مجلة وفاء wafaamagazine
تدفق الكثير من رؤوس أموال المضاربة، أو ما يسمى بالأموال الساخنة، إلى الصين مؤخراً.
في العام الماضي، انتزع الأجانب -الذين اجتذبهم احتواء بكين الناجح لكوفيد-19 والانتعاش الاقتصادي السريع- رقماً قياسياً بقيمة 408 مليار دولار من السندات والأسهم في البلاد. كان ذلك أيضاً رهاناً على أن التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين ستخف مع تعثر محاولة وصول دونالد ترمب الثانية للبيت الأبيض. ارتفع اليوان بنسبة 10% مقابل الدولار، حيث دعا مديرو المحافظ الأجنبية إلى فرضية “شراء الصين”.
كل هذه الأموال الساخنة جعلت بكين ساخنة ومنزعجة.
قبل أسبوع واحد فقط، حذر غوه شو تشينغ، القيصر المصرفي الصيني، من فقاعات الأصول في الخارج وفي الداخل. وفي اليومين الماضيين، أعلن المؤتمر الشعبي الوطني عن أجندة اقتصادية محافظة، مما أدى إلى تضييق الخناق على البورصات المحمومة في البلاد.
الآن، تشهد خدعة الاستثمار تغييراً كبيراً.
عودة السندات الأمريكية
أولاً وقبل كل شيء، هناك تأثير ارتفاع عائدات السندات الأمريكية. في العام الماضي، اشترى الأجانب ما قيمته 187 مليار دولار من السندات الصينية، معظمها صادرة عن الحكومة. لكن الفرق في أسعار الفائدة بين ديون الولايات المتحدة والصين، والذي عزز هذا التدفق، بدأ يتقلص. يشير الاتجاه إلى مزيد من المتاعب لهذه الاستثمارات. ومن المرجح أن ترتفع عائدات السندات الأمريكية أكثر لأنها لم تعكس بعد توقعات الاقتصاديين المتفائلة بنمو اسمي بنسبة 7.6% في الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى خلال 32 عاماً.
ثانياً، تشهد أسواق الأسهم العالمية دوراناً كبيراً بين النمو والأسهم ذات القيمة، حيث يتخلى المستثمرون عن أسماء مرموقة مثل “تسلا” وصندوق “ايه آر كيه إنوفيشين” المتداول في البورصة العائد لكاثي وود من أجل أسهم البنوك وشركات الطاقة.
لنلق نظرة على تركيبة مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” القياسي، حيث تشكل قطاعات النمو، مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية الكمالية، أكثر من نصفها، بينما تمثل أسهم القيمة، مثل المالية والطاقة، 12% و 3% فقط. يفسر الدوران الحالي -ما يسمى بتجارة مقاومة الانكماش- سبب تقلب السوق الأمريكية مؤخراً.
لكن الأسهم الصينية بالكاد تبدو أجمل. فإذا كان تركيز الولايات المتحدة في أسهم “فيسبوك، أمازون، آبل، نيتفليكس، غوغل” FAANG” أمراً مثيراً للقلق لأن تمثيلهم الضخم يزيد من متاعب عمليات البيع العنيفة، يجب أن يشعر المستثمرون بالقلق حقاً بشأن عدم توازن المكافئ الصيني: “علي بابا غروب هولدينغ” و”تينسينت هولدينغز” وتطبيق تسليم الطعام المتفوق “ميتوان”. يمثل هذا الثلاثي -الملقب بـ”إيه تي إم” (ATM) – حوالي 35% من مؤشر “إم إس سي آي تشاينا”، الذي انخفض بنسبة تصل إلى 16% من أعلى مستوى له في منتصف فبراير.
أجندة بكين
أخيراً وليس آخراً، يمكن لأولويات بكين الاقتصادية المتغيرة باستمرار أن تغرق الأسواق بسرعة. ففي عام 2018، شهدت الأسهم الصينية في البر الرئيسي موجة هبوط عميقة ومثيرة للاكتئاب، حيث أدت حملة بكين الصارمة للحد من المديونية، والتي تم إطلاقها لأول مرة في أواخر عام 2017، إلى ظهور شركات مثقلة بالديون في جميع أنحاء الصين. قبل ثلاث سنوات، كانت الحكومات المحلية بحاجة ماسة إلى المال ولا تسدد فواتيرها للمؤسسات الخاصة في الوقت المناسب. نتيجة لذلك، عانت الشركات التي كانت نشطة فيما يسمى بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، مثل شركة “بكين أورينت لاندسكيب آند إنفايرونمت”.
نحن نشهد تلميحاً لذلك مرة أخرى. تراكمت على شركة “تشاينا فورتشن لاند ديفيلوبمنت”، أكبر مطور للمجمعات الصناعية في البلاد، 19.4 مليار يوان (2.92 مليار دولار) من الديون المتأخرة. واعتباراً من سبتمبر 2020، تضخمت الذمم المستحقة للقبض لدى المطور –متمثلة بشكل أساسي في الفواتير التي يتعين على البلديات دفعها- بنسبة 41% مقارنة بالعام السابق لتصل إلى 55 مليار يوان، وهو تقريباً حجم التكلفة السنوية للسلع المباعة نفسها. إنه أمر جلل.
احذروا أيها المشترون! مع مضي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، يتحدث الرئيس شي جين بينغ وكبار مساعديه مرة أخرى عن الفقاعات والتخلص من المديونية. إن جهاز البيروقراطية المترامية الأطراف يميل إلى القفز من فوق الحافة لإثبات ولائه لمخططاته ومن المرجح أن ينفذ السياسات بمعدل متعصب.
خيار الهروب
من المؤكد أن المضاربين على ارتفاع الأسهم في مجال التكنولوجيا -في كل من الولايات المتحدة والصين- لم يستسلموا بعد لتجارة مقاومة الانكماش. ورغم عمليات البيع المكثفة، ترى كاثي وود من “إيه آر كيه” سوقاً صاعدة أوسع وتبقي عينها على الجائزة. في الماضي، عندما كانت أسعار الفائدة في ارتفاع، حيث نقلت الأسر الأمريكية ثروتها من النقد إلى الأسهم، وفقاً لشركة “غولدن ساكس غروب”، وهذا أمر منطقي، خاصة إذا كان ارتفاع عائدات السندات يشير إلى القوة الاقتصادية. ما هي أفضل طريقة للتعبير عن قناعتك باقتصاد بلدك من شراء الأسهم؟
ولكن حتى لو تمكنت أسهم النمو من البقاء رائجة، فإن حسابات التفاضل والتكامل تتغير. في العام الماضي، ونظراً لأن الصين كانت الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي نما وسط الوباء، لم يكن أمام المستثمرين العالميين خيار سوى الاستثمار في الأسهم والسندات في البر الرئيسي، رغم سجل الحكم غير المنتظم في البلاد. ولكن الآن بعد أن عادت الولايات المتحدة إلى طريق التعافي، لم يعد عليهم تحمل سياسات بكين المتغيرة. كما تعلم أي سوق ناشئة، الأموال الساخنة قادرة على الابتعاد والهروب.