الرئيسية / محليات / مستقبل “العهد” وحاضره بين يديّ نبيه برّي

مستقبل “العهد” وحاضره بين يديّ نبيه برّي

الجمعة 04 تشرين الاول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب منير الربيع في “المدن”: إسم الرئيس نبيه برّي يدل عليه: النباهة. وهو الآن متيقظ تماماً لدوره الذي أناطه لنفسه، أي أن يكون قدر المستطاع الجهة الضامنة لمختلف القوى السياسية. الرجل مغرٍ في ميله إلى الاستيعاب والصبر. ويُحسد على موقعه ودوره ومواقفه. لا يغيب عن باله أن هناك من يطمح إلى تحجيمه خوفاً على نفسه أو تداركاً لخوائه أن وقف إزاءه. وفي أحلك الظروف وأصعبها، كان قادراً على قلب الميمنة على الميسرة. وبات في هذه الفترة أكثر تمسكاً بقناعة أن لبنان لا يحكم من طرف على حساب آخر.

إسم عون رئيساً

هو الآن، باختياره أو بالقدر السياسي، صمام الأمان، كما شهدنا مؤخراً في ملفات ترسيم الحدود، العقوبات على حزب الله، ومن خلفه على الطائفة الشيعية ولبنان، المصالحات بين القوى السياسية. ضبط إيقاع الحياة السياسية انسياباً مع التطورات الخارجية، ورهاناً على مبدأ الحوار.

محاولات حصاره وتكبيل حركته لا تتوقف. لكنّه يثبت دوماً أن من كانوا راغبين بإلغائه يعودون إليه بنهاية المطاف. الرغبة بالإلغاء أو إضعاف دوره توضحت مراراً منذ انتخاب الرئيس ميشال عون. مواقف كثيرة أطلقت في السرّ وفي العلن، هدفها إخراجه من “مطبخ القرار اللبناني”. فبدا مرات عدة أن وصفاته وحدها هي التي تنجح.

كان الرئيس ميشال عون أول رئيس للجمهورية لا يسميه أو يرشحه نبيه برّي منذ ما بعد اتفاق الطائف. درجت العادة أن يخرج إسم رئيس الجمهورية بمبادرة برّي أو رعايته. كُسرت تلك القاعدة في 31 تشرين الأول 2016. ولذلك أسباب عديدة، منها مواقف برّي الرافضة لمبدأ الإلغاء، والرافضة أيضاً لمنطق تعطيل جلسات الانتخاب. فهو كان قادراً على ذلك ولم يفعل. التزم بموقف مبدئي حينها بعدم سيره بالتسوية والتصويت لعون. لكنه أيضاً في هذه المعركة التي عدّها كثر معركة شخصية ضده، كان يعمل مع أفرقاء آخرين، لتدوير الزوايا، وعدم أخذ البلاد إلى إنقسام جديد، لا يكون أحد قادراً على التحكم بمساراته. عشية ليلة الانتخاب، أجرى نبيه بري اتصالات بقوى سياسية معارضة للتسوية، وأقنعها بالمشاركة والتصويت، مع التزامه بموقفه المبدئي. وهو حينها الذي داوى جراح المرشح الآخر، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

“شيخ صلح“!

انحنى برّي للعاصفة التي أراد البعض من خلالها اقتلاعه. التسوية الرئاسية وانتخاب عون شكّلاً إيذاناً بإمكانية انكفاء نبيه برّي. فأعلن حينها “الجهاد الأكبر”. خبرته بلبنان وتفاصيله السياسية وضعت بين يديه جملة الملفات العالقة، فأوكلت إليه مهمات حلّها. وهو الذي انتُقد ذات يوم أنه يعمل على طريقة “شيخ صلح“، فكانت المفارقة أن لجأ إليه مطلقو هذه الصفة عليه، راجينه التدخل لإنجاز المصالحات.

قانون الانتخاب الذي أجريت على أساسه الانتخابات النيابية 2018، بمعزل عن حساباته المسيحية، كان بشكل أو بآخر يستهدف نبيه برّي برمزيته وتمثيله. كان ثمة غيظ من دوره كرئيس لمجلس النواب. إذ يدير جلسات الحوار الوطني، يقدّم المبادرات، يصطنع الحلول، يرعى حوار حزب الله وتيار المستقبل. وفي فترة الانقسام السياسي، كان الطرف الوحيد في قوى الثامن من آذار الذي تلجأ إليه قوى 14 آذار للتشاور، ولا تتخلى عنه. أراد البعض سحب كل مقوماته هذه. استندوا على مبدأ تقدّم إيران على سوريا في لبنان. ففي الفترة السورية كان صاحب القرارات وراعي كل الخيارات. وبعد الانسحاب السوري تراجع دوره لصالح دور حزب الله.

قانونه الانتخابي

تلك المعادلة التي ترسّخت في رؤوس البعض دفعتهم إلى الاستعجال، لعلّهم يتمكنون من إضعافه في قانون الانتخاب، وحاولوا صنع الشرخ بينه وبين حزب الله، متحدثين عن فارق أصوات المقترعين لمرشحيه ولمرشحي حزب الله، وإظهار تراجع قوته التمثيلية داخل الطائفة الشيعية. بالتأكيد، تلك الأرقام أقلقته. لكنها لم تفقده مكانته السياسية، فاحتفظ بدوره المقرر في كل القضايا الأساسية.

إلى جانب صيانته للعلاقات السياسية في الداخل، أطلق برّي الحراك الانتخابي باكراً. تقدّمت كتلته النيابية باقتراح قانون نسبي، يكون فيه لبنان دائرة واحدة مع إلغاء الصوت التفضيلي. اقتراحه هذا، يُعتبر من أهم القوانين الانتخابية التي اقترحت في لبنان. متقدّم، ويخرج البلاد من النزعات الطائفية، بحيث تكون اللوائح فيه مقفلة، وتتم عمليات الترشيح والتحالفات على أساس سياسي وليس على أساس طائفي. الأمر الذي يخفف الرشوة أيضاً حول الصوت التفضيلي، وتكون اللوائح مجبرة على ضم مرشحين مسلمين ومسيحيين، وتمثّل كل الأقضية.

القانون يحتاج إلى كثير من النقاش مع الكتل المعترضة عليه، والتي تتمسك بالصوت التفضيلي، لغايات متعددة. لكن برّي من خلال اقتراحه سيمسك مجدداً بزمام المبادرة السياسية، بشكل لا يتحول فيه إلى متلقٍ للقانون الانتخابي كما حدث سابقاً، بل يكون هو صانعه والمفاوض عليه، خصوصاً أن المعركة الانتخابية المقبلة ستكون مرتبطة بمصير انتخابات رئاسة الجمهورية، التي ستكون إما “توريثاً” لهذا العهد أو انصراماً له.