الأخبار
الرئيسية / سياسة / ندوة عن دور رئيس الجمهوريّة في إدارة الشأن العام بعد الطائف بمشاركة سليمان وجريصاتي وشربل مارون

ندوة عن دور رئيس الجمهوريّة في إدارة الشأن العام بعد الطائف بمشاركة سليمان وجريصاتي وشربل مارون

الخميس 03 تشرين الأول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

نظمت جامعة القديس يوسف طاولة مستديرة عن “دور رئيس الجمهورية في إدارة الشأن العام بعد الطائف”، في قاعة غولبنكيان في حرم العلوم الاجتماعيّة، شارك فيها الرئيس ميشال سليمان، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، الدكتور شربل مارون، وأدار الحوار مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد البروفسور باسكال مونان، في حضور الوزير السابق ألان حكيم ممثلا الرئيس امين الجميل والنائب سامي الجميل، جو عيسى الخوري ممثلا الرئس نجيب ميقاتي، النائب زياد حواط، باميلا عبدالله ممثلة وزير الخارجية جبران باسيل، الوزيرة السابقة أليس شبطيني، اللواء رفيق زنتوت، نقيب المحامين اندريه شدياق، واكاديميين واعلاميين وطلاب.

مونان
النشيد الوطني، ثم ألقى مونان كلمة قال فيها: “يصادف هذه السنة مرور ثلاثون سنة على توقيع إتفاق الطائف الذي توصل اليه اللبنانيون في الثاني والعشرين من تشرين الأول من العام 1989، والذي أرسى واقعا دستوريا جديدا في لبنان. وللمرة الأولى منذ الاستقلال أُدخلت تعديلات دستورية قلصت صلاحيات رئيس الجمهورية، وتحولت السلطة التنفيذية الى مجلس الوزراء مجتمعا.
صادق النواب بعد اثنين وعشرين يوما من المناقشات على النص النهائي لوثيقة الوفاق الوطني، التي أصبحت الدستور الجديد للبلاد.
استحوذت صلاحيات رئيس الجمهورية على حيز كبير من مناقشات النواب بسبب تركيبة المجتمع اللبناني المتعدد الطوائف، ولأن دستور ما قبل الطائف أناط بالرئيس السلطة الاجرائية بمعاونة رئيس مجلس الوزراء والوزراء.
تمتع الرئيس في مرحلة ما قبل الطائف بصلاحيات كثيرة، وقال معارضون لهذه الصلاحيات إنه كان سلطانا. والواقع انه كان سلطانا في الكثير من الشؤون اذا شئتم على الورق، لأن الدستور شيء والممارسة شيء آخر. ومن الصعب القول ان رؤساء ما قبل الطائف مارسوا صلاحياتهم الدستورية بشكل كامل ودائم، وبمعزل عن الواقع السياسي السائد”.

أضاف: “في أغلب الأحيان كان رئيس الجمهورية في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف يأخذ في الاعتبار موازين القوى السياسية لتأليف الحكومة، في حين ان الدستور لم يكن يتضمن اي مادة تفيد بأن الاستشارات ملزمة. وهناك أمثلة عديدة، بينها عندما كلف الرئيس بشارة الخوري قائد الجيش فؤاد شهاب تأليف حكومة عام 1952 لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وعندما كلف الرئيس الراحل سليمان فرنجية عام 1976 اللواء نور الدين الرفاعي تأليف حكومة لم تقلع، وعندما كلف الرئيس أمين الجميل عام 1988 قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون تأليف حكومة عسكرية”.

وتابع: “الواقع أن دستور العام 1926 كان يتضمن نفحة رئاسية لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية، التي انتقلت الى مجلس الوزراء مجتمعا في اتفاق الطائف .
شكل اتفاق الطائف صيغة حكم جديدة بين اللبنانيين. وانتقل النظام الذي كان الدستور فيه قد خص رئيس الجمهورية بصلاحيات مميزة، الى ما يمكن تسميته بنظام توافقي طائفي، حيث أنيطت السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعا. وأدى هذا التطور الى تغيير جذري في ممارسة الحكم عما كان سائدا منذ استقلال لبنان.
وفي رأي الوزير والنائب السابق ادمون رزق الذي شارك في اتفاق الطائف، ان وثيقة الطائف عدلت أصول تسيير السلطة الاجرائية، فنقلت بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا، من الشخص الى المؤسسة مكتملة. لم تأخذ من شخص لتعطي شخصا. ويضيف: ألغت الوثيقة صلاحيات غير قابلة للممارسة، ولم يسبق أن مارسها أي رئيس في لبنان، منذ الاستقلال حتى الطائف، لأنها تدخل في دساتير الأنظمة الرئاسية لا البرلمانية.
كما ان الوزير والنائب الراحل جورج سعادة الذي شارك في الطائف رأى ان مختصر ما جرى في الطائف هو أن ما كان ينفذ عرفا تكرس نصا، وأن النصوص التي كان يحاسب عليها رئيس الجمهورية دون أن تكون له القدرة على تنفيذها ويتحمل وزر ما كانت تسببه من أزمات، قد أزيلت من الدستور.
ويبقى الحكم في ذلك لأهل القانون المتخصصين.

وفي المقابل يرى العديد من السياسيين والخبراء الدستوريين والقانونيين ان الكثير من الصلاحيات نُزعت و انتُزعت من رئيس الجمهورية . وكان لافتا ان جميع رؤساء الجمهورية بعد الطائف طالبوا بإعادة النظر بصلاحيات الرئيس بعدما اكتشفوا من خلال الممارسة وجود خلل كبير. والرئيس الحالي العماد ميشال عون من منطلق دوره كحامي الدستور و راعي تطبيقه و حرصه على العيش المشترك، أكد في خطابه بماسبة عيد الجيش إلتزامه بالطائف و أن اتفاق الطائف يشكل مظلة لحماية الميثاق الوطني عبر صون حقوق الجميع و تحقيق التوازن بين مختلف شرائح المجتمع و مكوناته. وأكد أنه لا يمكن لأي ممارسة أو موقف ان يناقض روحية اتفاق الطائف”.

وسأل: “هل هناك ما يجب اصلاحه في الطائف؟ وهل هو ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية؟ هل يجب اعادة النظر في هذه الصلاحيات في ضوء الممارسة حتى يمكنه القيام بدور وطني مؤثر؟ كيف هو دور رئيس الجمهورية في ادارة الشأن العام مع التعديلات التي دخلت على صلاحياته في الطائف؟ هل تطبيق الطائف كاملا هو المدخل لتصحيحه و تصحيح الخلل في هذا الإطار؟
واقع الأمر أننا أمام مشكلة دستورية وسياسية تبرز تجلياتها في المفهوم لما نريد من مركز رئاسة الجمهورية في لبنان. ما معنى هذا التغيير في الطائف؟ هل نريده حكما؟ كملكة بريطانيا أو الرئيس الإيطالي؟ هل نريده رئيسا قويا؟ ما معنى الرئيس القوي؟ ما هي مواصفاته؟ هل يمكن ان يكون كذلك من دون اعطائه الصلاحيات اللازمة في الدستور؟ هل الرئيس القوي يعني الرئيس الشعبي ؟ ام هو الرئيس صاحب العلاقات الحسنة مع المكونات السياسية او الطائفية في الوطن ؟ هل هو الرئيس صاحب التمثيل المسيحي؟ ام صاحب التمثيل الوطني؟ أم الإثنين معا؟

في موازاة هذه الأسئلة تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية صلاحية السهر على احترام الدستور. والرئيس بهذه الصلاحية حامي الجمهورية من خلال حماية دستورها.
والرئيس ميشال سليمان الحاضر معنا ادرك هذه المهمة، وكان الوحيد من بين الرؤساء في فترة ما بعد الطائف، الذي لم تمدد ولايته الدستورية، احتراما منه للدستور وحماية له.
انطلاقا من مسؤولية مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف، الذي أُنشىء بسعي ومبادرة من رئيس الجامعة الأب البروفسور سليم دكاش، وانطلاقا من دوره في فتح حوار السياسات العامة والحوكمة يأتي هذا اللقاء الجامع”.

