الجمعة 25 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
دلّت وقائع اليوم الثامن للانتفاضة الشعبية الى أنها ماضية الى مزيد من التصعيد، مع إعلان رفضها ما طرحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رسالته الى المتظاهرين الذين تعرّض بعضهم الى اعتداءات من جهات حزبية، في الوقت الذي صَعّد المنتفضون من إقفال مداخل بيروت من مختلف الجهات، الى أن سَرت ليلاً معلومات أفادت عن سَعي حثيث على مستويات رفيعة لإعادة تطبيع الاوضاع في البلاد تدريجاً، بدءاً من اليوم وحتى الاثنين المقبل، بالتزامن مع انطلاق حوار بين السلطة وممثلي الانتفاضة.
تحدث مرجع مسؤول لـ«الجمهورية» مساء أمس عن «بدء العد العكسي لإنهاء حال الفوضى التي نتجت من بعض التظاهرات في بعض الأماكن والمناطق، بحيث سيتم فتح كل الطرق والبلد، ليكون الاثنين المقبل يوم عمل طبيعياً في كل المؤسسات الرسمية والخاصة وفي المصارف والبلد عموماً، فيما ينتظِم الحراك، تظاهرات واعتصامات، في الساحات». وقال المرجع انّ رئيس الجمهورية «سيبدأ الحوار المباشر مع ممثلي الحراك الشعبي في ما يرفعونه من مطالب، وسيتم تصنيف كل من لا يشارك في هذا الحوار على انه «حالة مُندَسّة» للتخريب، ويتم التعامل معها على هذا الأساس».
وعلمت «الجمهورية» أنّ اجتماعات عدّة تنعقد بين مختلف الأحزاب، لمناقشة ما يحصل واستنباط الحلول للأزمة السائدة. وأشارت المعلومات الأولية الى أنّ «العد العكسي للحلّ ولفَتح البلد بدأ، وسيكون المشهد مختلفاً يوم الاثنين».
وكان عون قد توجّه أمس برسالة الى اللبنانيين عموماً والمتظاهرين، مؤكداً «انّ الورقة الاصلاحية التي أقرّت ستكون الخطوة الاولى لإنقاذ لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه»، واعتبر انها كانت «أوّل إنجاز لكم لأنكم ساعدتم في إزالة العراقيل من أمامها، وقد أقرّت بسرعة قياسية». ولفت الى انّ «في مجلس النواب عدداً من اقتراحات القوانين، منها اقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، واقتراح ثان باسترداد الدولة للأموال المنهوبة، واقتراح ثالث برفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وموظفي الفئة الاولى الحاليين والسابقين، واقتراح رابع برفع الحصانات عن الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى المال العام».
وشدد على إقرار هذه القوانين «في أقرب وقت». داعياً المتظاهرين الى مطالبة النواب بالتصويت عليها «حتى يصبح كل المسؤولين عرضة للمساءلة والمحاسبة القانونية، ولا يعود هناك خيمة فوق رأس أحد». كذلك دعاهم الى أن يكونوا المُراقبين لتنفيذ الاصلاحات من خلال الساحات «في حال حصل أي تأخير أو مماطلة»، مشدداً على «حرية التنقّل التي هي حق لكل المواطنين، ويجب ان تُحترم وتؤمّن». ودعا المعتصمين الى «حوار بنّاء يوصِل الى نتيجة عملية، وتحديد الخيارات التي توصلنا الى أفضل النتائج»، مؤكداً أنه ينتظرهم للبدء بهذا الحوار.
وقد تَتبّع فريق عون ردود الفعل على هذه الرسالة، وقالت مصادره لـ«الجمهورية» انه تلقّى ما هو إيجابي وما هو سلبي، مؤكدة انه «كان صريحاً جداً، وخاطبَ المتظاهرين بكل جرأة ووضوح». وأضافت انّ عون أطلقَ في رسالته 3 مسارات متوازية، وهو في الوقت الذي تحدث الى المتظاهرين والمعتصمين عن قراره وأبلغهم علناً انه في انتظارهم للحوار معهم عبر ممثلين لهم، فتحَ باب إعادة النظر في التركيبة الحكومية قبل أن يشرح لهم رؤيته للاصلاحات التي يمكن مقاربتها في المَديَين القريب والبعيد، لافتاً الى فشل سلسلة محاولاته السابقة. وأكدت «أنّ الرئيس قام بواجبه، وأبدى استعداده لمواصلة آلية المحاسبة والحوار في آن، مُلبّياً مطالب اللبنانيين، ورَسم لهم خريطة طريق واضحة وصريحة».
الحريري
واتصل رئيس الحكومة سعد الحريري بعون، وأكّد له «ترحيبه بدعوته الى ضرورة إعادة النظر في الواقع الحكومي الحالي من خلال الآليّات الدستورية المعمول بها».
وعكست أجواء الحريري أمس سَعيه للبدء بتطبيق الورقة الاصلاحية، وقالت مصادر «بيت الوسط» لـ»الجمهورية» انه واصل لقاءاته السياسية والديبلوماسية، شارحاً بنود هذه الورقة ومراحلها التطبيقية، مؤكداً انّ بعض ما تقرّر هو من مهمة المجلس النيابي الذي سينطلق في ورشة تشريعية مع بدء دورته العادية الثانية، وانّ ما يتعلّق بالحكومة قد باشَر به، فأصدر تعليماته الى الوزارات والمؤسسات العامة لتطبيق الخطوات الإدارية المطلوبة تزامناً مع تسويق ما تقرر في الوسط الديبلوماسي.
