مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة في “حديث الجمعة” استهلها بالقول: “عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، أن نستهدي بالسيدة زينب، ونحن نستعيد ذكرى وفاتها في الخامس عشر من هذا الشهر أن نستهديها عندما خرجت مع أخيها الحسين لتشاركه في الثورة على الحاكم الظالم والفاسد، رغم أنها تعرف حجم التحديات التي ستواجهها، والمعاناة التي قد تتعرض لها. أن نستهدي صبرها وقوة عزيمتها وهي تشاهد بأم عينها كل ما حصل في كربلاء حين فقدت أعز الناس لديها، فلم تخمش وجها، ولم تشق جيبا ولم تدع بالويل والثبور، بل اكتفت عندما وقفت أمام الأجساد الطاهرة، بأن تتوجه إلى ربها قائلة: “اللهم تقبل منا هذا القربان”، أن نستهدي عنفوانها، عندما وقفت أمام يزيد المنتشي بنصره، لتقهر كبرياءه، وتقول له: “خسئت يا يزيد وهزمت، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فإنك والله، لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا”. لم يهدأ صوت زينب بعد ذلك في المدينة رغم عمق الآلام والجراح، وبقيت إلى أن انتقلت إلى رحاب ربها وهي توجه وتحفز وتبعث الهمم في النفوس لتحفظ الأهداف التي لأجلها كانت ثورة أخيها الإمام الحسين. هذه الروح التي أطلقتها السيدة زينب، هي التي ساهمت في صنع انتصارات الماضي، وهي التي تساهم في انتصارات الحاضر. ومن خلال تمثلها، نمتلك القدرة على مواجهة كل التحديات”.
وقال: “البداية من لبنان الذي يزداد الوضع فيه سوءا على كل الصعد مع كل تأخير في تأليف الحكومة، حيث أن كل يوم يمر من دون أن تبصر الحكومة النور، يتناقص فيه ما تبقى من احتياط مالي في البنك المركزي يقال إنه هو الباقي من أموال المودعين، ويرتفع فيه سعر صرف الدولار، وتتضاعف معه أسعار السلع والمواد الغذائية الضرورية، وتزداد أعداد العاطلين من العمل ونسب الفقر ومعدل السرقات والحوادث الأمنية. فقد أصبح واضحا للجميع أن تأليف حكومة إصلاحات هو الباب الذي ينبغي العمل له لوضع حد للانهيار المتواصل، وهو الشرط الذي تصر عليه الدول التي تريد مساعدة لبنان للخروج من أزماته والتي لا تزال تؤكد على استحالة دعم لبنان من دون تأليف حكومة”.
أضاف: “ومن المؤسف القول إن كل المواقف الصادرة من القوى السياسية المعنية بالتأليف على حالها تشير أن لا حكومة في الوقت القريب، بعدما لم يبد أي منها استعدادا للتنازل عن شروطه لحل عقد التأليف تعزيزا لموقعه الشخصي في إطار طائفته، أو انتظارا لمتغيرات قد تأتي من الخارج لتعزز موقعه في عملية التأليف هذه، وكل يتسلح في معركته هذه بعناوين دستورية وطائفية من دون الأخذ بعين الاعتبار تداعيات ذلك على هذا البلد وعلى إنسانه”.
وكرر دعوة “القوى السياسية إلى أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الناس الذين أودعوهم مواقعهم، فكفى تسويفا في الوقت وتلاعبا بمصير الناس وبمستقبلهم، وعليهم ألا يراهنوا على سكوت هذا الشعب الذي لن يظل ساكتا إلى ما لا نهاية، وإذا كانوا يراهنون على دغدغة غرائزه الطائفية والمذهبية وإثارة مخاوفه وهواجسه حتى يسكت ويصمت ويقبل بكل ما يملوه عليه، فهذه اللعبة باتت مفضوحة ولم تعد تنطلي عليهم ولن يلدغوا من الجحر الذي طالما لدغوا منه مرارا”.
وتابع: “إننا نقول لكل من هم في مواقع المسؤولية في هذا البلد سواء أكانوا في المواقع السياسية أم الدينية، إن الوقت ليس وقت إثارة طروحات تؤدي إلى المزيد من الانقسام بقدر ما هي مرحلة توحيد وتضافر الجهود لمنع الانهيار في هذ البلد”.
وقال: “في مجال آخر، وبعد أن استبشر اللبنانيون ببدء عملية توزيع اللقاح وهم وعدوا بأن يتم ضمن آليات بمنتهى الشفافية، لكنهم فوجئوا بالخرق الذي حصل وإدخاله في الحسابات السياسية والمحسوبيات والذي قد لا تقف تداعياته على حرمان من لهم الأولوية في توزيع هذا اللقاح، بل على استمرار وصوله إلى هذا البلد، وشكل دليلا إضافيا عن مدى سقوط من هم في مواقع المسؤولية. لقد كنا نأمل أن تصدر توضيحات ممن تسببوا بهذا الخرق أو استفادوا منه، تطمئن اللبنانيين بعدم تكرار مع حصل في عملية التوزيع، بدلا من تبريرات تجعلهم يخشون من أن يستمر ما حصل ويتكرر ويزدادون يأسا من هذا الواقع السياسي وممن أودعت لديهم المسؤولية”.
أضاف: “ونبقى في قضية انفجار المرفأ، وبعد تعيين محقق عدلي جديد، نعيد الدعوة إلى الخروج من حالة البطء في التحقيق والإسراع في تبيان الأسباب التي أدت إلى ما حصل بعيدا عن أي اعتبارات أو أي ضغوط سياسية أعاقت التحقيق سابقا، لإزالة خوف أهالي الضحايا وطمأنتهم إلى أن ما جرى ليس تمييعا للتحقيق، بل تعزيزا له، وسيرا نحو العدالة التي يتطلع إليها اللبنانيون بفارغ الصبر، وحتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى”.
وتابع: “نبقى مع المماطلة في تأمين الدولار الطالبي للطلاب الذين يدرسون في الخارج، لندعو إلى ضرورة حل هذا الأمر وعدم إبقاء الأهالي يتسكعون على أبواب المصارف دونما نتيجة. إن الدولة بكل أجهزتها معنية بهؤلاء الطلاب، ولا ينبغي أن يقف الأمر عند أهاليهم، وإذا كان هناك من يتحدث عن أزمة سيولة تعيق ذلك، فإن لهؤلاء الأولوية على الدعم الذي يذهب كثير منه إلى كبار التجار ومن ورائهم”.
وختم: “إننا أمام التهديدات الإسرائيلية، والتي تكررت كثيرا في الآونة الأخيرة وتلويح مسؤولي العدو باستهداف المدنيين مباشرة في أي عدوان جديد، فإننا في الوقت الذي نشير فيه إلى أن هذا يدخل في إطار حرب الأعصاب وتخويف اللبنانيين، ولكن هذا لا يعني عدم الحذر من عدو غادر، ولذلك ندعو اللبنانيين إلى مزيد من العمل على تعزيز مناعتهم في مواجهة هذا العدو بتعزيز مواقع القوة في هذا البلد، وعدم التفريط بها والوحدة الداخلية”.