وأشار الى انه “سيكون للمرصد سلسلة من النشاطات بينها مؤتمر حول البلديات وديموقراطية المشاركة في الرابع عشر من تشرين الثاني المقبل، وندوات حول دور رئيس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس النواب ومجلس النواب في ادارة الشأن العام والحكم الرشيد بعد اتفاق الطائف. كما سيكون هناك مؤتمر عن واقع الادارة العامة كأساس لتكوين الدولة والمواطنة في لبنان، بالإضافة إلى نشاطات أخرى بينها منح جائزة الوزير ميشال اده هذا العام كأفضل اطروحة جامعية حول السياسات العامة والحكم الرشيد في لبنان. أما اليوم فسنسعى لتقديم إجابات عن الأسئلة المطروحة من خلال هذه الطاولة التي تجمع خيرة من المسؤولين والمتخصصين: الرئيس ميشال سليمان، الوزير سليم جريصاتي، الدكتور في الاعلام والتواصل شربل مارون”.

سليمان
وتحدث سليمان، فقال: “تطور دور الرئيس بصورة عامة في مناخ العولمة.
1- بروز الحاجة الى فريق عمل متخصص نظرا لتعدد حاجات المجتمع الذي اصبح استهلاكيا بإمتياز ودور رئيس الفريق.
2- التطور التكنولوجي، تقنيات الاتصال والذكاء الاصطناعي والـBig Data تفرض دورا مختلفا ايضا وضروريا في الوقت نفسه أكثر من أي وقت مضى.
كما ان هذا الدور لم يعد فرديا او متفردا في ظل الانظمة الديموقراطية الليبرالية، والقيادة اليوم تتطلب أسلوبا مميزا يرتكز على ثلاثة مبادىء: اللامركزية، المشاركة، الاتصال Communication.

ثانيا: دور رئيس الجمهورية اللبنانية بعد الطائف
1- مرتكزات دور الرئيس
أ- رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه، ويقسم امام البرلمان على احترام دستور الامة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه. وتحديدا، فالمواد من 49 الى 59 التي تنص على صلاحيات الرئيس، التي سيناقشها الوزير سليم جريصاتي الخبير الدستوري، تعطي الرئيس دورا اساسيا وحاسما لتأمين حسن سير عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية وضبط عملهما في المنحى الايجابي، وبخاصة انه مسؤول عن التزام مبادىء الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها القائم عليها النظام وفقا للبند “هـ” من مقدمة الدستور.

ب – ان شخصية رئيس الجمهورية وصفاته تمكنه من لعب دوره في ادارة الشأن العام الناتج من الصلاحيات المنصوص عليها صراحة في الدستور، عن المهمات المنوطة برئيس الجمهورية وعن المواقف المستمدة من روح الدستور بواجب المحافظة عليه، وذلك عبر البيانات والتصريحات والخطابات والمؤتمرات في الداخل والخارج.

2 – دور الرئيس في المواضيع الاساسية المرتبطة بالسياسة العامة
أ – الدور التشريعي.
– القوانين: اصدار المعجلة منها بمرسوم، احالة مشاريع القوانين على مجلس النواب، اصدارها، اعادة النظر فيها والطعن بدستوريتها.

1- عقود مجلس النواب: تأجيل انعقاد المجلس لمدة شهر والدعوة الى عقود استثنائية.
– توجيه رسالة الى مجلس النواب.
– حل مجلس النواب…الخ.

ب – دوره الاجرائي (كسلطة اجرائية).
– الاستشارات النيابية، تكليف رئيس الحكومة، توقيع مرسوم تشكيل الحكومة وقبول استقالتها.
– ترؤوس جلسات مجلس الوزراء كلما رغب في ذلك، الاطلاع على جدول الاعمال، الدعوة الى عقد جلسة استثنائية، طرح موضوع طارىء خلال الجلسة، الاشراف على اقرار الموازنات، اقرار المشاريع واصدار التعيينات الادارية والامنية وهيئات الرقابة والمحاسبة… الخ.
– هو ضابط إيقاع السياسة العامة للبلاد والعلاقات الخارجية.
– يرسم سياسة الدولة العامة في مجلس الوزراء التي تتفرع منها السياسات الخارجية، الاقتصادية، الامنية، التربوية، والبيئية الخ…
– يسهر على العلاقات الخارجية والدبلوماسية عبر صلاحية التفاوض في المعاهدات وعبر اعتماد السفراء وقبول اعتماد الاجانب منهم واستدعائهم عند الاقتضاء والقاء خطابا سنويا بحضور السلكين الدبلوماسي والقنصلي، القمم الثنائية والجماعية والزيارات للدول، الاشتراك في المؤتمرات الدولية.
عضوية مجلس الامن لعامي 2010 و2011 وترؤسه مرتين لمدة شهر في كل منها.
-التزام الشرعية الدولية ومواثيقها.

ج – دوره في تحقيق العدالة والحرص على استقلالية القضاء (القاضي الاول).
– تعيينات المجالس الدستوري، القضاء الاعلى، المجالس القضائية والهيئات الرقابية وهيئات المحاسبة والتي تقسم اليمين امام الرئيس.
– التشكيلات القضائية- مراسيم صرف القضاة- الاعدام- العفو الخاص وافتتاح السنة القضائية.
– المحكمة الدولية والتمديد لها.
– قضية ميشال سماحة.

د – الدور الدفاعي والامني.
– رئيس المجلس الاعلى للدفاع.
– الرئيس المباشر لجهاز امن الدولة.
– القائد الاعلى للقوى المسلحة.
– التعيينات الامنية.
– مراسيم تعيين قادة الوحدات الكبرى والترقيات.
– استقبال قادة الاجهزة والاجتماع معهم.

3 – دوره في السهر على قيام الحكومة بوظائفها.
بصفته رئيسا للدولة يترأس مجلس الوزراء ويوقع المراسيم الصادرة عنه وعن الوزراء ويشرف على قيام الحكومة بوظائفها الثلاث المتمثلة بتحقيق الديمقراطية والانماء والحوار والمعروفة بـ3D:
Democratie
Developpement
Dialogue

أ – الديموقراطية:
– رئيس الجمهورية هو العين الساهرة على التزامها ومطابقة قوانين الانتخاب لمبادئها دون مخالفة الدستور وروحه.
– المحافظة على القيم الانسانية المتمثلة بالديموقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان ومنع التعصب ونبذ الطائفية والعنصرية ومجابهة الارهاب.
ب – الانماء:
(1)- تنمية الانسان اللبناني ورعاية التربية والتعليم ودور الشباب والمرأة.
– تعزيز المواطنة- السياسة الشبابية، جودة التعليم، استقبال الطلاب (هارفرد)- حفلات التخريج افتتاح فروع جامعية وتطوير الاساليب، توقيع Pacte Linguistique مع المنظمة الفرنكوفونية (اول بلد)، ودعم العائلات الاكثر فقرا.

(2)- التنمية الاقتصادية
– خلق مناخ ثقة لتشجيع الاستثمار الخارجي والداخلي.
– السهر على الانماء المتوازن.
– رعاية مشاركة القطاع الخاص-جائزة التميز.
– اعداد مشروع اللامركزية الادارية واطلاقه من القصر الجمهوري.

ج – الحوار
– الحوار هو الدور المستمر للمسؤولين والحكومات والمؤسسات. حوار داخل كل مؤسسة، حوار بين المؤسسات وحوار مع الخارج وبين الدول.
– الحوار الوطني وهو الصورة الاعدادية لهيئة الغاء الطائفية السياسية- اعلان بعبدا.
– تصور الاستراتيجية الدفاعية وتأسيس المجموعة الدولية لدعم لبنان.
– مصالحة بريح.
– لبنان اكثر من دولة هو رسالة ، ومن هذا المنطلق واستعدادا لافتتاح اكاديمية الحوار ينبغيي تكريس هذا الدور بمباشرة الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية

ثالثا: الخاتمة
لا يمكن لاي مسؤول او اي سلطة ان تلعب دورها كاملا او تمارس صلاحياتها بمعزل عن السلطات الاخرى والمؤسسات، وهذا ما يلزمنا به الدستور وترشدنا اليه مواده وروحه وروح العقد الاجتماعي.
وبالنتيجة لا بد لنا من الذهاب الى الدولة المدنية التي تبدأ بتحييد لبنان واقرار استراتيجية دفاعية وتشكيل هيئة الغاء الطائفية السياسية وهذا ما ينص عليه الطائف”.

