الرئيسية / آخر الأخبار / إنهيار الهدنة… وماكرون لتمويل دولي للخدمات

إنهيار الهدنة… وماكرون لتمويل دولي للخدمات

مجلة وفاء wafaamagazine

كتبت صحيفة “النهار”: لم يشكل إنهيار الهدنة الإعلامية أمس بين قصر بعبدا و”التيار الوطني الحر” و”بيت الوسط” حدثاً حقيقياً وجوهرياً لسببين أساسيين هما: الأول ان انهيار هذه الهدنة كان متوقعاً في أي لحظة في ظل ما ثبت من طغيان المناورات من جانب فريق العهد وتياره التي كشفتها امس “النهار” على السعي الجدي للتوصل الى مخرج للازمة الحكومية. والثاني ان انفجار مشهد اذلال اللبنانيين في الساعات الأخيرة بما لم يسبق له مثيل حتى في حقبات القصف والموت والحروب والاجتياحات التي عرفها لبنان لم يعد يحتمل ترف التوقف امام أي سخافات سياسية من النوع الذي يمعن فيه جلادو اللبنانيين بكل دم بارد .


ذلك ان مشهد بيروت التي تحولت لليوم الثاني مرآبا عملاقاً خانقاً سدّت فيه معظم الطرق الرئيسية والفرعية تحت وطأة ازمة البنزين واصطفاف عشرات الوف السيارات في صفوف لا تنتهي أقفلت معها العاصمة، بدا كافياً لمعاينة مدى الذل الخيالي الذي يعاني منه اللبنانيون، علما ان صفوف الإذلال لم تقف على التراصف حول محطات المحروقات للحصول على ما لا يزيد عن ليترات مقننة قليلة لا تتجاوز قيمتها العشرين الف ليرة بل تمددت اكثر فاكثر امام الصيدليات وفي المستشفيات أيضا. ومع تمدد الطوابير، اشارت المعلومات إلى ان باخرة بنزين واحدة كانت راسية في البحر تنتظر إفراغ حمولتها، وأخرى تصل في 13 الجاري لكن المشكلة الأساسية كانت في فتح الاعتمادات. في حين أن مخزون البنزين لا يكفي إلا ستة أيام كحدّ أقصى.


ولكن مصرف لبنان اصدر بيانا عقب اجتماع ضم حاكم مصرف لبنان ووزير الطاقة والمياه بدا بمثابة تعرية لكارتيل شركات المحروقات في تخزينها للمادة واعلن انه “على رغم الحملات الممنهجة والتي تفيد ا?ن مخزون الشركات المستوردة غير متوفر، فان الوزير اكد وجود 66 مليون ليتر بنزين في خزانات الشركات المستوردة و 109 ملايين ليتر مازوت، هذا بالإضافة الى الكميات المتوافرة لدى محطات التوزيع وغير المحددة مما يكفي السوق اللبناني لمدة تراوح بين 10 ايام واسبوعين. وسيتابع مصرف لبنان منح ا?ذونات للمصارف لفتح اعتمادات استيراد محروقات شرط عدم المس بالتوظيفات الإلزامية”. ولفت البيان الى “ان شركة مدكو استحصلت على موافقة مصرف لبنان للاعتمادات المقدمة من قبل مصرفها منذ اكثر من شهرين من اجل استيراد شحنتي محروقات بقيمة اجمالية قدرها 28 مليون دولار اميركي، ولم يتم افراغ الكميات حتى تاريخه”.


الى ذلك أعلن تجمّع أصحاب الصيدليات عن توقفهم القسري عن العمل اليوم وغدا، “بالتضامن والتنسيق مع مراسلي نقابة صيادلة لبنان في المناطق”. كما دعا التجمّع إلى أوسع حشد ممكن، “للمطالبة بحقوق الصيادلة وإيصال أصواتهم لمن يعنيهم الأمر من المسؤولين عن الوضع الذي وصل إليه الواقع الصحي والدوائي في البلد، ولوضع الحلول السريعة لهذه الأزمة المستفحلة، والتي تتفاقم يوماً بعد يوم بعدما باتت الصيدليات شبه خالية من الأدوية وحليب الأطفال”.


