الأخبار
الرئيسية / سياسة / نصائح للحريري بعدم الإستقالة… وقداسة البابــا لـ”حوار وحلول عادلة”

نصائح للحريري بعدم الإستقالة… وقداسة البابــا لـ”حوار وحلول عادلة”

الإثنين 28 تشرين الأول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

لم يطرأ جديد على المواجهة الدائرة بين السلطة والانتفاضة الشعبية التي تدخل يومها الثاني عشر، إذ إنّ المواقف ظلت على حالها في السياسة كما في الساحات والشوارع، ومن المنتظر أن يتّضح مسار الاوضاع في ضوء ما ستشهده بداية الاسبوع اليوم من حراك واتصالات على الضفتين. وعلمت «الجمهورية» أنّ فكرة التعديل الحكومي تبدو صعبة التنفيذ حتى الآن، خصوصاً في ظل الاصرار على بقاء الوزير جبران باسيل في الحكومة.

وفي المقابل، فإنّ فكرة تأليف حكومة تكنوقراط، التي يطالب بها المتظاهرون، هي الأخرى صعبة التنفيذ. وبين الخيارين يبدو رئيس الحكومة سعد الحريري مُربكاً، فيما تصرّ جميع الأوساط السياسية عليه لعدم الذهاب الى الاستقالة تجنّباً لوقوع البلاد في الفراغ. وكان البارز أمس دعوة قداسة البابا فرنسيس إلى سلوك طريق «الحوار» لإيجاد حلول «عادلة» في الأزمة السياسية والاجتماعية التي يمرّ بها لبنان.

وقال: «أفكاري مع الشعب اللبناني العزيز، خصوصاً الشباب الذين أسمعوا في الأيام الأخيرة صرختهم في وجه التحديات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد». وحَضّ «الجميع على البحث عن حلول عادلة من خلال الحوار»، مشيراً إلى أنّ الهدف هو أن «يستمر هذا البلد، بدعم الأسرة الدولية، في أن يكون مساحة تَعايش سلمي واحترام لكرامة وحرية كل شخص لمصلحة منطقة الشرق الأوسط كلها».

أجمعت الاوساط السياسية أمس على انّ الحلول مجمّدة بين إصرار الشارع على مطالبته بتغيير الحكومة، في مقابل تمسّك السلطة بالاكتفاء بالورقة الاصلاحية وفتح الطرق فوراً، على أن يلي ذلك انتداب وفد يمثّل المتظاهرين الى الحوار مع رئيس الجمهورية، والاتفاق على الاجراءات التي يمكن ان تتخذها الدولة، وفي مرحلة ثالثة يتم البحث في ملف التعديل الحكومي. لكنّ أوساط الحراك اعتبرت انّ في هذا الطرح الحكومي «فخاً» لضرب هذا الحراك وإحباطه.

خطة لفتح الطرق
وعلمت «الجمهورية» انه كان من المقرر البدء فجر أمس بتنفيذ خطة عسكرية ـ أمنية لفتح الشوارع الرئيسة، لكن تم تأجيل هذه الخطة لمدة 24 ساعة بسبب تعقيدات برزت في اللحظة الاخيرة.
وكان قد انعقد صباح السبت اجتماع أمني في مقر قيادة الجيش، ضَم، الى قائده العماد جوزف عون، جميع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وناقش المجتمعون الأوضاع الراهنة في البلاد في ضوء استمرار التظاهرات وقطع الطرق، ولاسيما منها الطرق الدولية.
وقالت مصادر المجتمعين لـ»الجمهورية» انّ القيادات العسكرية والأمنية تقاسمت المهمات والمناطق، سعياً الى ترتيب الأجواء التي تسمح باستعادة الحركة الطبيعية من دون حصول أي صدام مع المتظاهرين. ولذلك، فقد توزعت المهمات على هذه الأسس، توصّلاً الى أفضل الإجراءات التي تُسهّل حرية تنقّل المواطنين على الطرق الحيوية، وحفظ أمن المتظاهرين وسلامتهم.

في بعبدا
وكانت الإتصالات قد تواصلت طوال عطلة نهاية الأسبوع، إذ بقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تواصل مع رئيس الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون وقادة الأجهزة الأمنية لمتابعة التطورات، في ظل إصراره على إعادة فتح الطرق، وتسهيل استعادة الحياة الطبيعية الى البلاد، والتوصل الى حل للخروج من الأزمة.
وقالت مصادر وزارية قريبة من عون لـ»الجمهورية» انّ البحث في التغيير الحكومي بات أمراً ثابتاً ومقبولاً لدى الجميع، ومن ضمن المؤسسات الدستورية والمعايير الموحّدة التي يجب أن تسري على الكل، ولكن المشكلة تكمن في مرحلة ما بعد الاستقالة، إذا حصلت. وتَمنّت على أصحاب هذا الاقتراح التفكير بما بعده، لأنّ التفاهمات المسبقة متعذّرة حتى اللحظة، وليس هناك من إجماع على تشكيلة وزارية للحكومة البديلة.