جريصاتي
وقدم الوزير جريصاتي مداخلة قال فيها: “إن دستور ما بعد وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، لا يمكن مقاربته موضوعيا بمعزل عن الدستور اللبناني الذي وضع في عهد الانتداب في 23 أيار 1926 بعد مخاض عسير وفي ظل مفارقة تاريخية لها معانيها ودلالاتها. إن وطأة الأحداث التي جرت سنة 1925 في سوريا، والتي وصلت إلى حد الانتفاضة المسلحة ضد السلطة المنتدبة، كان من نتائجها المباشرة تعديل في المعطيات السياسية لما سمي في حينه “المشكلة السورية”، ومن نتائجها غير المباشرة، قيام السلطة المنتدبة بشخص المفوض السامي الجديد Henri de Jouvenel بالإسراع في وضع الدستور اللبناني للتدليل على أن تلك السلطة جادة في تنفيذ أحكام صك الانتداب التي فيها مبعث اطمئنان للبلاد والشعوب الواقعة تحته.

هكذا حسمت السلطة المنتدبة ترددها ردحا من الزمن حول وسائل وضع “التنظيم الأساسي” لدولة لبنان على ما كان يدعوها إليه صك الانتداب الذي حرصت مادته الأولى على التأكيد أن يتضمن هذا التنظيم الأساسي لسوريا ولبنان – وقد اقتصر الأمر في البدء على لبنان – التدابير الكفيلة بتسهيل التطور التدريجي لسوريا ولبنان باتجاه الاستقلال.
تعدل هذا الدستور مرات على مر الزمن، في عهد الانتداب (1927 و 1929) وعند انتهائه (1943). إلا أن التعديل الأبرز والأعمق هو الذي حصل بموجب القانون الدستوري الرقم 18 الصادر بتاريخ 21/9/1990 والرامي إلى “اجراء تعديلات على الدستور تنفيذا لوثيقة الوفاق الوطني” (اتفاق الطائف).

إن وثيقة الوفاق الوطني، التي كان قد توصل إليها بصيغتها الراهنة، وبرعاية عربية حثيثة، النواب اللبنانيون الذين انتقلوا إلى المملكة العربية السعودية واجتمعوا في مدينة الطائف، أقرها المجلس النيابي اللبناني في جلسته المنعقدة في 5 تشرين الثاني 1989، واعتبرها رئيس المجلس في حينه أنها بمثابة “عقد وطني ملزم لنا معنويا وسياسيا، ونحن نوافق عليها كوثيقة سياسية لها مدلولاتها ومعانيها وأبعادها الدستورية ولها نتائجها فيما بعد”، على ما ورد حرفيا في خاتمة محضر تلك الجلسة الشهيرة”.

أضاف: “إن هذه الطبيعة المزدوجة للوثيقة، من حيث أنها دستور واتفاق سياسي، وفي مطلق الأحوال عقد وطني، تبرر مقاربتها من الناحية الدستورية كما من الناحية السياسية معا، في معرض الإحاطة بموقع رئيس الجمهورية ودوره.

أولا: المقاربة الدستورية:
إن المقاربة الدستورية للوثيقة، أي لدستور ما بعد الطائف، تظهر، في ضوء المضمون أو الممارسة، العلامات الفارقة التالية:

1- إن الدساتير هي فعل إيمان مشترك وجامع بوطن ونظام حكم وعيش، يبديه ويعلنه شعب في مفصل محوري من حياته، في حين أن دستور ما بعد الطائف إنما يقع موقع “ردة الفعل” على جنوح رئاسي وفراغ في الموقع وانشطار مجلس الوزراء واندلاع أحداث أمنية مأساوية افترست الشرعية الدستورية، و”رد اعتبار” إلى الدور السوري، برعاية عربية حثيثة، بعد انتكاستين مني بهما هذا الدور بمعرض كل من اتفاق 17 أيار والاتفاق الثلاثي، اللذين لم يجدا طريقهما إلى التنفيذ، بالرغم من الاختلاف الجوهري بينهما في المرتكزات والأهداف والجهة الإقليمية الحاضنة. لا يحتمل هذا القول تجنيا أو تهجما على الوثيقة أو تنكرا لها أو لمآثرها، بل هو مجرد توصيف واستحضار لظروفها بهدف تحصينها من طريق التطوير- أو التعديل إذا توافرت ظروفه – في ضوء الممارسة والشوائب والثغرات.

2- إن الرعاية أضحت وصاية. المقصود أن الرعاية العربية لاستيلاد وثيقة الوفاق الوطني انسحبت على المضمون. فاذا كانت الدساتير التي تعير اهتماما خاصا لانتظام عمل مؤسسات الدولة وتعاونها وتوازنها تلجأ بصورة حتمية إلى حكم عادل توجده في أحكامها وتنيط به صلاحية اتخاذ الموقف الفاصل، فلإن دستور ما بعد الطائف أغفل التحكيم في معرض أو بحجة المشاركة في الحكم، فأضحى لبنان، نظاما وحكما ومؤسسات بحاجة إلى هذا التحكيم الحتمي من خارج لدن الوطن، فكانت الوصاية السورية بعد انحسار الرعاية العربية وتسليمها بالدور السوري المذكور.

نرى بصدق وموضوعية أن الدور السوري، من حيث كان وصاية، كان سهل المنال كونه أتى من الفراغ الدستوري الذي أشرنا إليه في موقع التحكيم، والحاجة الحتمية إلى سده، إلا أنه تجاوز الوصاية “الدستورية” إلى ما هو أبعد من هذا التوصيف في الممارسة، وذلك لأسباب عديدة ومتشعبة. بعضها مفقوه وبعضها مبرر وبعضها مرفوض، إلا أن جميعها لم تغب عنها عوامل الجذب والاستدراج اللبنانية لهذا الدور، فكان الشطط والتنفيذ الانتقائي للوثيقة والتحكيم المتفلت من معايير وضوابط، وبالتالي ممارسة لا يمكن الركون إليها لاستخلاص أعراف دستورية صحيحة. هذا ما يفسر من دون شك التخبط الحالي في فقه مبادئ الدستور وأحكامه وتطبيقها.
كما أننا نرى بصدق وموضوعية أنه من البديهي أن يقوم رئيس الجمهورية بالإمساك بمفاصل دور الحكم المفقود والمنشود والضابط إيقاع عمل المؤسسات الدستورية وانتظام الحياة العامة، كما يحصل راهنا في غياب أي وصاية خارجية مباشرة، من حيث أن الدستور قد جعل منه دون سواه رئيسا للدولة ورمزا لوحدة الوطن وساهرا على احترام الدستور وسائر قوانين الأمة، وسلامة الأرض والشعب ووحدتهما واستقلال لبنان، وأخضعه دون سواه، عند قبضه على ناصية الحكم، لإداء قسم الإخلاص للأمة اللبنانية والدستور. إلا أنه يبقى أن يعطى رئيس الجمهورية الوسائل الدستورية الكفيلة بتمكينه من القيام بدوره هذا، ما يفرض إعادة تصويب بعض مواد الدستور لجهة التطبيق – أو المضمون إذا امكن – من دون أي مساس بمبدأ المشاركة في الحكم، بمفهومها الحقيقي والإيجابي، أي الذي يبعد هذه المشاركة المرجوة عن المحاصصة المقيتة أو المشاكسة البغيضة، وهما علتان من علل النظام في لبنان جعلتا الديموقراطية فيه ديموقراطية هجينة أسمتها دراسة فرنسية حديثة “démocratie de concurrence” في معرض مقاربة الدساتير المقارنة، ومنها الدستور اللبناني.

