الرئيسية / آخر الأخبار / “السعوديون المُفضَّلون” يؤرّقون ابن سلمان: ورقة ابتزاز دائمة بيد واشنطن

“السعوديون المُفضَّلون” يؤرّقون ابن سلمان: ورقة ابتزاز دائمة بيد واشنطن

مجلة وفاء wafaamagazine

لا يزال المدى الذي سيصل إليه الأميركيون في إجراءاتهم ضدّ ولي العهد قيد التكهُّنات

كتب حسين إبراهيم في ” الأخبار ”

على رغم نجاحه في توجيه ضربات قاصمة إلى خصومه، إلّا أن معارِضي ولي العهد السعودي في الداخل والخارج، لا يزالون يشكّلون “وجع رأس” متزايداً له، خصوصاً في ظلّ ما يبدو، أخيراً، أنه دعم غربي غير مباشر لهم. دعمٌ ربّما يتّخذ، في المرحلة المقبلة، أشكالاً أكثر تقدُّماً، إذا ما قرّرت إدارة جو بايدن الذهاب إلى أبعد من هدف “الترويض” الذي تسعى إليه حالياً، والذي يظهر أنه سيظلّ في الواجهة إلى حين استحقاق انتقال السلطة في المملكةقد يبدو محمد بن سلمان حاكماً مطلَقاً في السعودية، لا ينازعه في سلطاته أحد، ولا سيما بعد نجاته، وإن جريحاً، من عاصفة نشر تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن اغتيال جمال خاشقجي.

لكن نظرة إلى الواقع مِن حوله تُظهر أن الرجل يعاني من عزلة دولية تزداد حدّة، ويواجِه معارضة سعودية تتعاظم جرأة، سواءً في الداخل أم في الخارج. ربّما لم يكن لدى محمد بن نايف حتى خيار الرضوخ والاستسلام لمشيئة ابن عمّه، مثلما كان لأمراء آخرين مِمّن اشتروا حرّيتهم بالمال، وإعلان الطاعة لأولياء الأمر. فقد وضعه القدَر في موقع مَن يعتبره ابن سلمان تهديداً وجودياً، لمجرّد أنه يتنفّس، بفعل الأفضلية التي يتمتّع بها في أميركا، وخاصة في أوساط الاستخبارات، حيث يُسمّونه “السعودي المفضل”، لِما قدّمه من خدمات هائلة للاستخبارات الأميركية، على مدى سنين طويلة، نائباً لوالده الذي كان وزيراً للداخلية، ثمّ وزيراً للداخلية، ثمّ ولياً للعهد.

لكن بِقدْر ما يعاني ابن نايف في سجنه، يمثّل احتجازه مأزقاً لابن سلمان نفسه: هل يستطيع التخلُّص منه فيما عين العالم عليه؟ أم هل يستطيع تركه حرّاً؟ أكثر من ذلك، ثمّة داخل الأسرة مَن اختار طوعاً مقارعة ابن سلمان، كشقيق الملك، أحمد بن عبد العزيز، الذي سبق أن انتقد، علناً، العام الماضي، الحرب على اليمن، مُحمِّلاً مسؤوليّتها للملك وولي العهد.

وتفيد “معلومات” المعارض السعودي الشاب، عمر بن عبد العزيز الزهراني، الذي يبثّ من مونتريال برنامجاً يومياً على “يوتيوب” حول الأوضاع في السعودية، بأن الولايات المتحدة بدأت تضغط في ملفّ الأمير أحمد، لكن ترتيب الأولويات الأميركية يقضي أوّلاً بالانتهاء من الملفّ النووي الإيراني، ثمّ التفرُّغ للشأن السعودي. ويمثّل الزهراني، الذي صنّفته شركة “ماكنزي” واحداً من كبار المؤثّرين على “تويتر”، أحد شواهد شراسة المعارضة السعودية المتزايدة، والدعم الذي تتلقّاه في الغرب.