مفاجأة ماكرون
واتخذت الازمة الداخلية ببعديها السياسي والاقتصادي دلالات جديدة بالغة الخطورة في ظل موقف متطور من الازمة أعلنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون امس . فقد اعلن ماكرون انه “يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد أزمة حادة”، ولفت في مؤتمر صحافي الى انه “سيدافع عن جهوده لتشكيل حكومة من شأنها أن تقود الإصلاحات وتطلق العنان للمساعدات الدولية”.


الحرب المتجددة
تزامن ذلك مع تجدد اشتعال حرب السجالات بين بيت الوسط و”التيار الوطني الحر” الامر الذي عكس عدم صحة كل ما سرب عمداً عن تقدم في لقاءات الخليلين مع النائب جبران باسيل .


وأعلنت مصادر “بيت الوسط” أنّه “خلافا للشائعات التي يبثها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وفريق رئيس الجمهورية من ان الحكومة تتشكل في البياضة، هذه محاولة ساذجة لتكريس اعراف من المستحيل أن يسير بها الرئيس سعد الحريري” . وأشارت الى انّ “الرئيس الحريري لم يكلف احدًا بتأليف الحكومة والاجتماعات السياسية التي تحصل حاليا في البياضة او غيرها لا تعدو كونها مشاورات سياسية بين افرقاء، ولكن المضحك المبكي فيها ان جبران باسيل يحاول ان يخترع دورا له بعدما بات معزولا فنصب نفسه رئيسا للجمهورية وبات يتصرف على هذا الأساس ولسخرية القدر “انو مصدق” هذه الكذبة”. ولفتت المصادر الى انّ “الحكومة تتألف وفقا للدستور بالتفاهم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، والرئيس سعد الحريري متمسك بهذه الاصول ولن يزيح عنها ونقطة على السطر” .


وردت مصادر “التيار الوطني الحر” فأسفت “للطريقة التي يتبعها بيت الوسط في ادارة الملف الحكومي، بتفويت الفرصة التي سنحت في اليومين الأخيرين. ‏لكنها أكدت تمسك التيار بكل جهد من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل حكومة. وأبدت خشيتها من أن الموانع التي حالت دون أن يؤلف الرئيس المكلف قبل 7 أشهر لا تزال هي نفسها التي تحول بينه وبين الحكومة. لكن مصادر التيار ثمنت موقف مصادر بيت الوسط التي اقرّت بأن “الحكومة تتألف وفق الدستور بالتفاهم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، و هذا ما يعتبر اعترافا علنيا بالآلية الدستورية لتأليف الحكومة التي طالما طالبنا باحترامها. اما فيما يتعلق باجتماعات البياضة، ‏فاعتبرت المصادر أنها تشاور طبيعي بين الكتل النيابية، ويا للأسف فإن الرئيس المكلف كان بإمكانه القيام بها لكنه تلكأ عن التشاور مع الكتل مثلما تلكأ مع رئيس الجمهورية خلافا للدستور. ‏وذكّرت مصادر التيار بأن إجتماعات البياضة جاءت بطلب من الثنائي الشيعي الذي اعلن عن مبادرة لتسهيل عملية التأليف وفق تفاهم بينه وبين الرئيس الحريري حسب ما فهمنا، الا اذا تراجع الرئيس الحريري عما اتفق عليه مع الثنائي، او اذا كان الثنائي قد فهم خطأ موافقة الرئيس الحريري على مبادرته. وشددت المصادر عينها على ان التأليف لا يحصل الا بتفاهم الرئيسين عون والحريري”.