3- إن الصيغة الراهنة للدستور اللبناني، فضلا عن افتقادها الخطير موقع الحكم ودوره وقدراته على ما أسلفنا، إنما تشوبها عيوب وتناقضات وثغرات كثيرة أصبح الدستور معها كهلا عليلا وعاجزا عن مواكبة الحياة العامة، وهو بالمناسبة، من حيث الأقدمية، عميد الدساتير العربية السارية المفعول، ولم تسعفه جرعة اتفاق الطائف بما يستمد منه وجود معزز بممارسة صحيحة أو استمرار مزخم في ظل المفاهيم الحديثة للمواطنة والحقوق والحريات العامة والخاصة، وواجبات الدولة تجاه المواطنين في كل الحقول والميادين، ونظرية السيادة الوطنية في ضوء تعاظم حضور الشرعية الدولية، وما إلى ذلك…
إن الشوائب ليست فقط في الممارسة الخاطئة والانتقائية أو المغرضة للدستور، بل تكمن أيضا في الدستور ذاته، سيما في الصيغة الراهنة بعد تعديلات 1990 الموصوفة ظروفها أعلاه، والتي لم تصدر بشأنها أي قوانين تطبيقية تصب في خانة تقليص مساحة العيوب والتناقضات والثغرات، في حال تعذر التعديل الدستوري”.

وتابع: “نكتفي بالإشارة إلى بعض مواطن الخلل والزلل، لاسيما بموضوع الدور الرئاسي، كالتالي :
– ضرورة إيجاد تحديد دقيق ومفهوم عملي لخروج أي سلطة عن ميثاق العيش المشترك ووسائل توصيف الحالة والتصدي لها بصورة ناجعة. إن ما شهده لبنان اعتبارا من 11/11/2006 بهذا الخصوص مدعاة للتفكير الملي بالموضوع والاستئناس بوسائل “الانهاك الشرعي” التي اعتمدت، على جرأتها ومحدوديتها في آن، لمقاربته ولاستنباط حل يقضي بإعطاء رئيس الدولة سلطة التصدي لهذه الحالة ومعالجتها بشكل ناجز. أقدم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على خطوة مقدامة ومتقدمة في هذا السياق بمعرض طلبه من مجلس النواب تفسير المادة 95 من الدستور المتضمنة عبارة “وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني”.

– ضرورة تحديد نصاب حضور جميع جلسات مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية والأكثرية الموصوفة للانتخاب، بالثلثين على الأقل حتما من عدد الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب وفقا لقانون انتخابه، وذلك في جميع دورات انتخاب رئيس الجمهورية، ما من شأنه تحصين الموقع من طريق تأمين أوسع توافق نيابي ممكن على شخص الرئيس. هذا ما حصل في الانتخاب الأخير الذي حمل الرئيس العماد ميشال عون إلى السدة الرئاسية الأولى.

– تقييد رئيس الجمهورية، بخلاف رئيس مجلس الوزراء كما الوزراء، بمهل محددة لإصدار القوانين والمراسيم وطلب نشرها.

– افتقار رئاسة الجمهورية، وهي رأس السلطات، إلى قانون تنظيمي تنهض عنه مؤسسة رئاسة الجمهورية بكيانها المستقل والمتمكن من الإحاطة بجميع أنشطة الدولة وسلطاتها ومؤسساتها وإداراتها وهيئاتها والبرامج والملفات، على أن تتبع المديرية العامة للرئاسة إلى هذه الهيكلية، وهي جهاز مركزي من أجهزة الدولة في قانون تنظيمها.

هـ افتقار مجلس الوزراء، الذي ناط به الدستور مجتمعا السلطة الإجرائية، إلى قانون تنظيمي، في حين أن السلطة المشترعة، وهي السلطة الأم في نظامنا الديموقراطي البرلماني، لها نظامها الداخلي المفصل بدقة (بالرغم من عدم صدوره بقانون) الذي يواكب عملها ويحل إشكاليات كثيرة كموقع نائب رئيس مجلس النواب ودوره. إن من شأن هذا النظام الداخلي لمؤسسة مجلس الوزراء، المحصن بالتشريع، أن يعطي الأجوبة الحاسمة عن التساؤلات المتعلقة بمفهوم التضامن الوزاري، وموقع نائب رئيس مجلس الوزراء ودوره، والعدد الذي يجب أن يتوافر في الوزراء للتمكن من طلب عقد جلسة لمجلس الوزراء، وحق الوزير في إدراج المواضيع المتعلقة بوزارته في جدول أعمال المجلس، والمدى الزمني لتمنع رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء المختصين عن توقيع القرارات والمراسيم المتخذة في مجلس الوزراء وتحديد المهلة لاعتبارها نافذة حين انقضائها، وسواها من المسائل الموضوعية أو الإجرائية.

– غموض آلية الاستشارات النيابية الملزمة التي يسمي بنتيجتها رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف (مسألة الإلزام بمعرض الاستشارة- مسألة ترك النواب حرية الاختيار لرئيس الجمهورية- مسألة التشاور مع رئيس مجلس النواب- مسألة تحديد الأكثرية العادية أو المطلقة التي يجب أن يحوزها من يكلفه رئيس الجمهوية بتأليف الحكومة).

– تفلت مهل التكليف والتأليف وتصريف الأعمال بالمعنى الضيق من أي ضوابط زمنية، مع الإشارة إلى إمكانية الاستئناس بما يُسمى “المهلة المعقولة” “délai raisonnable” في القانون الإداري وترك تقديرها إلى رئيس الجمهورية.

– التباس علاقة رئيس الجمهورية برئيس مجلس الوزراء في أكثر من موقع، وتحديدا حيث ينص الدستور على ممارسة اختصاص معين بالاتفاق بينهما، أو في معرض آلية وضع جدول أعمال مجلس الوزراء، وسوى ذلك من المجالات حيث يلتقي فيها رئيس الدولة برئيس الحكومة لإنتاج القرارات أو اتخاذ الإجراءات النافذة. إن عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، الذي تخص المادة 52 من الدستور رئيس الدولة بصلاحية تولي عقد المعاهدات وإبرامها بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، قد يكون التعبير الأمثل عن حالة التخبط التي تشوب هذه “المشاركة التقريرية”، في حين أن هذه الصلاحية هي الصلاحية الوحيدة لرئيس الجمهورية، اذا ما استثنينا اعتماد السفراء وقبول اعتمادهم، في مجال العلاقات الخارجية للدولة، وهي محفوظة لرأس الهرم في جميع الأنظمة الديموقراطية البرلمانية. إن الأمور استقرت راهنا بالممارسة على هذه المقاربة.

– إن صلاحية رئيس الجمهورية بتوجيه رسائل إلى مجلس النواب عندما تقتضي الضرورة، يجب أن تتأسس عليها مفاعيل مكرسة في النص الدستوري، ذلك أن قيام رئيس الجمهورية بممارسة هذه الصلاحية يفيد أن ثمة أمرا جللا يريد إحاطة مجلس النواب به كي يناقشه ويتخذ بشأنه الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب، وفقا للإجراءات المنصوص عنها في المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس النيابي. يكفي أن نذكر سابقتين عن إهمال مجلس النواب تداعيات هذه الخطوة الرئاسية كي نعي جميعا أن هذه الصلاحية تبدو شكلية في حين أنها جوهرية على ما شرحنا:

– الأولى في آذار 1998، عندما دعا المرحوم الرئيس الياس الهراوي مجلس النواب إلى مناقشة قانون الزواج المدني الاختياري وقرنه بطلب تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.
– الثانية في أيار 2005، عندما وجه الرئيس العماد اميل لحود رسالة إلى مجلس النواب حضه فيها على تجاوز قانون الانتخاب لعام 2000 المشوب بأكثر من عيب ووضع قانون جديد للانتخاب.

– كيف يكون رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة في حين أنها تخضع لسلطة مجلس الوزراء؟ وهل من ضرورة حتمية لتعديل قانون الدفاع الوطني؟

ثانيا: المقاربة السياسية:
إن رئيس الجمهورية مدعو إلى التزام دستوري مثلث الأضلاع:
1- التزام تجاه الوطن، إذ على رئيس الجمهورية أن يحافظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه.
2- التزام تجاه الجمهورية، إذ على رئيس الجمهورية أن يحترم المبادئ والنصوص المدرجة في وثيقة الوفاق الوطني والدستور وقوانين البلاد، ويعمل على أن تحترم جميع سلطات الدولة ومؤسساتها هذه المبادئ والنصوص.
3- التزام تجاه الشعب، إذ على رئيس الجمهورية أن يسهر على وحدته وعلى أنه مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، وعلى عدم فرزه على أساس أي انتماء كان، وعلى إحلال العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراده من دون تمايز أو تفضيل، وعلى أن ينعم بالإنماء المتوازن في مناطق وجوده كما بالحريات العامة والخاصة التي يكرسها الدستور وتنص عليها القوانين.