شاهد آخر على هذه الشراسة هو سعد الجبري الذي يخوض من تورونتو، في كندا أيضاً، معارك قضائية ضدّ ولي العهد؛ إذ إن مجرّد تجرّؤ الجبري على التقدُّم بشكوى ضدّ ابن سلمان أمام محكمة أميركية، بتهمة إرسال فرقة موت هي “كتيبة النمر” المُكوَّنة من 50 رجلاً، لاغتياله في الفترة نفسها التي اغتيل فيها خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، يدلّ على وجود معارضة أكثر تماسكاً. ومن يرَ حجم تغطية أخبار الجبري في الصحافة الغربية، يدرك الموقع الحسّاس الذي يحتلّه الرجل كأقوى معارض غير سجين.

فهو يعرف الكثير عن العمليات الاستخبارية المشتركة التي نفّذتها أميركا والسعودية، إلى درجة يصعُب معها تخيُّل أن يكون متروكاً وشأنه، ولا سيما أن بعض تلك العمليات ما زال نشطاً إلى اليوم. كما يصعُب تخيُّل أن يكون في الأصل قد علم بوجود “فرقة الموت” أو تقدَّم بدعواه، من دون إيعاز. وتَنقل صحيفة “فايننشال تايمز” عن مسؤول استخباري أميركي سابق قوله إن أجهزة الاستخبارات لديها ذاكرة، وتهتمّ لأمر مَن عملوا معها، والصداقة مع ابن نايف والجبري عميقة جداً، وتتّسم بمقدار كبير من الثقة.

كسِب ابن سلمان جولة ضدّ الجبري في أونتاريو، حيث ثبّتت محكمة استئناف حكماً بتجميد أموال الأخير عالمياً، في دعوى فساد رفعتها شركات تابعة لـ”صندوق الاستثمار السعودي”، أي الصندوق السيادي، بإيعاز من وليّ العهد، تزعم حصول ابن نايف على عمولات قدرها 1.2 مليار دولار. إلّا أن ابن سلمان يواجه إشكالية تتمثّل في أنه يذهب إلى أقاصي الأرض ليرفع دعوى فساد يُورّط فيها ابن نايف، بينما لا يقيم محاكمة علنية له في السعودية بهذه التهمة. وفي المقابل، لا تزال دعوى الجبري ضدّ ولي العهد قائمة، وأضاف إليها أخيراً اتّهام ابن سلمان بمحاولة استدراج ابنته إلى القنصلية في إسطنبول في الفترة نفسها التي اغتيل فيها خاشقجي. وتعكس هذه المعركة القضائية ما ذهبت اليه المعارِضة المقيمة في لندن، مضاوي الرشيد، من أن الصراع على السلطة في نظام الزبائنية السعودي يسير وفق قواعد المافيا في تصفية الحسابات بين العصابات المتنافِسة

على أيّ حال، لا يزال المدى الذي سيصل إليه الأميركيون في إجراءاتهم ضدّ ولي العهد قيد التكهُّنات، على رغم التصريحات العلَنية للمسؤولين الأميركيين التي تتحاشى استفزاز ابن سلمان بعد نشر تقرير خاشقجي. لكن ما قامت به إدارة بايدن بالفعل حتى الآن، كبّل يدَي ولي العهد في حملته على المعارضين، وشجّع هؤلاء على رفْع أصواتهم. وبعد صمت أميركي طويل حيال مصير الأمراء المحتجزين في السعودية، صدر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان في العالم، ليُعبّر عن “القلق” بشأن سلامة ابن نايف وشقيقه الأصغر نواف، إلى جانب الأمير أحمد وابنه نايف، في سجنهم.

ولا يُمثّل التقرير تغيُّراً أساسياً في مقاربة إدارة بايدن للملفّ السعودي، إذ يبدو أن هدفه دفع ابن سلمان إلى تغيير سلوكه لا أكثر، خاصة أنه لم يوجِّه اتهامات إلى وليّ العهد بالاسم، ولا طالَب صراحة بإطلاق الأمراء، وإن كان رفَع الصوت إزاء المضايقات التي يتعرّض لها المنشقّون السياسيون داخل المملكة وخارجها. هذا يعني أن الإجراءات الفعلية التي يمكن لإدارة بايدن أن تتّخذها ضدّ ابن سلمان ما زالت محاطة بكتمان، ولن تكون متاحة للتداول في الإعلام، نظراً إلى وجود تحالُف “استراتيجي” بين البلدَين.

