الرئيسية / آخر الأخبار / إستدراك الإنهيار بين الفاتيكان ودول “الثلاثي”

إستدراك الإنهيار بين الفاتيكان ودول “الثلاثي”

مجلة وفاء wafaamagazine

كتبت صحيفة “النهار” :

يوم الصلاة من أجل لبنان الذي دعا اليه البابا فرنسيس اليوم في الفاتيكان، بدأ في ظل الوقائع الدراماتيكية التي تعصف بلبنان في أخطر ما يتهدده بمصيره ومصير أبنائه كأنه تجاوز الدلالات والأبعاد الروحية والدينية الى دلالة شديدة القسوة واقعياً، اذ لم يبق للبنانيين سوى التعلق بأهداب الامل بأعجوبة تنقذهم مما يشدهم الى قعر الانهيار الكبير.


لم ينتظر البابا فرنسيس إنطلاق محطات يوم الصلاة للبنان فدعا من البارحة المؤمنين المتجمعين في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، إلى “أن يتحدوا روحياً مع قادة الكنائس في لبنان الذين سيجتمعون اليوم، وأن يصلوا من أجل لبنان كي ينهض من الأزمة الخطيرة التي يمر فيها ويظهر للعالم وجهه، وجه السلام والرجاء” .


وفيما تشخص الأنظار والآمال الى هذه المحطة الجديدة التي تثبت تكراراً مدى تعلق الفاتيكان واهتمامه بلبنان وخوفه المتعاظم على أبنائه من دون تمييز ولو من باب قمة روحية مسيحية واسعة مع البابا، ترددت أصداء التنسيق الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي المستجد حول لبنان بما استدعى رصد المعطيات المتوافرة عن هذا التطور البارز.


واستكمالاً للمعطيات التي توافرت مع بداية هذا التنسيق، أفادت امس الزميلة رندة تقي الدين من باريس ان الاجتماع الثلاثي الاميركي الفرنسي السعودي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة انطوني بلينكن والفرنسي جان ايف لو دريان والسعودي الأمير فيصل بن فرحان حول موضوع انهيار لبنان، شكل امتداداً لقرار التنسيق التام الفرنسي الاميركي حول لبنان الذي كان اتخُذ عندما اجتمع بلينكن بالرئيس ايمانويل ماكرون في الاليزيه ومع نظيره جان ايف لودريان في الكي دورسيه. فكان الاتفاق بين الجانبين الفرنسي والاميركي على الدفع لتشكيل حكومة في لبنان والمزيد من الضغط على السياسيين اللبنانيين لهذا الهدف الملح، وأيضا محاولة اقناع السعودية بالعودة الى الاهتمام بلبنان ومساعدته ودفع اصدقائها الى تشكيل حكومة.


واعتبرت الولايات المتحدة وفرنسا انه ربما اذا تحدثتا معا قد تقنعان السعودية بضرورة العودة الى الاهتمام بالموضوع اللبناني. اذ عندما كانت الادارتان تتحدثان كل على حدة مع كبار المسؤولين في السعودية حول الموضوع اللبناني كان الرد دائما ان لبنان تحت سيطرة “حزب الله” وايران، وان الرئاسة اللبنانية متحالفة مع “حزب الله”، وسبق للسعودية ان دفعت أموالا باهظة في لبنان ذهبت بجريرة الفساد. ولكن الرأي الاميركي الفرنسي المشترك هو ان الوقت الان لإنقاذ لبنان وعدم تركه يتفكك ويزول مع مؤسساته وترك شعبه يتمزق، لذا وجبت مساعدته ودفع السياسيين فيه الى تشكيل حكومة تجري على الأقل بعض الإصلاحات لتأتي المساعدات وكي تجري انتخابات بموعدها. الى ذلك فان باريس وواشنطن ما زالتا تؤيدان تشكيل حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري وتدعمانه ولكنهما لا تمانعان في حال اعتذر الحريري لصالح احد آخر يؤيده. وقال مصدر ديبلوماسي غربي رفيع ان بلينكن ولودريان حاولا اقناع وزير الخارجية السعودي بعودة اهتمام السعودية بالقيام بدور لدفع اصدقائها في لبنان الى تشكيل حكومة وانقاذ لبنان من الانهيار. وقال المصدر “سننتظر لنرى اذا كانت السعودية ستوافق على مبدأ العمل مع الادارتين الاميركية والفرنسية للمساعدة في الضغط باتجاه تشيل حكومة في لبنان لانقاذ هذا البلد “.