أما مقولة إن دستور الطائف، بالإيحاء أو المواربة، قد حفظ لرئيس الجمهورية الفطن والكفؤ أن يرفض تأليف حكومة لا يكون له فيها عدد الثلث زائدا واحد من الوزراء، الضامن أو المعطل لنصاب الانعقاد و/أو أكثرية التصويت على المواضيع الأساسية المحددة في المادة 65 من الدستور، إنما هي مقولة لا تستقيم على الاطلاق، ذلك أن فيها استخفافا بموقع رئيس الدولة ودوره إلى حد الحياء من تكريس صلاحية له في النص الدستوري، كما أن فيها التفافا على التحكيم الرئاسي، الذي هو سلطة لا تستجدي أو تتوسل سلطة أخرى، كالسلطة الإجرائية التي يرئسها رئيس مجلس الوزراء، ولا يمكن بالتالي أن يكون رئيس الدولة جزءا منها أو عضوا فيها، حتى لو تسنى له ترؤس جلسات مجلس الوزراء حين حضوره، ذلك أنه، في مطلق الأحوال، يشارك في المداولات ولا يصوت. لا نرى حقيقة أي فائدة من إشراك رئيس الجمهورية في سلطة يرئسها سواه بقدر ما لا نرى فائدة من إعادة النظر في ترؤس سواه هكذا سلطة! بصورة أوضح وأكثر التصاقا بالواقع السياسي الطائفي الراهن والانتقالي، إن رئيس الدولة المسيحي، مهما اتسعت أو ضاقت رقعة المناصفة أو المثالثة ضمن المناصفة أو زاد عدد المسيحيين أو نقص أو تنامت أو تقلصت مساحة انتشارهم أو انحسارهم في الوطن أو الدولة، يبقى هو دون سواه، المرشد والموجه والحكم الذي لا يقيد تحكيمه أي قيد، كأن يكون مشاركا بصورة غير مباشرة في سلطة الاشتراع أو سلطة الإجراء، وبالتالي في التجاذبات والاصطفافات السياسية والخلافات المحورية التي قد تنشأ في البلاد وترتد على تماسك السلطتين المذكورتين وفعالية كل منهما في ممارسة اختصاصه.

عليه، يكون رئيس الجمهورية، في موقعه ودوره، سلطة فوق (وليس “على”) جميع السلطات، يتدخل عند الضرورة لفرض احترام الميثاق والدستور وقوانين الأمة وما تمليه المصلحة العليا للدولة التي يحددها هو بالذات عملا بدوره ورمزيته وقسمه.

الإنجاز يتكلم عن الرئيس والنصوص، وليس أي شيء آخر، ويكفي أن أذكر في هذا الصدد العمل على إقرار قانون الانتخابات النيابية وفق النظام النسبي مع الصوت التفضيلي الذي تحقق معه تمثيل شعبي أقرب ما يكون إلى الصحة والفعالية.

الإنجاز أيضا وأيضا باستبطان الرئيس صلاحياته من الدستور، بالحدود القصوى التي يتيحها، فلا يخشى من ممارستها، بل يُقدم عليها من منطلق قسمه والوسائل المفترض توافرها لديه لعدم النكوص به، ذلك أن الدستور لا يضع مكائد لمتولي السلطة العامة، والمقصود صلاحيات كاد الغبار أن يُدخلها عالم النسيان، على غرار ما قام به رئيس الجمهورية الحالي من تأجيل انعقاد مجلس النواب إلى شهر عملا بالمادة 59 من الدستور الموضوعة سنة 1927 والتي لم ينل منها أي تعديل، ولم تجد يوما طريقها إلى التطبيق، فضلا عن رد القوانين ورعاية المصالحات الوطنية الكبرى وترؤس جلسات حوار المسؤولين والسلطات عند الأزمات، على ما حصل أخيرا بشأن الأزمة المالية والاقتصادية، وتقديم مقترحات الحلول، ودعوة المجلس الأعلى للدفاع وسائر الهيئات العامة والخاصة المعنية بأزمة تنقض على الوطن، على ما حصل عند تغييب رئيس حكومتنا قسرا خارج البلاد”.

وختم جريصاتي: “الإنجاز أخيرا أن لا تترك مساحة رمادية في الدستور يكون فيها للرئيس التزام ودور، إلا وتملأ، فيزول عنها الشحوب وخطر إلغاء النص بالتقادم abrogation par désuétude. على الرئيس أن يقدم حيث الإتاحة، والتحصين واجب في كل حين”.

مارون
واخيرا تحدث مارون، فقال: “هناك 4 رؤساء للجمهورية منذ التوصل الى اتفاق الطائف. والرؤساء الـ4 بعد الممارسة قالوا ما معناه إن صلاحيات رئيس الجمهورية كما هي بحاجة الى تعديل. انا سأضيء على الصورة العامة للرئيس، قبل الطائف وبعده، من خلال الاعلام، وكيفية تكوين هذه الصورة عند الرأي العام.

قبل اتفاق الطائف: في الغالب صورة الرئيس كانت من صنع الشعبة الثانية او الأمن العام . هكذا كانت الأمور مع مختلف الرؤساء.
رئاسة بشارة الخوري : صورته صورة رئيس نخبوي، محام كبير لامع.
سياق الصورة مهم جدا. الرئيس الوطني الذي حقق الاستقلال. وبالتالي الرئيس الفاعل صانع الحدث. الكيمياء مع رياض الصلح جعتله بمعزل عن الصلاحيات رئيسا مؤثرا. تأثير صورة الفساد التي طبعت العهد من خلال ممارسات السلطان سليم.
دور كبير للأمن العام.

رئاسة كميل شمعون: كان هو الصورة. الرئيس الساحر صاحب الطلة الجذابة. دور الكاريزما الشخصية. الرئيس القوي الذي يواجه الخصوم في الداخل (كمال جنبلاط وصائب سلام) (مثلا رئاسة سامي الصلح للحكومة).
هو الذي لا يتخلى عن الحكم، الذي يواجه الخصوم في الداخل والخارج (جمال عبد الناصر).
اعتمد على الأمن العام.

رئاسة فؤاد شهاب: الرئيس القوي من خلال المؤسسات ومشروع بناء الدولة، ومن خلال التسوية الدولية – الاقليمية التي جاءت به. وهنا ايضا دور السياق.
كان يفتقد صورة الزعيم الساحر، بعكس كميل شمعون مثلا. اعتمد على الأمن العام والشعبة الثانية.
يقول الوزير الراحل فؤاد بطرس: “من الواضح أن فؤاد شهاب لم يطمح الى ان يتولى دور زعيم اللبنانيين، بل سعى الى أن يوطد مركزه ودوره كرئيس لهم على رأس الدولة بالمعنى الصحيح.

لم يكن شهاب يعطي أهمية لوسائل الاعلام والتواصل التقليدية في صناعة الصورة. ابتعاده عن الشعبية، جعل الرئيس يقل في الاطلالة على اللبنانيين. لم يدل بأحاديث الى جرائد ومجلات، ولا بتصريحات دورية الى الاذاعة والتلفزيون، مكتفيا بخطب كانت تحتمها مناسبات رسمية تقليدية (الاستقلال – عيد الجيش …).
عند انتخابه رئيسا للجمهورية عام 1958 لم تكن لدى شهاب قاعدة شعبية. وعمل المدير العام للأمن العام توفيق جلبوط يومها على إبراز صورة الرئيس النزيه النظيف الكف، في صفوف الطبقات الشعبية، من خلال مخبري الأمن العام.
صورة الرئيس المسيحي المؤمن.

