السبت 05 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
تدقّ كسور الفخذ عند كبار السن ناقوس الخطر على حياتهم أكثر من أي إصابة أخرى. وحين يصاب مسن بكسر في الفخذ، تصبح حياته على المحك. وإلى جانب الآلام المبرحة التي يعاني منها المصابون بكسور الفخذ، يفقدون كذلك جزءاً من وظائفهم البدنية، وتتراجع حياتهم الاجتماعية، ويزداد اعتمادهم على الآخرين، وتسوء حياتهم بشكل عام. ويضطر كثير من مصابي كسور الفخذ إلى تغيير أنماط حياتهم، فيقوم البعض بالانتقال من منزله للعيش في دار رعاية للمسنين. ولكن مع تطور التقنيات الطبية، على مستوى الجراحة كما على مستوى مقاربة المريض ومعالجته، لم يعد كسر الورك «ورقة نعوة» مبكرة للكبار في السن.
تحدث أغلب كسور الحوض في واحد من موضعين في العظمة الطويلة الممتدة من الحوض للركبة (الفخذ):
• العنق الفخذي: تقع هذه المنطقة في الجزء العلوي من عظمة فخذك، مباشرةً تحت الجزء المستدير (رأس الفخذ) في مفصل الكرة والتجويف.
• منطقة ما بين المدوَرَين: تبعد هذه المنطقة قليلًا عن مفصل الحوض، في المكان الذي تنحني فيه عظمة الفخذ للخارج.
ثالث أنواع كسور الفخذ، هو الكسر غير النمطي، ويحدث للأشخاص الذين يتلقون علاجًا طويل الأمد بأدوية تزيد من كثافة العظام.
وفي مقابلة مع الدكتور غسان معلوف، بروفيسور في جراحة العظم السريرية في الجامعة اليسوعية، وسفير دولي لجمعية العظم والحنك (لقب من الأمم المتحدة)، ومدير طبي في مستشفى Bellevue، تناولت «الجمهورية» مسألة كسر الورك، وهي حالة شائعة جداً في مجتمعنا. قال: «يصيب كسر الورك عادةً الأشخاص ما فوق الـ70 عاماً، كما أنّها حالة شائعة أكثر عند النساء مقارنةً بالرجال، تناسباً مع ارتفاع نسبة ترقق العظم لدى النساء مقارنةً بالرجال. في الواقع، نسبة الإصابة بكسر الورك في تزايد هذه الأيام، نظراً لارتفاع معدل العمر. ويشكّل هذا الارتفاع كلفة مادية إضافية على المجتمع والدولة، كما أنّها كلفة معنوية في ما يخصّ نوعية حياة المريض. ونذكر هنا أنَّ 50% يتوفون خلال عام بعد التعرّض لكسر في الورك».
وأضاف: «من المعروف أنّه عند حصول أول كسر، تتسلسل الكسور من بعده (في الفقرات، الكاحل، إلخ)، ولا سيما إن لم يُعالج مصدر المشكلة. لذلك، نشدّد اليوم ونقول: يكفي كسراً واحداً. علينا منع حدوث الكسور الأخرى، من خلال العلاجات الفعّالة المتوفرة حالياً».
متابعة المريض
وتكلّم د. غسان على تجربة قام بها مستشفى في لبنان، نُشرت نتائجها في مجلات طبية خارج لبنان: «لقد أجرينا برنامجاً هو ألاول من نوعه في العالم: ممرضة تلاحق كل مريض عانى من كسر بالورك بسبب ترقق العظم، بعد خروجه من المستشفى، فتجري له كل فحوصات ترقق العظم، وتراقب خلال سنوات إن كان يتناول الدواء أم لا، وتحاول التأكّد من أنّه يتناوله. وتبيّن لنا أنَّ 20 إلى 30% فقط من المرضى يستمرون في تناول الدواء بعد فترة من حدوث الكسر. ولكن مع ملاحقة الممرضة، ارتفعت نسبة الاستمرار في تناول الدواء 60%، وانخفضت نسبة الوفاة إلى 50%! فضلاً عن ذلك، يخفف هذا البرنامج الكلفة على الدولة. لذا في إنكلترا مثلاً، تدفع الدولة راتب الممرضة. وكانت نسبة رضا المرضى عالية جداً (99%)».
