مجلة وفاء wafaamagazine
يبدو انّ ملف ترشيد الدعم لا يزال معقّداً وبعيداً من أن يتحقق في المدى المنظور، على عكس ما يحاول ان يوحي البعض، بدليل انّ البنك المركزي لم يتبلّغ بعد أي قرار حول كيفية خفض الدعم، ولم تُطرح على المجلس المركزي أي صيغة جدّية توصّلت اليها الحكومة لخفض الدعم، من اجل ان يناقشها ويوافق عليها.
رنى سعرتي
يعقد المجلس المركزي في مصرف لبنان اجتماعاً اليوم للبحث في ملف الدعم والطروحات المقدّمة لترشيده، علماً انّ أحداً من اعضاء المجلس المركزي في البنك المركزي ليس على علم بتفاصيل ما صرّح عنه وزير المالية غازي وزني الاسبوع الماضي، في مقابلة صحافية، عن انّ «الحكومة اتخذت القرار بترشيد الدعم عبر خفضه من 6 مليارات إلى نحو 3 مليارات دولار، لأنّ سياسة الدعم تكلِّف الدولة اللبنانية نحو 6 مليارات دولار أميركي سنوياً، نصفها مخصَّصٌ للمحروقات والكهرباء، والنصف الآخر يذهب لدعم الدواء والقمح والسلة الغذائية»، مشيراً إلى أنّ هذه التكلفة المرتفعة أدَّت إلى استنزاف احتياطات العملة الأجنبية في مصرف لبنان، والتي تقدّر حالياً بـ16 مليار دولار.
واكّد مصدر في مصرف لبنان لـ»الجمهورية»، انّ البنك المركزي لم يتبلّغ بعد أي قرار حول كيفية خفض الدعم «ولم تُطرح على المجلس المركزي أي صيغة جدّية توصّلت اليها الحكومة لخفض الدعم، من اجل ان نناقشها ونوافق عليها. ولا نعلم كيف توصّل وزير المالية الى المبلغ المذكور لترشيد الدعم، اي الى 3 مليارات دولار سنويا»، مرجّحا ان يكون وزني قد استند الى أحد السيناريوهات التي تقدّمت بها الحكومة الى مجلس النواب، الذي أعادها مطالباً بدمجها باقتراح موحّد للبدء بدراسته، وهو الامر المنتظر منذ كانون الاول 2020.
وكانت الحكومة قد اقترحت 3 سيناريوهات:
1- رفع الدعم عن المحروقات والقمح والسلع الأساسية وترشيده على الأدوية بالتوازي مع توفير البطاقة التمويلية للأسر الأكثر حاجة.
2- إبقاء الدعم على القمح والبنزين والغاز لمدة شهرين والمازوت لمدة عام، وترشيده على الادوية، ورفعه عن السلع الغذائية الأساسية بالتوازي مع البطاقة التمويلية.
3- إبقاء الدعم على القمح والبنزين لمدة شهرين والمازوت والغاز لمدة عام وترشيده على الادوية وإبقائه على بعض السلع الأساسية لمدة 3 أشهر، بالتوازي مع البطاقة التمويلية.
وفيما شرح وزير المالية، انّ إرجاء البدء في عملية ترشيد الدعم يعود إلى التأخير الحاصل في إصدار البطاقات التمويلية للمواطنين، لأنّ الترشيد مربوط مع البطاقة التمويلية، فإنّ العائق الاهمّ، بغض النظر عن المسار البيروقراطي الطويل الذي ستسلكه عملية صدور البطاقات، سيكون القرار السياسي الجدّي بخفض الدعم عن بعض السلع او رفعه كليّاً عن سلع أخرى. حيث انّ أحداً من الطبقة السياسية الحاكمة، لن يجرؤ على اتخاذ هذا القرار غير الشعبي في الدرجة الاولى، والذي لا يخدم في الوقت ذاته المصالح الشخصية لبعض الجهات المستفيدة من سياسة الدعم القائمة، إن عبر تهريب السلع المدعومة او اعادة تصديرها. والدليل على ذلك، عدم التوصل لغاية اليوم من قِبل اللجنة الوزارية المؤلفة لهذا الغرض، الى صيغة موحّدة لترشيد الدعم، واعادة مجلس النواب سيناريوهات الحكومة المقترحة، علماً انّه كان يمكن مناقشتها ودمجها من قِبل اللجان النيابية، ما يؤكّد انّ الدعم مستمرّ على ما هو عليه اليوم بقيمة تفوق الـ 6 مليارات دولار سنوياً، لفترة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، الى حين إحصاء العائلات التي ستستفيد من البطاقات التمويلية، والى حين إحالة حكومة تصريف الاعمال او الحكومة المنتظرة، مشروع قانون الى مجلس النواب الذي بدوره سيناقشه وربما ينسفه، على غرار خطة الحكومة الإنقاذية و«الكابيتال كونترول» وغيرهما.
وإذا كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد حذّر في اواخر العام 2020 أنّه لم يعد لديه سوى شهرين لتوفير الدعم للبنانيين، كيف يمكن ان يكون الدعم مستمرّاً بالحجم نفسه لغاية اليوم، من دون المسّ بالاحتياطي الالزامي؟ واذا كان ما تبقّى من احتياطي مصرف لبنان قد بلغ 16 مليار دولار، وفقاً لما صرّح به وزير المالية الاسبوع الماضي، فإنّ آخر دولارات المودعين ستُهدر في العام 2021، في حال لم يُقرّ وقف الدعم وقانون «الكابيتال كونترول».
الجمهورية