تصعيد مقلق
أما في الداخل، فان المجريات الحارة للجلسة للتشريعية التي عقدها مجلس النواب أمس، لم تحجب ابداً التطورات الخطيرة التي تعكس غليان الشارع وحركة قطع الطرق المتعاظمة التي اتسعت في معظم المناطق مساء وليلا، فيما برز التوتر الكبير والخطير في طرابلس الذي يتهدد بالاسوأ بعدما عادت المظاهر المسلحة الى الشارع واطلاق النار في المدينة وسط كر وفر بين المحتجين والجيش اللبناني الذي سيطر على الوضع واعاد الأمور إلى طبيعتها بعد الظهر ومن ثم عادت معالم التوتر وقد حذّر رئيس البلدية رياض يمق من أن الاوضاع خرجت عن السيطرة. ولعل الأخطر في ذلك ان تقارير امنية قدمت الى الجهات المعنية تحدثت عن توزيع أسلحة وأموال في المدينة، ما ينذر بتداعيات خطيرة عمل الجيش على الحد منها عبر تخصيصه كميات من المازوت الخاصة بالمؤسسة العسكرية الى معامل الكهرباء في الشمال على سبيل الاعارة الى حين توافر المادة.


تشريع “حار”
وعلى وقع تمادي أزمة المحروقات وإنذار المستشفيات بالتوقف جراء أزمة فقدان المازوت وارتفاع الاسعار في معظم السلع من الخبز الى الدواء والبنزين، عقد مجلس النواب جلسته التشريعية وأقرّ عدداً كبيراً من المشاريع، كان ابرزها البطاقة التمويلية مع فتح اعتماد لها بقيمة 556 مليون دولار وسط أجواء نيابية مشحونة بدت كأنها عشية الانتخابات النيابية وزاد عصبيتها انقطاع التبريد في قاعة قصر الاونيسكو . وتزامنت الجلسة مع عامل لافت تمثل في تبلّغ وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ناقش اقتراح تخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء ( SDR ) البالغة قيمتها الاجمالية 650 مليار دولار ليحال بعدها الى مجلس المحافظين الذي يدرسه بدوره في شهر تموز المقبل، وفي حال إقراره تتم عملية التخصيص ‏نحو نهاية آب المقبل، على ان تكون حصة لبنان حوالي 900 مليون ‏دولار، ‏يستطيع الاستفادة منها بعد إصدار الإقرار.


وإذ بدا واضحاً ان الحكومة تربط تمويل البطاقة التمويلية بجزء من هذا المبلغ قالت مصادر وزارة المال لـ”النهار” ان هذه الاموال ليس لها علاقة إطلاقاً بأي برنامج تمويلي قد يتوصل اليه لبنان بمفاوضاته مع صندوق النقد الدولي لمواجهة أزمة المالية، فهذه الاموال التي قد يستفيد منها ضمن حقوق السحب الخاصة هي من حقه، وتكوّنت جراء تسديد المساهمات السنوية، أما بالنسبة لآلية الاستفادة من هذه الاموال، فتؤكد مصادر وزارة المال ان الاهم هو العمل على إستخدام هذه الاموال التي تصل لبنان في ظروف مالية وإقتصادية وإجتماعية دقيقة جدا، بأفضل السبل وأحسن الطرق، للمساهمة في مواجهة التحديات الحالية.