رئاسة شارل حلو: جمع الرئيس شارل حلو في صورته صورة فؤاد شهاب الآتي الى الحكم من دون شعبية، وصورة بشارة الخوري الآتي من النخبة. وعلى غرار فؤاد شهاب افتقر شارل حلو الى شعبية.

وخلال عهده، ونتيجة الاشتباك المستمر مع الشعبة الثانية في الجيش، لعب الأمن العام دورا محوريا في صناعة صورته.
وساهم ابتعاد حلو عن الشهابية في أواخر عهده، لا سيما بعد الانتخابات النيابية في العام 1968 في بروز صورة الرئيس المتوازن.
على الرغم من الصلاحيات الكبيرة لرئيس الجمهورية في جمهورية ما قبل الطائف ، لم يكن شارل حلو رئيسا قويا بالمفهوم المتعارف عليه.

رئاسة سليمان فرنجية: أثرت الحرب كثيرا على حكم سليمان فرنجية وصورته.
هو رئيس الحرب، وبالتالي شلل الدولة والمؤسسات.
ومع ذلك رافقته صورة الرئيس القبضاي الشعبي. لم تعمل المديرية العامة للأمن العام والشعبة الثانية على تغيير هذه الصورة لدى الناس.
اهتم بصورته المدير العام للأمن العام أنطوان دحداح الذي لم يسع الى صورة مثالية للرئيس.
تعود صورة الرئيس القبضاي الى سيرة فرنجية الذي ارتبط اسمه بحادثة مزيارة في 6 حزيران 1956.
رسخ صورة الرئيس المتمسك بممارسة صلاحياته الدستورية عندما ألف حكومة عسكرية برئاسة نور الدين الرفاعي في 23 أيار 1975 من دون اجراء استشارات نيابية. كما رسخها عندما رفض الاستقالة عام 1976 رغم توقيع وثيقة دستورية.

رئاسة الياس سركيس: حمل الرئيس سركيس صورة الرئيس المؤسساتي لا صورة الرئيس الشعبي، على غرار فؤاد شهاب.
صورة سركيس لدى الناس كانت صورة العصامي، الآدمي، المثقف، والنظيف الكف.
كان تعبيرا عن القوة الهادئة. لعب دورا كبيرا في ايصال بشير الجميل الى رئاسة الجمهورية.
يعتبر سركيس من الرؤساء الذين مارسوا في بعض المحطات صلاحياته المنصوص عليها في الدستور الأول للجمهورية. جاء برئيسين للوزراء من خارج نادي رؤساء الحكومات التقليديين هما سليم الحص وشفيق الوزان.
اهتم كثيرون بصناعة صورة سركيس لدى الرأي العام: الشعبة الثانية، وفريق من المستشارين المقربين منه ضم: فاروق ابي اللمع، جوني عبدو، فؤاد بطرس، ميشال اده ورنيه معوض. كان سركيس يلتقي هذا الفريق 3 أو 4 مرات أسبوعيا لرسم الخطوط العامة لسياسته.
أما مسؤولو الشعبة الثانية فكان ينصحونه بحضور القداديس مثلا ويطلبون الى مسؤولي تلفزيون لبنان التقاط صورة الرئيس وهو يرسم إشارة الصليب أو يتناول القربان المقدس. وكان الرئيس سركيس يردد دوما: كل هذه الأمور لا تنفع.
شاء سركيس أن تكون صورته لدى الرأي العام صورة مسؤول قريب منهم. وهو كان شخصيا صاحب الشعار الشهير الذي أطلقه خلال حكمه “أنا منكم، أنا لكم، أنا معكم” .

رئاسة أمين الجميل: دور السياق كبير في صناعة صورة الرئيس أمين الجميل. شعار “مغامرة الإنقاذ” معبر عن الصورة. مثل لدى الناس صورة الرئيس المبادر لإخراج لبنان من حربه المدمرة.
ديناميكية الشباب. وهو أصغر رؤساء الجمهورية في لبنان سنا.
مارس في بداية حكمه دورا كبيرا في ادارة الشأن العام في الداخل والخارج، قبل ان يتعطل الحكم في الجزء الثاني من الولاية. اول حكومة في عهده حكومة تكنوقراط وكفاءات (شفيق الوزان – ايلي سالم – عادل حمية – عدنان مروة – عصام خوري).
أولى الجميل صناعة الصورة من خلال الاعلام عناية كبيرة. كان يلتقي رئيس تحرير صحيفة “النهار” غسان تويني يوميا، حيث يتشاوران ويتفقان أحيانا على صناعة حدث ما يكون في اليوم التالي “المانشيت” على الصفحة الأولى في “النهار” وسائر الصحف اللبنانية.
عقل تويني هو صانع جزء كبير من صورة صورة الجميل، والأخير كان يرغب فيها. شعار “اعطونا السلام وخذوا ما يدهش العالم” الذي أطلقه الرئيس الجميل في بداية عهده، وغيره من الشعارات والخطابات كتبها تويني والفريق الاعلامي التابع لرئيس الجمهورية.
حمل الجميل معه الى الرئاسة صورة السياسي المعتدل، الناجح في بناء المؤسسات بعد تجربته الناجحة في تأسيس “بيت المستقبل” للدراسات والأبحاث والنشر. وكان شعبيا في تصرفاته يسعى الى صورة ايجابية لدى الرأي العام. زار صيدا بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي منها، وألقى خطابا في الملعب البلدي في بيروت في مطلع عهده، وجال على جميع رؤساء الطوائف، وغالبا ما كان يشاهد في مطعم يتناول طعام الغداء أو العشاء الى جانب المواطنين العاديين، أو يحضر فيلما سينمائيا كما حصل عام 1983 في سينما “اتوال” في منطقة الحمرا.

بعد اتفاق الطائف: تجربة الرؤساء الياس الهراوي واميل لحود وميشال سليمان، من خلال تحليل 4 خطابات في كل سنة من سنوات العهد، ومراجعة اعداد صحيفتي “السفير” و”النهار” في السنتين الأولى والأخيرة من كل عهد.
اي 36 خطابا لكل من الرئيسين الهراوي ولحود، و24 خطابا للرئيس سليمان.
و2190 عددا من “السفير” و2190 عددا من “النهار”.

الرئيس الياس الهراوي: سياق انتخاب الهراوي حدد صورته: الرئيس الحليف لسوريا (الرئيس الطرف)، الساعي لمحو آثار الحرب.
السياق خلال الحكم رسخ هذه الصورة من خلال نفي العماد ميشال عون، وسجن الدكتور سمير جعجع.
بعد انتخابه رئيسا للجمهورية في 24 تشرين الثاني 1989، ونتيجة الظروف السياسية والأوضاع التي كانت سائدة يومها، عمل على تركيز صورة الرئيس الشرعي في مواجهة رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون.
ركزت الخطة الاستراتيجية الاعلامية التي تم وضعها للسنة الأولى من عهد الهراوي على تثبيت شرعيته في اذهان الرأي العام. ومن أجل ذلك تم اعتماد خطوات عدة أبرزها التالي:
1- اعتماد تسمية “المقر الرئاسي الموقت” لمقر اقامة رئيس الجمهورية في كل البيانات الرسمية والسعي لدى مختلف وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة من أجل التقيد بهذه التسمية.
2- تأمين حضور مباشر لوسائل الاعلام وللاعلاميين في المقر الرئاسي الموقت في الرملة البيضاء: في إطار السعي الى صناعة صورة الرئيس كان هناك اصرار على ان تكون جميع وسائل الاعلام حاضرة وموجودة في الرملة البيضاء.

كما تولت المستشارة الاعلامية لرئاسة الجمهورية الآنسة مي كحالة التواصل المستمر مع مختلف المسؤولين عن وسائل الاعلام والاعلاميين لاطلاعهم على موقف رئيس الجمهورية وتأمين مساحة حضور له في مختلف الوسائل. كانت تتصل يوميا بمسؤولين في 5 أو 6 صحف ومسؤولي 5 أو 6 تلفزيونات سعيا الى تأمين حضور رئيس الجمهورية في المشهد الاعلامي.

