مجلة وفاء wafaamagazine
فاديا جمعة
البيئة تجمعُ وتوحِّد أمّا السياسة فتفرق، وترمي أثقالها على اللّبنانيين خوفًا وتوجسًا من حاضر ومستقبل، فكم نحن اليوم بحاجة إلى “قيم خضراء” تنتشلنا من حضيض السياسة والفرقة والتنابذ، ليجد لبنان طريقه نحو المستقبل بخطى واثقة، وكي لا يظل أسير التلوث، ونعني هنا التلوث في السياسة الأكثر فتكًا وخطرًا من أيّ تلوّث مقيم أو عابر، هواء ومياهًا وتربة ومدىً حيويًا.
ومن المصادفات أن نشهد في لبنان ساحات تتناحر فيما البيئة وحدها تعيد التوازن الحقيقي إلى لبنان، خصوصًا عندما يجتمع اللّبنانيون بكل أطيافهم ليرفعوا الضرر عن الشاطئ الممتد من الناقورة إلى مدينة صور، وبدوا اليوم وكأنّهم يمارسون فعل نضال حقيقي في مواجهة العدو الإسرائيلي، وهو المتسبّب بكارثة التلوّث، لعلّ الشاطئ الأنقى والأنظف في لبنان بشهادة مؤسسات دولية بدا له مستفزًا، فأراد أن يرفع شاطئ صور عن قائمة الشواطئ الأنظف في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن الناس قالوا كلمتهم اليوم، رافضين التسليم بقدر أو صدفة.
السلاحف أولى الضحايا
امتدت الكارثة البيئية من ساحل فلسطين الشمالي إلى لبنان لتغطي ما يقارب الخمسين كيلومترًا من الشاطئ اللّبناني، مادة نفطية سامة رست عند الشواطئ واختلطت بالرمال لتشكل كارثة بكلّ ما للكلمة، كارثة على البيئة والحياة البحرية وقد تمتد تداعياتها لأشهر مقبلة، وربما أكثر، ومن يعلم؟
السلاحف البحرية أولى الضحايا، وأولى الكائنات التي تأثرت بهذا التلوث، إحداها وصلت مغطاة بالقطران إلى شاطئ محمية صور، فقام بعض المشاة بمساعدتها وتنظيفها وإعادتها إلى البحر أمّا الثانية فوصلت نافقة عند شاطئ استراحة صور السياحية.
مسح الأضرار
عملية مسح للأضرار وتوثيق الكارثة بأرقام ورؤية علمية، كان قد بدأ بها المركز الوطني للبحوث العلمية، وهو بصدد إعداد تقرير سيرفعه لرئاسة مجلس الوزراء بعد أن كُلِّف بذلك، عبر مناشدة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
كانت ثمة مخاوف كبيرة من تواجد بقع نفطية (من مادة القار) في الماء، إلّا أنّ المركز اللّبناني للغوص الذي كُلّف من قبل المجلس الوطني للبحوث العلمية، أكّد بشخص رئيسه يوسف الجندي خلوَّ المياه من أيّ بقع نفطية، لافتًا إلى عدم تعرّض أنفاق البياضة لأيّ ضرر نتيجة مادة القار (الزفت) التي انتشرت في الشواطئ.
حملة تنظيف
صباح اليوم، أطلق اتحاد بلديات قضاء صور والمجلس الوطني للبحوث العلمية ومحمية شاطئ صور الطبيعة، من على شاطئ محمية صور الطبيعية، وبالتعاون مع جمعيات بيئية وكشفية، وبمساعدة لوجستية من قوات “اليونيفيل” حملة تنظيف الشاطئ الجنوبي، من منطقة العباسية شمالًا حتى شاطئ الناقورة جنوبًا، وجاء ذلك بعد التسرّب النفطي الذي وصل إلى شواطئ لبنان من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الحملة انطلقت في حضور نواب المدينة وأمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة، ورئيس اتحاد بلديات صور ومدير محمية شاطئ صور والمفوض العام لكشافة الرسالة الإسلامية وقائد الدفاع المدني في كشافة الرسالة وفعاليات من المنطقة.
دبوق: مواد خطرة
رئيس اتحاد بلديات صور حسن دبوق قال لـ “أحوال” إنّه “من الضروري العمل بشكل جدي ومنظم على رفع الضرر الكبير، خصوصًا وأنّ هذه المواد خطرة على الشاطئ الذي يعتير مقصدًا لآلاف الأشخاص من كافة أنحاء لبنان”.
ورأى دبوق أنّ “كلّ تأخير سيتسبب بردمها تحت الرمال”، لافتًا إلى “ضرورة إزالتها بطريقة آمنة وسليمة”، وختم بأنّ “العمل سينظم يومًا بعد يوم، وسيطاول كامل الشواطئ الملوثة”، لافتًا إلى “أهمية تنظيم العمل يومًا بعد يوم ليطاول كامل الشواطئ الملوثة في القضاء”.
حمزة: عدوان إسرائيلي
من جانبه، أشار الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة لـ “أحوال” إلى أنّ “التقرير الذي أعدّه المركز أصبح جاهزًا لتقديمه لرئاسة مجلس الوزراء ليشكل الأساس في رفع دعوى ضد العدو الإسرائيلي في مجلس الأمن، وسيعلن عن نتيجته خلال الأيام القليلة القادمة”.
وأضاف: “ما هو مؤكد أنّ هذه الكارثة لا تصّنف سوى أنّها عدوان إسرائيلي على لبنان على شكل تلوّث وصل إلى الشاطئ البحري، كميات كبيرة من المواد النفطية السامة، وهي عبارة عن قطران”، لافتًا إلى أننا “أنجزنا تقريرنا خلال مدّة قياسية للإسراع بعملية رفع الضرر لأنّ العوامل الطبيعية من هواء ومطر من شأنها أن تغيّر معالم التلوث وتعيق عملية التنظيف، وإذا ما بقيت لفترة أطول فستتشكل كارثة، وحرص حمزة على إبراز دور المجتمع المحلي والأهلي فقال كل الاعتماد اليوم على جهود المتطوعين للتخلّص من هذه الكارثة ورفع الضرر عن الشاطئ”.
وختم حمزة: “لم يثبت حتى الآن تضرّر الثروة السمكية إذ لم يلحظ وجود بقع نفطية في المياه، ولحسم هذا الامر بطريقة علمية دقيقة سيتم فحص عيّنات من الأسماك والأصداف وغيرها لاحقًا”.
نفط خام
تجدر الإشارة إلى أنّ بعض وسائل إعلام العدو، رجّحت أن تكون كارثة تلوث القطران على الشواطئ ناجمة عن تسرّب النفط الخام، مستندة إلى ما ذكره “باحثون من الجامعة العبرية في تقرير أولي، من أنّ هناك احتمالًا كبيرًا أن تكون المادة التي وصلت إلى شواطئ البلاد هي نفط خام”.
فاديا جمعة
أحوال