جعجع يرد
بدوره أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن اقتراح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لاستيراد البنزين والمازوت من إيران “هو للدعاية السياسيّة فقط لا غير”، سائلاً: “هل يجوز اللجوء إلى الدعاية السياسيّة فيما الشعب اللبناني على شفير الغرق ورأسه اعلى من مستوى سطح المياه بـ10 سنتمترات فقط لا غير؟ هل يجوز أن نمنّنه بأمور غير موجودة واحتمالات لا أساس لها في الواقع؟”. وشدد جعجع على أن “الخلاص لا يزال وارداً والأهم هو أن نصمد ونستمر في المرحلة الحاليّة بالرغم من الضغوط الكبيرة علينا.”


كما اعتبر أن “باب الخلاص الوحيد اليوم هو الانتخابات النيابيّة المبكرة التي اعتبرها السيد حسن نصرالله مضيعة للوقت، في حين أنه في جميع مجتمعات الكون قاطبةً عندما تقع أزمة سياسيّة أو معيشيّة ليس كالتي نمرّ بها اليوم وإنما بمقدار ربع هذه الأزمة تلجأ هذه المجتمعات إلى انتخابات نيابيّة مبكرة. لقد مرّ 8 أشهر من دون أن نتمكن من تشكيل حكومة فأي سبب أولى يريده السيد حسن من أجل الذهاب إلى الانتخابات النيابيّة المبكرة. لنفترض أن كل اتصالات السيد حسن نجحت وتم تأليف الحكومة، فأي حكومة هي تلك التي ستشكّل؟! ففي أحسن الأحوال ستكون شبيهة بالحكومات المتعاقبة وعندها نكون “راوح مكانك”. فهل نقوم بذلك أو نذهب باتجاه انتخابات نيابيّة مبكرة أملاً بتغيير التوازنات في مجلس النواب وأملاً برئيس جمهوريّة جديد مختلف واملاً بحكومة جديدة مختلفة ؟” وقال : “هذا هو الأمر الذي لا تريده يا سيد حسن وما تقوم بتجنّبه. انتم لا تريدون الانتخابات النيابيّة المبكرة كما أنكم لا تريدون الانتخابات في المطلق لأنها ستنتج تغييراً في مجلس النواب وأنتم لا تريدون ذلك. لا تريدون أي تغيير في السلطة الحاليّة وبالتالي تريدون أن يبقى الشعب اللبناني على ما هو عليه اليوم إلى أبد الآبدين آمين فيما نحن سنستمر بالنضال من أجل إخراجه مما هو فيه اليوم إلى أبد الآبدين “.


شكوك صندوق النقد
على الصعيد المالي أيضا تلقى مشروع الكابيتال كونترول الذي أقرته لجنة المال والموازنة النيابية صدمة من صندوق النقد الدولي الذي قال المتحدث باسمه جيري رايس خلال مؤتمره الصحافي امس ردا على سؤال في شأن هذا القانون : “قانون مراقبة رأس المال ووضع حدود للسحب من الودائع لن يحققا الفعالية المطلوبة بدون وجود خطة للإصلاح الشامل الذي تحتاج إليه لبنان بصورة ماسة. ونعتقد ان المقترحات الخاصة بتطبيق قانون الكابيتال كونترول بالاضافة الى الاجراءات الخاصة بالسحوبات يجب ان تأتي في سياق خطة إصلاحية شاملة وواضحة يحتاجها لبنان بشكل طارئ، ومستدام. ولا نرى الحاجة لتطبيق قانون كابيتال كونترول في الوقت الحالي، خصوصا في غياب إجراءات مالية ونقدية وسياسات تتعلق بسعر الصرف. وأيضا ليس من الواضح كيف سيتم تمويل خطة تسديد الودائع، مع الاخذ في الاعتبار التراجع المستمر للعملات الاجنبية في الاقتصاد خلال السنتين الماضيتين ، توازيا مع إستمرار الحاجة لتمويل استيراد المواد والسلع والخدمات. وفي الوقت ذاته، هنالك خطر جدي حول مبالغ الليرة المتداولة وقد تزداد من مستويات حاليا مرتفعة، ما يرفع الضغوط التضخمية وتراجع سعر صرف الليرة وما ينعكس تدهوراً متزايداً بالنسبة للاوضاع المعيشية في البلاد”.