3- المشاركة في نشاطات وتنظيم مناسبات: تضمنت الاستراتيجية الاعلامية مشاركة الرئيس الهراوي في نشاطات مختلفة: المناسبات الوطنية لا سيما عيد الاستقلال في الثاني والعشرين من تشرين الثاني، استعادة مبان من الميليشيات، افتتاح مؤتمرات بمشاركة خارجية ومحلية…

وتم استحداث مناسبة سنوية هي الاحتفال بانتخابه رئيسا للجمهورية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني في العام 1989، من أجل ترسيخ صورة الهراوي الرئيس في أذهان الرأي العام.

4- حضور اللبنانية الأولى في صورة الرئيس: كانت السيدة منى الهراوي جزءا مكملا لصورة الرئيس الياس الهراوي الذي كان يصفها بوجهه الحلو.

حرص الفريق الاستشاري الرئاسي على ان تكون اللبنانية الأولى في مناسبات عديدة الى جانب الرئيس. وكانت فكرة الثنائي الرئاسي أساسية في اظهار صورة جيدة، خصوصا في العالم العربي حيث لا تظهر زوجة الرئيس في وسائل الاعلام.

بعد سقوط حكومة العماد ميشال عون انتهت إشكالية شرعية حكم الهراوي، وانتظمت الأمور دستوريا وسياسيا, وفرض الواقع الجديد تعديل الاستراتيجية الاعلامية الموضوعة. مع بروز مشكلة شعور المسيحيين بالاحباط، صار التركيز على ابراز صورة الرئيس المسيحي الحريص على حضور المناسبات الدينية المسيحية.
قبل الرئيس الهراوي لم يكن رئيس الجمهورية يواظب على حضور القداس الإلهي في عيد مار مارون الذي يترأسه رئيس أساقفة بيروت للموارنة في كنيسة مار مارون الجميزة. اعتبارا من العام 1991 حضر الهراوي سنويا هذا القداس محاطا برئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء وكبار المسؤولين والشخصيات.
ولترسيخ الصورة نفسها حضر الهراوي قداديس عيد الميلاد الذي يترأس كلا منها البطريرك الماروني صباح العيد في الصرح البطريركي في بكركي، ورتبة دفن السيد المسيح في الجمعة العظيمة في جامعة الروح القدس في الكسليك.
ودعيت جوقة الكسليك الى تقديم تراتيل دينية لمناسبة عيد الفصح المجيد في القصر الجمهوري في بعبدا، في حضور رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة والوزراء وعقيلاتهم.
قدرة الرئيس على ممارسة دور في ادارة الشأن العام كانت محدودة نتيجة طغيان السياق العام ولا سيما السياق الاقليمي.

الرئيس اميل لحود: السياق الاقليمي طغى على صورته، اضافة الى شخصيته. صورة الرئيس الحليف لسوريا، قائد الجيش الذي وحد المؤسسة العسكرية.
لدينا رئيس بصلاحيات محدودة انما استطاع بما وفره له السياق الذي تحدثت عنه ان يكون فاعلا في ادارة الشأن الداخلي، لا سيما في اول سنتين من سنوات الحكم.
خطاب القسم هو خير تعبير عن هذه الصورة التي طغت في بداية عهد لحود. تولى اللواء جميل السيد صياغة الخطاب بعدما أعطاه الرئيس لحود الأفكار والتوجهات الأساسية، لأنه لم يكن ضليعا في اللغة العربية كما هي حال السيد.
رمى لحود الى اعادة تحريك عملية الاصلاح التي كادت أن تغرق في الروتين، وانشأ “صندوق الشكاوى” في القصر الجمهوري متيحا لكل مواطن أن يراجعه مباشرة ليبقى الحكم على تماس مع هموم الناس ومشاكلهم. وقد عزم على تفقد الادارات بنفسه وبأسلوب المباغتة.
كان أول الغيث استدعاء وزير النفط السابق شاهي برصوميان الى التحقيق وإصدار مذكرة بتوقيفه وبعض موظفي الوزارة في 4 آذار 1999 بتهمة الفساد والاختلاس وإهدار المال العام. وشكل توقيف الوزير سابقة لم تعرفها الدولة من قبل.
تدرجت الخطة الاعلامية للرئيس اميل لحود بعد الانسحاب الاسرائيلي في 25 أيار 2000، وتم التركيز على عناصر جديدة في صورته في وسائل الاعلام من خلال استثمار الإنجاز الوطني الذي تم تحقيقه. حرص الفريق الاعلامي المعاون على ابراز صورة الرئيس الداعم للمقاومة، والذي وفر امكانات التحرير. وتم في هذا الاطار اتخاذ عدد من الخطوات:

– القيام بزيارة الجنوب عند كل تحرير للأرض بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي.
شكلت زيارته المفاجئة لجزين في الخامس من حزيران 1999، اثر انسحاب جيش لبنان الجنوبي المتعامل مع اسرائيل منها.
كما انتقل الرئيس لحود الى الجنوب في اليوم التالي لانسحاب الجيس الاسرائيلي منه في 24 أيار 2000، لمشاركة الناس فرحة التحرير .
وفي الاطار ذاته يندرج استقبال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في القصر الجمهوري في 27 أيار من العام 2000.
وفي موازاة ذلك، حرص الرئيس لحود على صورته الوطنية غير الطائفية. وهنا اذكر حوارا بيني وبين الرئيس لحود قال فيه: “لو أردت أن أفعل ما فعله معظم الذين سبقوني الى رئاسة الجمهورية لاستطعت بعد تسلمي الرئاسة بتأييد من المسلمين أن أدخل في المزايدات وأخرج غدا من سدة الرئاسة وأنا بطل مسيحي، لكن هذه السياسة تكسبني على الصعيد الشخصي وتضر بالوطن على الصعيد العام”.

تأثير السياق على صورة الرئيس لحود برز مجددا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. تحول الى الرئيس الطرف الذي يواجه خصومه في السياسة (فريق 14 آذار)، والحليف لسوريا، وهذه ثابتة عند الرئيس لحود.

الرئيس ميشال سليمان: هو الرئيس الذي جاء بتوافق محلي وخارجي ترجم بشبه اجماع على انتخابه، والحضور الكبير في جلسة الانتخاب. هذا التوافق ميز الجزء الأول من العهد.
وهو الرئيس الذي مارس صلاحياته ودوره في النصف الثاني من العهد.
ايضا وايضا السياق لعب دورا كبيرا في تكوين صورة الرئيس.
استعان الرئيس سليمان بمجموعة من المستشارين الخبراء لمساعدته في صياغة مواقفه من القضايا المطروحة وبناء صورته لدى الرأي العام.
كانت هناك خطة اعلامية واضحة تم ارساؤها مع فريق عمله المكون مستشارين وخبراء، تقوم على عقد اجتماعين دوريين شهري وأسبوعي، يتم فيهما صياغة الموقف الرئاسي وكيفية تظهيره. كان الاجتماع الشهري موسعا يتم فيه يتناول الخطوط العريضة. والاجتماع الأسبوعي يضم الحلقة الضيقة من مساعدي الرئيس ويتناول جدول أعمال محددا من ملفات واضحة.
كان الرئيس يطرح في الاجتماع ما لديه من معلومات عن ملف معين أو قضية تفرض اتخاذ موقف منها. وكان يحرص على سماع مختلف الآراء لا سيما آراء المعترضين لتكوين صورة جامعة ووافية تعينه، على اتخاذ الموقف الملائم.
وكانت الآلية المعتمدة تقوم على جمع الأفكار المقترحة لتضمينها الخطاب أو المقابلة.
يحدد الرئيس الفكرة الأساسية l’idée maîtresse التي يريد ابرازها والأفكار الثانوية والخاتمة. كان الرئيس هو من يضع مخطط الخطاب أو هيكليته قبل صياغته.
اضافة الى تكثيف الاطلالات في السنوات الأخيرة من العهد يمكن اختصار محاور الاستراتيجية الاعلامية للرئيس سليمان بالتالي:

أ- الإطلالة 3 مرات في السنة الواحدة في برنامج حوار تلفزيوني، وتوزيع الاطلالات على المحطات التلفزيونية اللبنانية الرئيسة للوصول الى مختلف شرائح الرأي العام اللبناني.

ب- إجراء 6 أحاديث صحافية سنويا، بحيث يكون للرئيس موقف بارز يطلقه عبر الاعلام المكتوب مرة في الشهرين.

