستكون حكومة العهد الأولى، وبالمجلس الذي تمخّض عن قانون إنتخابات هجين، وبالسياسات الخارجية الحمقاء، قطع رزق لبنان، وبالتالي أرزاق اللبنانيين. فلهذه الأسباب نزلوا الى الشارع وسيعاودون النزول حتماً، إلّا اذا صَحّح العهد خياراته وممارساته، وأنا أستبعِد ذلك، إنّه تأخّر».

«القوات»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ «الجمهورية» انّ «انتفاضة الناس متوقّعة لأنّ الواقع الإقتصادي والمالي سيئ للغاية، ومن حقّ الناس أن ترفع الصوت عالياً لتضغط على السلطة للتسريع في معالجة الأزمة المعيشية والحياتية».

واعتبرت المصادر أنه «لا يحقّ لأحد أن يمس بالأمن والاستقرار، الشَغب ممنوع، التظاهر حقّ مكفول بالدستور، التخريب خط أحمر، واذا كان على القوى الأمنية أن تحترم حقّ الناس بالتظاهر فعلى الناس أيضا أن تحترم الاستقرار، وأن لا تسمح لدخول قوى ومنظمات تمسّ بالأمن والاستقرار».

إرباك الأسعار

على أنّ الايام الآتية لا تبدو انها قد تحمل ما يُطمئِن، بل ثمة إجماع لدى الخبراء الاقتصاديين على انّ الصورة قاتمة، ويُخشى ان تحمل ما قد يكون موجعاً أكثر للمواطنين. خصوصاً انّ ارتفاع سعر الدولار سيؤدّي حتماً الى ارتفاعات متتالية في أسعار الاستهلاك. ومن خلال القرار الذي سيتخذه مصرف لبنان غداً، وما قد يقرّره لاحقاً، تشير التقديرات الى انّ المواد التي سيشملها المركزي برعايته (المحروقات والطحين والدواء حتى الآن)، هي المواد التي سيصبح سعرها ثابتاً، في حين انّ كل المواد الاستهلاكية الاخرى سوف ترتفع اسعارها تماهياً مع سعر الدولار في السوق الرديفة، وهذا يعني انّ القدرة الشرائية للمواطن سوف تبدأ بالتآكل، بالنسبة نفسها التي سيرتفع فيها الدولار. وعندها، سيشعر المواطن بثِقل الأزمة، وماذا يعني القول انه سيدفع ثمناً باهظاً لاستمرار الأزمة يفوق بأضعاف الثمن الذي قد يدفعه في حال تمّ اتخاذ اجراءات موجِعة وواكبتها إجراءات إصلاحية لخفض منسوب الفساد.

وزني

الى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني مسؤولية الحكومة في معالجة ما بَلغه الوضع المالي والاقتصادي.

وقال لـ»الجمهورية»: الدولار متوافر في المصارف وفي مصرف لبنان لحماية الاستقرار النقدي، ولكن لبنان يواجه أزمة نقص سيولة بالدولار النقدي، وهذه الأزمة تفاقمت بشكل غير طبيعي وأسبابها غير واضحة حتى لا نقول مشكوكاً بأسبابها، منها:

السبب الاول، الارباك الذي حصل الاسبوع الماضي لدى المواطنين وأدّى الى الطلب الكثيف على الدولار النقدي، والذي يقدّر بين مليار و800 مليون دولار وبين ملياري دولار موجودة لدى المواطنين في منازلهم.

السبب الثاني، وهو أساسي، إرتفاع سعر الدولار الاسبوع الماضي هو جرّاء دخول المستوردين الى سوق الصيرفة طلباً للدولار النقدي، وخاصة الذين يستوردون المشتقات النفطية، والذين يحتاجون سنوياً لأكثر من ملياري دولار، ولديهم الاستعداد الكامل لدفع سعر أعلى من اجل الحصول على الدولار.

السبب الثالث، المضاربات التي جرت في سوق الصيرفة، ومحاولة استغلالها والاستفادة منها، وهذه مسألة طبيعية تحصل أينما كان.

السبب الرابع، البعد السياسي الداخلي والخارجي الذي أدّى دوراً كبيراً في الضغوط على سوق الصيرفة، والى زيادة الارباك في الموضوع. ولكن، تجدر الاشارة هنا الى انّ اجمالي العمليات في سوق الصيرفة لا تتجاوز 2 في المئة من إجمالي العمليات المالية، بينما 98 في المئة من العمليات المالية تتم عبر القطاع المصرفي.

ورداً على سؤال عن كيفية العلاج، قال: الخطوة الاساسية هي معالجة السبب الرئيسي الذي ساهَم في البلبلة وارتفاع الاسعار ومسألة استيراد المشتقات النفطية، واجتماع الثلثاء سيركّز على مساهمة مصرف لبنان أو دخوله في تأمين الدولارات للمستوردين. أولاً للمحروقات والمشتقّات النفطية التي تبلغ ملياري دولار تقريباً، وثانياً للطحين الذي تبلغ كلفته مليار دولار تقريباً، وثالثاً من أجل الدواء الذي تبلغ كلفته ملياراً و300 مليون دولار تقريباً. وبالتالي، مصرف لبنان لن يتمكن من تأمين كل هذه الاموال لأنها تستنزف بشكل كبير جداً احتياطاته بالعملات الاجنبية، لكنه سيؤمّن جزءاً منها.

أضاف: من هنا نستطيع ان نقول انّ دور مصرف لبنان لم يعد فقط حماية الاستقرار النقدي، بل الظروف فرضَت عليه ان يؤمّن ايضاً تمويل احتياجات الاقتصاد. وهذا ليس أمراً صحياً لمصرف لبنان، لأنه يستنزف من احتياطاته. لذلك، على الحكومة في هذا الاطار ألّا تتنصّل من مسؤولياتها، وأن تقوم بإجراءات سريعة تُعيد الثقة الى الاقتصاد والى الوضع المالي والنقدي. واستعادة الثقة تبدأ:

اولاً، بالمعالجة الفورية ومن دون تأخير لملف الكهرباء الذي يستنزف لبنان أكثر من ملياري دولار سنوياً.
ثانياً، إقرار موازنة إصلاحية فعلية حقيقية بشكل سريع جداً.

ثالثا، الاستفادة من موضوع «سيدر» الذي يؤمّن تدفقات مالية بالعملة الاجنبية.
رابعاً، الاستفادة من مسألة بدء التنقيب عن النفط والغاز مطلع كانون الاول 2019.

الجمهورية