السبت 12 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
يتحدث البعض عن موازنة عام 2020 وأهميّة إحالتها إلى مجلس النواب في موعدها الدستوري، وأنّ هذا الأمر لا مساومة فيه ولا رجعة عنه، بمعزل عن الإصلاحات الجديّة المطلوبة التي يجب أن تتضمّنها هذه الموازنة وغيرها لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من القاع الذي وصل إليه.
لكن ألا يزال هناك من يصدّق هذه الفولكلوريّات الزائفة، أم أنّها لم تعد تمرّ على شعب أسمنته الوعود التي لم يطبّق منها شيء منذ اتفاق الطائف إلى يومنا هذا؟
استخدمت الطبقة السياسيّة التي تدّعي اليوم حرصها على الموازنة، «الدستوريّات» نفسها طيلة 25 عاماً، ومرّرت الموازنات وأقرّتها وصدّقتها بغطاء سياسي، وأوصلتنا إلى إنفاق حكومي بقيمة 225 مليار دولار ودين عام بلغ حتى يومنا هذا ما يقارب 130 مليار دولار، دون تحقيق أي إنجاز يذكر! فغابت المشاريع الإنمائيّة والبنى التحتيّة والاستثمارات المربحة ومؤسسات الدولة القويّة القادرة على النهوض بالاقتصاد الوطني. ولم تكتفِ هذه الزمرة الحاكمة بمجازرها الاقتصاديّة فمدّت يدها إلى ودائع النّاس في المصارف بسوء أمانة موصوفة.
هذا ما حصل على مرأى من نواب الأمّة الصامتين عن الهدر والفساد والسرقات والمحسوبيّات وإفلاس الدولة، الذين بدل أن يُسائلوا ويُحاسبوا الحكومات المتعاقبة على أدائها، شاركوها الغنائم والمكاسب باسم الشعب اللبناني الذي وكّلهم الدفاع عن حقوقه، ومرّروا منذ أكثر من 25 عاماً موازنات أدّت الى الانهيار المالي الذي نعيشه اليوم.
وكل هذا طبعاً، من خلال «الدستور» الذي يغتصب غب الطلب، وتتناوب على اغتصابه مجموعات السلطة عينها بحسب شهواتها ومصالحها، كما جزّأوا مثلاً بنود اتفاق الطائف وانتقوا منها ما يتناسب ومبدأ المحاصصة، فأضحى الدستور والطائف والقانون أوراق تين تختبئ وراءها الشهوات السلطويّة.
قد يظنّ المراقب أنّ هناك مبالغة في التوصيف والاتهام، ويسأل عن الأدلّة، بينما السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح، ومنه يمكن استخراج الدليل القاطع على الشراكة بين مجلسي النواب والوزراء على اغتصاب الدستور، هو كيف يمكن أن تُهدر كلّ تلك الأموال ويمرّ الإنفاق والنّفاق تحت أعين ممثلي الشعب دون أن يحاسبوا من فرّط بها ولو لمرّة واحدة؟ شهد المواطن أعضاء المجلس النيابي منذ أسابيع قليلة يقفون أمام الكاميرات ويرفعون الصوت عالياً في وجه الموازنة الهشّة والضرائب والفساد والسرقات، في حفلة تنكّر انتهت بتصويتهم مطأطئي الرؤوس للموازنة، وبالتالي لمصالح زعمائهم!
لكن كيف تحوّل المجلس النيابي إلى شريك كامل لجميع الحكومات المتعاقبة في تحمّل مسؤولية الانهيار؟ الجواب بسيط، إنّها أكذوبة «الديموقراطيّة التوافقيّة».
بموجب هذه «الديموقراطيّة» التي لا مثيل لها في العالم، تتقاسم القوى السياسيّة المقاعد النيابية بعد معارك انتخابيّة طائفيّة ومذهبيّة بشعة، تخوضها وفق قوانين مفصّلة بحسب أحجامها، بحيث يستحيل على من هو خارج التركيبة السياسيّة – الطائفيّة أن يحقق خرقاً يذكر. بعدها تتكتّل في خندق واحد في الحكومة، بحجّة حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنيّة، فتُوزّع الحقائب على وزراء محظيين ببركة الزعماء.
والنتيجة، لا يمكن لوزير أن يخرج عن طوع الزعيم، ولا لنائب أن يحاسب ولو أراد ذلك، عدا عن كارثة الدمج بين الوزارة والنيابة، فيتحوّل «حاميها حراميها». فتمر المشاريع وتتخذ القرارات بالتوافق، والمضحك المبكي أنّ بعض من يشارك في المجلسين يشتكي من الفساد ويسعى جاهدًا لإقناعنا أنّه يريد مكافحته! نعم، يريد من شارك في الجريمة أن يكون الخصم والحكم في آن واحد.
أما بخصوص الحلول، فعلى الأقل يجب أن تبدأ في ظل وجود هكذا نظام «توافقي»، بفصل النيابة عن الوزارة وتشكيل حكومة خبراء خارج الأطر الحزبيّة، وهذا أضعف الإيمان. والانتقال بعدها لنظام يرتكز على موالاة ومعارضة، لا توافق فيه، بل متابعة ومحاسبة. فالتجربة أثبتت وبالدليل، أنّه حتى لو وقع الاختيار على وزراء أكفّاء، لكنّ ولاءاتهم بقيت لقادة الأحزاب، فهذا سينفي عنهم صفة الكفاءة، ويقضي على التفاؤل المزيّف الذي شعر به الناس عند تعيينهم، فأين عادل أفيوني الخبير باقتصاد الدول الناشئة والأسواق الماليّة العالميّة؟ وأين كميل أبو سليمان الذي يعتبر من أكفأ القانونيين في لبنان؟ وكيف ساهما مع باقي الكفاءات في منع الانهيار المالي؟ الجواب: لن يستطيعا ذلك ما داما وزيرين حزبيين.
الجمهورية