ج- الانفتاح المباشر على الاعلاميين: أعطى الرئيس أهمية للقاءات المباشرة مع الاعلاميين الذين كان يلتقيهم دوريا على انفراد في قصر بعبدا بناء على مواعيد، يشرح في خلالها مواقفه المباشرة بما يمكن هؤلاء الاعلاميين من الاطلاع على معلومات ومقاربات تساعدهم في تفهم المواقف الرئاسية والدفاع عنها.

ز- الاهتمام بعدد من المناسبات الوطنية والدينية لا سيما عيد الاستقلال. اهتم الرئيس ميشال سليمان شخصيا بتفاصيل احياء هذا العيد. “أراد الخروج عن التقليد المتبع وهو أن يقوم رئيس الجمهورية عند الثامنة من مساء الحادي والعشرين من تشرين الثاني بتوجيه رسالة الاستقلال، وهي عبارة عن كلمة مكتوبة، الى اللبنانيين عبر التلفزيون.
دشن تقليدا آخر في عهده بدأه في العام 2009 يقوم على دعوة فئة معينة مختارة (اعلاميين – جامعيين- هيئات الرقابة…) الى القصر الجمهوري، ويلقي الكلمة في حضورهم، ثم يجري حوارا مباشرا معهم. وفي سنة 2011 انتقل الى قلعة الاستقلال في راشيا وألقى كلمة الاستقلال من هناك، سعيا الى التركيز على الأهمية التي يوليها لهذه المناسبة الوطنية. وكان بذلك رئيس الجمهورية الثاني الذي يزور القلعة منذ سنة 1943.

وأرسى الرئيس سليمان ثوابت لجهة مشاركته في عدد من المناسبات الدينية المهمة. وكان يحضر دفن السيد المسيح وقداسي عيدي الفصح والميلاد في الصرح البطريركي في بكركي. وشارك في قداس عيد مار مارون في كنيسة مار مارون في الجميزة ، بخلاف ما فعله سلفه الرئيس اميل لحود.

وشارك كذلك في مناسبات اجتماعية ورياضية مختلفة، بينها حضوره مباراة منتخبي لبنان وكوريا الجنوبية في كرة القدم المؤهلة لنهائيات كأس العالم، في ملعب المدينة الرياضية في بيروت في 15 تشرين الثاني 2011. وكانت هذه المباراة مصيرية للمنتخب اللبناني.

ودعا الرئيس سليمان مرات عديدة في فترة عيد الميلاد كبار المسؤولين والشخصيات الى أمسية تراتيل دينية كانت تحييها السيدة ماجدة الرومي في قصر بعبدا.

وفتح الرئيس سليمان أبواب القصر الجمهوري مرة شهريا في السنتين الأخيرتين في العهد امام الطلاب الذين، كانوا يجولون على مكتب الرئيس، وقاعة اجتماعات مجلس الوزراء، وصالة الاجتماعات الجانبيةـ وقاعتي الاستقلال و25 أيار، والمكتبة، ويلتقطون صورا فيها.
وأجرى طالب مصاب بالسرطان حديثا تلفزيونيا مع الرئيس سليمان بثته محطة “المؤسسة اللبنانية للارسال” بعدما أبلغه الاعلامي مارسيل غانم رغبة الطالب باجراء مقابلة مع رئيس البلاد.
وفي موازاة هذه الاستراتيجية، اعتمد الرئيس سليمان استراتيجية الحضور في الخارج.

في السنوات الأخيرة من العهد ، كان أساس الخطة الاعلامية يقوم على تكثيف الاطلالات عبر وسائل الإعلام وإلقاء خطابات بشكل متواصل.
الرئس سليمان من اكثر رؤساء الجمهورية إلقاء للخطابات التي بلغ عددها 272 خطابا.
هو رئيس اعلان بعبدا. في 14 خطاب من اصل 14 أكد اهمية الالتزام باعلان بعبدا.
هو من المسؤولين الذين يتدخلون مباشرة في تفاصيل صناعة الصورة وكيفية تظهير المواقف. يطلب من فريق المكتب الاعلامي صياغة أفكار أولية عن قضية مطروحة أو مثارة ، ويضع لمساته في الصياغة النهائية.
عبارة “المعادلات الخشبية الجامدة” لم تكن موجودة في الخطاب الذي ألقي في جامعة الروح القدس في الكسليك قبل أشهر قليلة من نهاية العهد.
كان تأليف حكومة الرئيس تمام سلام يواجه تعقيدات في تلك الفترة، وزاره يومها الرئيس المكلف ليبلغه ان الحكومة لن تضمن بيانها الوزاري أي اشارة الى اعلان بعبدا. أبلغه رئيس الجمهورية أنه سيكون مضطرا في المقابل لتضمين البيان معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”.

عشية القاء الخطاب في الكسليك قرر الرئيس سليمان أن يضمن دعوة للإبتعاد عن “المعادلات الجامدة” في إشارة الى المعادلتين المذكورتين سابقا. وأضاف شخصيا هذه العبارة الى النص الأصلي الذي أعده المستشارون.

وعند القاء الخطاب في اليوم التالي في الكسليك أضاف اليها كلمة “الخشبية” فصارت العبارة ” المعادلة الخشبية الجامدة.
لم يسع سليمان الى الحضور من خلال وسائل الاعلام في نشاطات ” مصنعة ” ، وفي هذا السياق رفض مرارا اقتراحات من المستشارين بتفقد الادارات العامة والمشاريع القائمة.
حرص سليمان على اطلاق معظم المشاريع من قصر بعبدا لاعطاء صورة عن رئيس فاعل مبادر .
الخلاصة : قد يكون اليوم من المفيد البحث في صورة الرئيس الحالي الرئيس ميشال عون ، وهو المعارض لاتفاق الطائف ، ويحكم في ظل هذا النظام .

هو رئيس يملك الكتلة النيابية الأكبر في مجلس النواب ، وله تأييد شعبي واسع ، لمعرفة ما اذا كان السياق ، اضافة الى الكاريزما ، هو الذي يتحكم بصورة الرئيس في لبنان .
كما ان عون بخلاف هؤلاء الرؤساء يملك حيثية سياسية كبيرة من خلال ترؤسه أكبر الأحزاب المسيحية (التيار الحر) وأكبر تكتل سياسي مسيحي (تكتل التغيير والاصلاح).
ولعون موقف معارض لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في اتفاق الطائف. ومن المفيد دراسة بناء الصورة لرئيس له موقف مبدئي معارض للطائف، وهو يحكم من خلال النظام السياسي الذي أقامه الطائف. يضاف الى ذلك، ان ممارسته الحكم في خلال ثلاث سنوات تقريبا من انتخابه رئيسا بينت استخدامه بعض الصلاحيات الدستورية بما يعزز صورة الرئيس القوي، مثل استخدام المادة 59 من الدستور في 12 نيسان 2017 التي تعطي رئيس الجمهورية صلاحية تأجيل انعقاد مجلس النواب مدة شهر واحد خلال العقد التشريعي العادي، لإتاحة المجال أمام التوصل الى حل سياسي لمشكلة اقتراح القانون المقدم بتمديد ولاية مجلس النواب في حينه.

كما ساهم اداؤه في تعزيز هذه الصورة من خلال عدد من الأحداث والمستجدات ابرزها:
– ادارة الحل لأزمة استقالة الرئيس سعد الحريري في 4 تشرين الثاني 2017 في الرياض، وصولا الى عودته الى بيروت.
– ادارة معركة “تحرير الجرود” التي قادها الجيش اللبناني في جرود القاع ورأس بعلبك في 19 آب 2017، من خلال حضوره الشخصي الى وزارة الدفاع الوطني في اليرزة.
– الدفاع باتجاه ايجاد حل للأزمة السياسية التي وقعت بعد نشر فيلم محمرش بين الرئيس نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وما رافقها من مناوشات وصدامات على الأرض في سن الفيل والحدت.
– الدفع في اتجاه اقرار موازنات الأعوام 2017 و2018 و2019 بعد انقطاع منذ العام 2005″.
ثم فتح باب الحوار والاسئلة.

وطنيّة