“القوات” وباسيل
وبرز في الجلسة انسحاب نواب “تكتل الجمهورية القوية” بعد اعتبارها ان جدول اعمالها لا يلاقي هموم الناس لناحية الاسراع في تشكيل حكومة ووقف التهريب ومنع المس بالاحتياطي، منتقدة اداء رئاسة الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال والرئيس المكلّف. فيما أكد رئيس المجلس نبيه بري رداً على النائب جورج عدوان في موضوع التأخير بتشكيل الحكومة وتلكؤ حكومة تصريف الاعمال القيام بواجباتها وخاصة في موضوع ترشيد الدعم وسواها من المهام وضرورة مساءلتها أمام المجلس النيابي “أنا جاهز لعقد جلسة مناقشة، لكن البعض يتصرف وكأن البلد ليس طائفيا. جميعنا يعرف عيوبه ويتمسك بها”. كما اعتبر بري خلال مناقشة قانون البطاقة التمويلية ان “المجلس النيابي ملزم مناقشة مشروع البطاقة التمويلية واقراره، وتوفيراً على الزملاء من نقاش لقد اطلعنا على كتاب دولة رئيس مجلس الوزراء ونية الحكومة وعزمها على اتخاذ الاجراءات وفق صلاحياتها وتقديمها، اما كيفية توزيع الاعباء وتمويل البطاقة وآلياتها وكيفية التسديد فستبقى على عاتق الحكومة وليس على عاتق المجلس النيابي، وفقا للأصول”


وفيما اتهم رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل “أجهزة امنية ونواب وسياسيين بانهم منخرطون في شبكات وعمليات التهريب عبر الحدود” واقترح اعطاء الحكومة اياما اضافية للعودة بقانون مفصل عن البطاقة ، لم يؤخذ باقتراحه، وصوّت المجلس على مشروع البطاقة التمويلية مادة مادة. واقر المشروع، كما اقر اقتراح قانون الشراء العام. ولاحقاً أشار باسيل الى ان التكتل يدرس الطعن بقانون الشراء العام لأن جزءاً منه غير دستوري. ثم غرّد عبر “تويتر”: “الأكيد انه لا يجوز الاستمرار كما نحن… على رئيس الحكومة المكلّف ان يحسم أمره اذا يريد ان يؤلّف او ان يعتذر؛ وبحال استمرّت المماطلة، على المجلس النيابي ان يحسم أمره، امّا بتعديل دستوري لوضع المهل او بإستعادة القرار، والّا فليعلن عجزه وينهي ولايته بتقصير مدّتها… ما منقدر نكفّي هيك!”. وفيما يعكس استمرار التوتر بين الطرفين، وأثناء كلام باسيل، حاول الرئيس بري إعطاء الكلام لغيره، فقال له باسيل: “شو باك مش متحمّلني”؟، فأجابه بري: “هلقد كتير تحمّلتك”. وقال باسيل رداً على ما قاله بري في الجلسة، للصحافيين: “بعد بدّو يتحمّلنا كتير، جيلنا تحمّلهم كتير قبل وهلّق هن عليهم يتحمّلونا كتير لقدّام…. نحنا تحمّلناهم لورا وهن بدّهم يتحمّلونا لقدّام ، هيدي طبيعة الحياة، بدّنا نتحمّل بعضنا” .


وبعد انسحاب “الجمهورية القوية” من الجلسة برر عدوان ذلك برفض الكتلة ان “نشرع لدولة ضعيفة تنهب الشعب والمصارف” ، وقال “عام ونصف العام نتحدث عن الإصلاح أهناك مسؤول واحد تمت محاسبته أو دخل إلى السجن”؟ وسأل “ما المطلوب منا اليوم؟ التشريع وكأن شيئاً لم يكن؟ تريدون منا أن نعيش في عالم آخر والعالم تُذل خارج البرلمان”؟واكد انه “لا يمكننا رؤية المسؤولين يتفرجون على معاناة الناس ولا يبذلون أي جهد، على الأقل أن يكون هناك أي ضمير حي للمساءلة، على البرلمان أن يخصص جلسة كما وعدنا رئيسه للمساءلة”.