مجلة وفاء wafaamagazine
من فريقٍ منافس على لقب الدوري اللبناني لكرة القدم قبل سنواتٍ قليلة إلى فريقٍ هابطٍ إلى الدرجة الثانية. هذه هي القصة الدرامية للسلام زغرتا الذي لطالما حدّد مصيره بيده، وهو سار بقدميه إلى دوري المظاليم حتى قبل خوضه منافسات الموسم الحالي
موسم 2016-2017، اعتُبر موسماً تاريخياً لنادي السلام زغرتا. وقتذاك نافس هذا الفريق العريق على لقب دوري الدرجة الأولى، وحوّل ملعبه في المرداشية إلى قلعةٍ يصعب على الزائرين الخروج منها فائزين، فأطاح بهم واحداً تلو آخر. لكن المنطق فرض نفسه في نهاية المطاف وحلّ السلام وصيفاً للعهد الذي أحرز اللقب بفارق 9 نقاط.
قد يعتقد كثيرون أن هذه المحطة كانت نقطة التحوّل في مشوار السلام في دوري الأضواء، وهي التي جعلت الفريق يتقهقر موسماً بعد آخر حتى انتهى به المطاف بخوضه أسوأ موسمٍ في تاريخه وهبوطه إلى الدرجة الثانية. لكنّ الحقيقة أن الزغرتاويين أنفسهم حدّدوا مصيرهم دائماً، إن كان عند دخولهم البطولات بفريقٍ قوي، أو بدفعهم بمجموعة من اللاعبين غير القادرين على تحقيق المطلوب.
نزيف النجوم
عام 2014 فاز السلام زغرتا بلقب كأس لبنان على حساب جاره طرابلس. هذا الإنجاز رتّب على الزغرتاويين مسؤوليات كبيرة لأنه حملهم للمشاركة في مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي، وقد لاقت الإدارة هذه المهمة بطريقةٍ مثالية، بحيث إنها رفعت الموازنة السنوية واستقطبت العديد من اللاعبين المحليين المميزين، أمثال أبو بكر المل، عمر عويضة ومحمود الزغبي، إضافةً إلى لاعبين أجانب على مستوى عالٍ.
انتهى المشوار الآسيوي، ووجد السلام نفسه في موسم 2015-2016 في وضعٍ صعب، لينجو من الهبوط بشقّ النفس باحتلاله المركز العاشر، وليعود ليرصد موازنة عالية قفزت من 400 ألف دولار إلى 900 ألف تقريباً، ما منحه بعدها مركز الوصافة في أفضل مواسمه في الدرجة الأولى.
إذا أراد السلام العودة إلى مكانه بين الكبار لن يكون بمقدوره الاستمرار بالنسق نفسه
بعد هذه النتيجة وضع السلام آمالاً كبيرة على فريقه، وخصوصاً إثر تعادله مع الرجاء البيضاوي في المغرب خلال مشاركته في بطولة الأندية العربية، لكنه رغم حشده للاعبين معروفين بعدها وإبقاء الموازنة عالية، أدى عدم انسجام الفريق وغياب الكيميائية بين اللاعبين إلى عودته للوقوف في وسط الترتيب في ختام موسم 2017-2018، لتبدأ عملية بيع لاعبين مهمين كان على رأسهم نجم الفريق إدمون شحادة الذي انتقل في صيف 2019 إلى النجمة، وليستمر هذا النزيف بشكلٍ أكبر بعد تأثر النادي كغيره من الأندية بالأزمة المالية التي ضربت البلاد.
