مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، عظة الأحد، قائلاً: “كم نحن بحاجة في هذه الأيام الصعبة، إلى أناس مؤمنين بالله الذي يجعلهم أمناء للوطن الممنوح لهم، لبنان، يؤمنون به وطنا نهائيا وحيدا لهم، يعيشون فيه إخوة يتقاسمون فيه الحلو والمر، يشهدون له بلا خوف ولا تردد، ويموتون دفاعا عنه وحده وشهادة لإيمانهم وتعلقهم به. هؤلاء هم الخميرة الصالحة التي تخمر عجين المواطنين وتنشر فيهم الوعي بأن لا محبة توازي حب الوطن والأمانة له، وأن دور المواطن الصالح هو المساهمة في حفظ كرامة وطنه واحترام دستوره وتطبيق قوانينه والعمل مع مواطنيه من أجل المصلحة العامة لا مصلحة الزعيم أو الحزب أو الطائفة. كم نحن بحاجة إلى أشخاص يؤمنون بالمساواة بين البشر، ويحترمون إخوتهم في الإنسانية، ويدافعون عن كرامتهم وحريتهم وحقهم في العيش الكريم الآمن عوض حسدهم ومضايقتهم ومصادرة خيراتهم وحرمانهم من حقوقهم. كم نحن بحاجة إلى مؤمنين بالله صادقين، لا يتوسلون الدين من أجل غاياتهم ومصالحهم، بل يشهدون لإيمانهم بأعمالهم الحسنة وسيرتهم الناصعة وسلوكهم المستقيم. كم نحن بحاجة إلى مسيحيين مؤمنين بمسيحهم الغالب الموت، الذي تنازل واتخذ جسدا من أجل خلاصنا، ومات ليفتدينا بدمه الكريم، مسيحيين يشهدون لمسيحهم بالقول والفعل والحياة، دون خوف ولا مواربة، ويستشهدون من أجل إيمانهم به”.
أضاف: “لا تخافوا إن اعترضتكم آلام هذه الحياة، ولا تيأسوا أو تفقدوا جرأة الإيمان وثباته، بل دافعوا عن الحق بكل ما أوتيتم من قوة. نقرأ في سيرة القديس جاورجيوس أنه غضب لما آلت إليه حال المؤمنين وما نزل بهم من ظلم بلا ذنب سوى أنهم يعبدون الإله الحق ويحترمون كل سلطان على الأرض. فبدأ يجاهر بلوم الإمبراطور، غير هياب ولا حاسب لغضب ذلك العاتي حسابا. نصحه رفاقه أن يقلع عن ذلك خوفا من أن يحل به ما حل بغيره من سخط ذاك الجبار المستبد، أما جاورجيوس فلم يعبأ بكلامهم، بل ازداد حماسة وانتصارا لإخوانه سرا وعلنا. القديس جاورجيوس لا يزال ذاك المدافع عن المؤمنين الطالبين شفاعاته، وهو، كما نرتل له، المحرر والمعتق للمأسورين، والعاضد للفقراء والمساكين، والطبيب الشافي للمرضى، والمكافح المحارب عن المؤمنين. لهذا، علينا ألا نيأس، طالما لدينا شفعاء حارين كالقديس جاورجيوس، والرسول توما، ويوحنا المعمدان، وسواهم من القديسين الذين كابدوا الظلم والتعذيب والنفي والقتل. عندما نرى مثال القديسين أمامنا، لا نعود نهتم بأي عذاب دنيوي، بل نتمسك بالرب فقط، وكل أمر آخر يزاد لنا”.
أضاف: “إذ نتحدث عن الشهادة لا بد من ذكر الشهداء الذين أقمنا ذكراهم في 6 أيار، الأبطال الذين استشهدوا من أجل الحق والحرية، حرية الوطن وحرية القلم. هؤلاء رفضوا الذل وحكم الغريب، وناضلوا وتكللوا بإكليل الشهادة. فليكن ذكرهم وسائر الشهداء مؤبدا”.
وختم عوده: “دعوتنا اليوم ألا نشك أبدا بقدرة إلهنا الناهض من بين الأموات، وأن نطلق الصوت عاليا مبشرين بالقيامة البهية، التي علينا أن نظهرها من خلال عيشنا إياها، شاكرين الرب على كل امتحان نمر به، إذ هدف هذه الامتحانات أن يقوى إيماننا، لا أن نصل إلى اليأس المميت للنفس والجسد. ولنصرخ دائما، من كل قوتنا، تلك الصرخة الفصحية التي تذكرنا بأن لا شيء يقوى على الإنسان المؤمن بالرب، ولنهتف: المسيح قام، حقا قام”.