وفي هذه الإطار كان لقاء الحريري عصر أمس مع سفراء الدول الأوروبية، الذين قصدوه للاستماع الى شروحاته حول التطورات الجارية، استناداً الى جملة أسئلة طرحوها وتتصل بطريقة المعالجة في توقيتها وشكلها والمضمون.
وبعدما قدّم الحريري شروحاته، أكد السفراء إصرارهم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، لكنهم أبدوا قلقهم من التطورات على أكثر من مستوى، مؤكّدين الحرص على الخروج سريعاً من الأزمة بأقل خسائر ممكنة، مُشددين على أهمية احترام حراك اللبنانيين، ومؤكدين «الاستعداد لتقديم العون المطلوب للحفاظ على استقرار لبنان وأمنه ووحدة أبنائه».
ولفت الحريري، رداً على أسئلة السفراء، الى «انّ الحكومة لا تنوي معالجة ما يجري على الأرض بالقوة، لأنه أمر غير وارد على الإطلاق، وانّ الحل كان ولا يزال سياسياً»، مكرراً التشديد على حماية الحراك الشعبي، وأنه لم يطلب من المتظاهرين الخروج من الشوارع والساحات.
على صعيد آخر، واصلَ الرئيس الحريري اتصالاته مع المراجع المعنية سياسياً واقتصادياً ومالياً، وناقش التطورات الأمنية مع القيادات العسكرية والأمنية، وتَتبّع الأوضاع مع رئيس الجمهورية في اتصال طويل بعد توجيه رسالته الى اللبنانيين، بما فيها الأفكار التي أشارا اليها، ولاسيما منها إعادة النظر في التركيبة الوزارية.
الانتفاضة والأمطار
وعلى رغم من غزارة الأمطار على الخطّ الساحلي، فإنّ المتظاهرين رفضوا إخلاء الساحة، وعادت أعدادهم الى الارتفاع بعد انحسار المطر.
ففي النبطية سجّلت أمس 3 أحداث لافتة، أوّلها كثافة المشاركين، وثانيها الإشكال أمام سراي النبطية بين سيارة استفَزّ سائقُها المتظاهرين بطريقة مروره وشَهر مسدسه، فحصل تَدافع وسط الشارع، وتمكّنت عناصر الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي من فَضّه ومعالجته. وثالثها، إعلان 4 أعضاء في مجلس بلدية النبطية استقالتهم، احتجاجاً على تعرّض شرطة البلدية وآخرين للمتظاهرين.
وفي هذه الاثناء حافظت طرابلس على الصورة الحضارية التي عكستها منذ اليوم الأول للتظاهرات، إذ سجّل أمس تجمّع حاشد من المهندسين والمهندسات أمام مقر نقابتهم في طرابلس للتأكيد على دور المدينة في الحراك المدني. وانطلقوا، وفي مقدمتهم النقيب بسام زيادة، في مسيرة إلى قصر العدل لينضمّوا إلى المعتصمين من محامين وأطباء وأطباء أسنان، وليتابعوا مسيرتهم الى ساحة النور حيث تجمّع المعتصمعون منذ ساعات الصباح الأولى.
أمّا ساحة رياض الصلح في قلب بيروت فقد شهدت عمليات كرّ وفرّ، حيث سادَت حالة من التوتر بين مجموعتين، الأولى تُطالب بإسقاط الحكومة وترفع شعار «كلّن يعني كلّن»، والثانية حزبية وقد وصلت في فانات الى مكان التظاهر، وتقول إنّ لديها المطالب ذاتها، لكنها ترفض المَسّ بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله تحت شعار «كلّن يعني كلّن… نصرالله أشرف مِنّن». وتطوّر الأمر إلى تَلاسن بين المجموعتين، ثمّ إلى اشتباك بالأيدي أدّى الى وقوع جريح، وتدخّلت قوة مكافحة الشغب لفضّ الاشكال.
وليلاً بدأت المجموعة الحزبية تهتف مبايعةً مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.
روكز
وفي المواقف، قال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب شامل روكز لـ»الجمهورية» انّه يؤيد «تغيير الحكومة بكاملها وبأسرع وقت ممكن، وتأليف حكومة مصغّرة من أصحاب كفاية واختصاص وأخلاق، ليُخرجوا البلد من الأزمة الحالية ومعالجة الوضع الإجتماعي، وإطلاق نهضة اقتصادية ومحاربة الفساد». واعتبر أنّ «هذه العناوين الكبيرة تحتاج الى أسماء ومواصفات معيّنة، كما أنّ على هذه الحكومة أن تتمتّع بصلاحيات استثنائية». وأضاف: «ليختَر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سريعاً أسماء مميّزة، فتسير الأمور كما يجب».
وقال روكز: «الآن ليست هنالك دولة بالنسبة إلي، فلا حكومة تجتمع ولا مجلس يجتمع، وليست هناك قرارات وكأنّ الدنيا «فالتة». مؤكّداً أهمية تأليف «حكومة تُحقّق نقلة سريعة وبيضاء، يمكن تشكيلها خلال أيام قليلة»، معتبراً أنّه عندما يتمّ الإتفاق على المبدأ «تتحَلحَل المشكلات». وقال: «لا أعلم ما هي مشروعية مجلس النواب عندما يكون المواطنون في الشارع، هنالك أخطاء ارتكبت، وعلى من فشل هنا أن يدفع ثمن فشله».
الجمهورية