هذا المشهد لم يكن غريباً عن المرداشية، حيث خرج العديد من النجوم الآخرين، منهم الملّ في عام 2015 بعدما تمّت مبادلته بلاعبَين اثنين من طرابلس، ومن ثم عمر زين الدين الذي كان نجم الفريق في فترةٍ من الفترات. وكرّت السبحة لتطاول أسماءً مثل مصطفى مطر، عدنان ملحم، ياسر عاشور، أحمد يونس، يوسف بركات، أكرم طراد، حمزة الخير، جان جاك يمين، الفريدو جريديني وغيرهم الكثيرين، ومنهم الأجانب المميزون، أمثال الأرجنتيني لوكاس غالان، الغاني مايكل هيليغبي، والموريتاني أمادو نياس…
المشروع القديم – الجديد
هذا الموسم أُفرغ السلام من الأسماء المميزة، فعاد مرغماً إلى المشروع الذي كان ينوي العمل عليه قبل سنوات، وهو الدفع بلاعبين صغار تدريجياً خصوصاً أولئك الذين نشأوا في أكاديمية النادي. خطوةٌ لم يتمكن من فعلها في موسم 2016-2017 مثلاً أو غيره من المواسم التي وقف فيها منافساً على مراكز متقدّمة في الدوري، حيث أطلت نادراً أسماء شابة لتلعب دوراً أساسياً على غرار المهاجم أليكس بطرس.
من هنا كان واضحاً أن صغار السلام لم يكونوا جاهزين للعب في الدرجة الأولى، فتلقى الفريق 13 هزيمة في 14 مباراة خاضها، حاصداً نقطة وحيدة.
رقمٌ قد يكون كارثياً بالنسبة إلى المتابعين، لكن لا بالنسبة إلى القيّمين على السلام زغرتا الذين يصوّبون على إيجابياتٍ مختلفة رغم الهبوط إلى الدرجة الثانية.
المدير الفني غسان الخواجة يقول في اتصالٍ مع “الأخبار”: “منذ زمنٍ بعيد ونحن نريد أن نشرك لاعبينا الذين تعبنا لتنشئتهم في الدرجة الأولى. مشروعنا هذه السنة قدّم لاعبين صغاراً بعضهم من مواليد عام 2004، وهم يُعتبرون المشروع الأساس الذي سنقطف ثماره في المستقبل”.
كلام الخواجة يشير إلى أن السلام لا ينظر إلى النتائج، فهو استغل هذا الموسم لإحداث تغييرٍ جذري في النادي وطريقة عمله، فكان أن سدّ كل الديون المتراكمة من ورشة الملعب ومستحقات اللاعبين، والتي بلغت بحسب المعلومات حوالى الـ 400 ألف دولار، معتمداً بشكلٍ أساسي على المبلغ الذي دفعه الاتحاد اللبناني للأندية من المساعدة المقدّمة من “الفيفا”.
وهنا يُطرح سؤال بارز: أين هي فعاليات المنطقة والجالية الزغرتاوية التي لطالما ساعدت النادي؟
يقول الخواجة: “أراد النادي أن يذهب أي دعم من هذا النوع إلى أولويات هذه المرحلة من أمورٍ اجتماعية وصحية، لأن رسالتنا ليست رياضية فقط. وفي موازاة هذا التوجّه وجدنا أن الوقت مناسب لإطلاق ورشة التجديد والعمل للمستقبل، فظهرت نواة يمكننا البناء عليها من خلال مجموعة من اللاعبين الذين يبرزون مع المنتخبات الوطنية للفئات العمرية، أمثال الحارس أنطوان دويهي، أوسكار غنطوس، باتريك مناع، فيليب أيوب، مايكل فنيانوس، يحيى كحيل، طه الحسين، عماد كريمة، أندرو فرح، إبراهيم عبد الوهاب والفلسطيني يحيى الرناوي الذي نشأ في أكاديمية السلام”.
أما ما ينتظر السلام في الموسم المقبل، فهو أمر يحدده بنفسه أيضاً، فإذا أراد الفريق العودة إلى مكانه بين الكبار لن يكون بمقدوره الاستمرار بالنسق نفسه بل إن تدعيم الفريق بعناصر خبرة هو مسألة مفصلية، وإلا ستطول الإقامة في الدرجة الثانية التي قاتل الزغرتاويون سابقاً بشتى الوسائل لعدم تذوّق مرارة كأسها.
الاخبار