قد لا تُعرَف النيّات الحقيقية لبايدن إلّا عند استحقاق انتقال السلطة في المملكة، سواءً بوفاة الملك سلمان، أو إذا قرّر ولي العهد، في خطوة طائشة أخرى تضاف إلى سجلّه الحافل بمثلها، تدبير انقلاب على أبيه وعزله. فعلى رغم تركيز ابن سلمان السلطة كلّها في يديه، إلا أن تغيير ولي العهد في السعودية لا يحتاج سوى إلى أمر ملكي، يُوقّعه سلَمان في ثانية واحدة.

ثمّة أسباب داخلية أميركية لدى الإدارة الديموقراطية لإبعاد ابن سلمان عن الحكم، إن استطاعت. فهو، من جهة، حليف وثيق لدونالد ترامب الذي ساعَده على تجاوُز كلّ العقبات أمام صعوده إلى المرتبة الأولى في ترتيب خطّ الخلافة. ومن جهة ثانية، فإن ترامب يطمح إلى العودة إلى الرئاسة في العام 2024، أو أقلّه صنْع الرئيس المقبل، فيما يُمثّل ابن سلمان ركناً أساسياً ضمن المشروع الذي أعدّه صهر الرئيس السابق، جاريد كوشنر، لسحق العرب، وخنق إيران، وتثبيت إسرائيل مرجعية لكلّ المنطقة. كما أن العمل لا يزال جارياً في الكونغرس لإجبار الإدارة الحالية على معاقبة ابن سلمان على خلفية قضية خاشقجي، وآخر وجوهه تقدُّم النائبة المسلمة، إلهان عمر، بمشروع قانون في مجلس النواب، للدفْع في هذا الاتجّاه.

فضلاً عمّا تقدّم، فإن قضية خاشقجي وحرب اليمن أفقدتا السعودية كلّ “شرعية دولية” كانت استمدّتها من دورها كأكبر مصدّر للنفط في العالم، وضابط لإيقاع السوق، وكذلك من أدوارها العالمية التي اضطلعت بها كحليف وثيق للولايات المتحدة والغرب، وساهمتا في عزلة ابن سلمان دولياً. لقد أحرجت هاتان القضيّتان حكومات الغرب أمام رأيها العام، باعتبار السلاح المستَخدم لقتل الأبرياء في اليمن هو سلاح أميركي وبريطاني وغربي عموماً، فضلاً عن أن صمود “أنصار الله” أمام الآلة العسكرية الغربية أطال أمد الحرب، وعرّى الحكومات الغربية، وأطاح هيبة ابن سلمان الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من تلقّي هزيمة معلنة. تُضاف إلى ذلك، المقاطعة التي امتدّت ثلاث سنوات لقطر، وانتهت إلى فشل سعودي صريح. ثمّ هناك إسرائيل، التي كُتب كثير في صحافتها أخيراً عن أنها لا تستطيع الركون إلى ابن سلمان.

وهذا يعني، في المفهوم الإسرائيلي، أن حكمه مهتزّ ولا يُعوَّل عليه. وهو في مثل هذا الوضع قد لا يستطيع الذهاب إلى تطبيع العلاقات علناً، الأمر الذي يُفسّر تدخُّل والده لتأجيل هذه الخطوة. أمّا في الاقتصاد، فإن وعوده بتحقيق قفزات كبيرة لم تَعُد تقنع أحداً. فالمشاريع الخيالية التي سبق أن تحدّث عنها ما زالت رمالاً في الصحراء، فيما المواطن السعودي لا يلمس إلّا الضيق، بعد أن أكلت الضرائب وزيادات أسعار الوقود والكهرباء والماء نحو 15 في المئة من دخله.