وأضاف معلوف: «في الوقت عينه، يجب النظر في نوعية حياة الشخص، خلال مرحلة الشفاء من الكسر، وبعدها. علينا كأطباء ومقدّمي الرعاية الطبية أن نساعد المريض في العيش بكرامة ضمن مجتمعه. وطبعاً العلاج هو مزيج بين رعاية العائلة ورعاية الجهات الطبية. ويصبّ هذا البرنامج في خانة الرعاية التي ترتكز على الشخص، أو ما يُعرف بالإنكليزية بالـ»person centered care»، إذ يهتم الفريق الطبي بجميع مقومات المريض. فيجتمع الفريق الطبي المعني المكون عادة من ممرضة، وطبيب مختص، ومعالج فيزيائي، ومعاً يضعون خطة رعاية له تتضمن كل التفاصيل بما فيها الحمية الغذائية اللازمة. ويحق للمريض الاطلاع على الملف وإبداء رأيه وتفضيله. ويصل إلى حد أنّه عند تسليم المريض من ممرضة إلى أخرى، تقوم بالتسليم أمام المريض، ويُسمح له بالتدخّل في النقاش. كل هذه الخطوات المتجهة نحو رعاية تتمركز حول المريض شخصياً، تعطي نتائج أفضل. ومن المهم جداً ألّا تتغاضى المستشفى عن حاجة المريض، حتى لو كانت تفاصيل بسيطة».
العلاج
يختلف العلاج مع اختلاف المريض. وتلعب عدة عوامل دوراً في ذلك، مثل موقع الكسر، وحالة المريض الصحية. وأوضح د. معلوف: «يناقش فريق طبي متكامل متعاون مع بعضه البعض حالة المريض، ويتخذ القرارات حول كيفية معالجته من ناحية الجراحة. ومن الضروري تحضير المريض بشكل جيد للعملية الجراحية. حتى أننا نجري دراسة حول نوعية البنج المناسبة له».
في الحقيقة، يعتمد نوع الجراحة على موقع الكسر وحدّته، وعلى ما إذا كانت العظام المكسورة غير محاذية كما يَنبغي (كسر منزاح)، فضلًا عن العمر والحالات الصحية. وتتضمَّن الخيارات ما يلي:
• الإصلاح الداخلي باستخدام المسامير. تُدخل المسامير المعدنية إلى داخل العظام لجمعها معًا بينما يُشفى الكسر. أحيانًا تُرفق المسامير بلوح معدني يجري لأسفل عظم الفخذ.
• استبدال الورك بالكامل. يُستبدل عظم الفخذ الأعلى والسنخ في عظم الحوض بالبدائل الاصطناعية. تُظهر الدراسات، على نحوٍ متزايد، أن الاستبدال الكلي للورك أقل تكلفة ويَقترن بنتائج أفضل على المدى الطويل.
• استبدال الورك جزئيًّا. إذا أزيحت أطراف العظمة المكسورة أو تَضررت، فقد يُزيل جراحك رأس وعنق عظم الفخذ ويثبت استبدالًا معدنيًّا (بدلات). قد يُوصى بالاستبدال الجزئي للورك للبالغين الذين لديهم حالات صحية أخرى أو إعاقة إدراكية أو الذين لم يعودوا يَعيشون على نحوٍ مستقل بالكامل.
قد يُوصي طبيبك بالاستبدال الكلي أو الجزئي للفخذ إذا كان المدد الدموي لمنطقة الكرة من مفصل الورك قد تَضرّر خلال الكسر. يَعني هذا النوع من الإصابة، الذي يَحدث غالبًا لدى كبار السن المصابين بكسور العنق الفخذي، أنّه من غير المرجح أن تُشفى العظام كما يَنبغي.
بعد العملية
بحسب د. معلوف، «يفضّل الأطباء أن يخرج المريض من السرير بأسرع وقت ممكن، لذا نلجأ عادة إلى استعمال المفاصل الاصطناعية، لأنّها الوحيدة التي تسمح للمريض بالسير بعد ثاني أو ثالث يوم بعد العملية الجراحية. ونذكر هنا أنّ فتح الورك من الأمام أفضل من المعتاد، أي فتحه من الخلف. فعند إجراء العملية من الخلف، يعود المريض في اليوم نفسه إلى المنزل، ولكن المعدات اللازمة لفتح الورك من الأمام موجودة في مستشفى واحد فقط في لبنان».
وتابع د. غسان: «أما بعد الجراحة، فيحتاج المريض إلى علاج فيزيائي، وعليه السير لتحريك جسمه. وبعد مرور حوالى الشهر، يبدأ بتناول الدواء».
التركيز على المريض لا على الكسر
«لا ننظر إلى الكسر، بل إلى المريض كإنسان»، قال د. معلوف. «الهدف هو ليس فقط معالجة الكسر الذي حدث، بل منع كسور إضافية أخرى في المستقبل. أي يهمنا باقي حياة المريض. فالأساس في علاج كسر الورك هو أن يعيش المريض من بعدها، ويتابع حياته. إذ يعيش عادة حوالى 6 سنوات بعد أول كسر. وفي هذه الفترة، هو معرّض لخطر كسور أخرى، ولا سيما بالفقرات».
الجمهوريّة