بيت الوسط
في المقابل لم تتوقف حركة الاتصالات في «بيت الوسط»، وتحدثت أوساطه لـ»الجمهورية» عن سلسلة من الاجتماعات واللقاءات لمواكبة التطورات، وسط التركيز على ما بعد أي خطوة يمكن الحريري ان يُقدم عليها، وخصوصاً في ظل الحديث عن تغيير الحكومة، إذ انّ هذه الخطوة لا يمكن الاقدام عليها قبل الاتفاق المُسبق على الحكومة العتيدة، بحيث يتم التغيير من ضمن الآليات الدستورية.
وسيترأس الحريري في السراي الحكومي اليوم اجتماعاً للجنة الوزارية المكلّفة البحث في مشروع قانون العفو العام، بعدما تقرر في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة الاسراع في إصداره.

باسيل والتعديل الحكومي
والى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ خيار التعديل الوزاري يواجه صعوبات وتعقيدات جوهرية، لعل أبرزها يكمن في انه يوحي أنّ الوزراء المُراد استبعادهم هم المسؤولون عن الاسباب التي أدّت الى الانفجار الشعبي، بحيث أنّ إخراجهم من الحكومة سيبدو نوعاً من العقاب لهم، في حين انّ الحكومات المتعاقبة على امتداد نحو 30 عاماً والسياسات الاقتصادية والمالية المتراكمة، هي التي أوصلت الى انتفاضة 17 تشرين الاول، ولا يجوز اختزال المشكلة ببضعة وزراء وتحويلهم كبش محرقة، كما يعتبر المعترضون على التعديل الموضعي.


وأكد قريبون من الوزير جبران باسيل انّ البعض يدفع الى إخراجه من الحكومة لإلباسه ثوب الأزمة وتحميله المسؤولية عنها، «وهذا ما لا يمكن القبول به بتاتاً، وكلّ طرح من هذا القبيل هو تَخبيص خارج الصحن»، مشدّدة على أنه «من غير المسموح إعطاء أي تغيير حكومي طابع العقاب أو الاستهداف لرئيس التيار الوطني الحر. وبالتالي، فإنّ مقاييس أي تغيير من هذا النوع يجب ان تكون موحدة وغير استنسابية». ولفت هؤلاء الى «انّ من يظن أنّ بمقدوره استخدام مطلب التبديل الحكومي للانتقام من باسيل وتصفية الحسابات معه، إنما هو مشتبه وواهِم». وأكدوا انّ مغادرته لموقعه الوزاري «لا يمكن ان تتم سوى في إطار التوافق على خيار سياسي جديد للتعامل مع المرحلة المقبلة، وفق معيار مشترك»، الأمر الذي يتضمّن تلميحاً الى انّ خروج باسيل ليس ممكناً، إلّا إذا استقالت الحكومة مجتمعة.


ولئن كانت أوساط باسيل تُقرّ بأحقيّة المطالب المرفوعة في الساحات، إلّا انها لفتت الى «انّ هناك مَن دخلَ على خط العفويين من المحتجّين لتنفيذ أجندة سياسية، ترمي الى تدفيع الرئيس ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» ثمن خياراتهما الاستراتيجية الصحيحة، خصوصاً بعد إعلان باسيل الصريح في خطاب الحدث في 13 تشرين الاول عَزمه زيارة سوريا قريباً، بُغية إيجاد حل لملف النازحين السوريين.

«القوات»
في غضون ذلك تساءلت مصادر «القوات اللبنانية»، عبر «الجمهورية»: «الى متى يصمّ المسؤولون آذانهم أمام مطالب الناس وصرختهم من أجل استقالة الحكومة وتشكيل أخرى من اختصاصيين؟ وهل يجوز أن يبقى البلد مشلولاً ومعطّلاً بهذا الشكل، وأن يكون هنالك من يتمسّك بواقع سلطوي يرفضه الناس بسبب فشله في تأمين المستلزمات الحياتية والمعيشية والاقتصادية؟». وقالت إنّ «السلطة الحالية تتحمّل مسؤولية كل يوم تأخير في هذا الواقع لجهة الخسائر المادية والاقتصادية التي يتحملها البلد، ولا يجوز إطلاقاً تحميل الناس اي مسؤولية، لأنّ الناس نزلت الى الشوارع في ثورة اجتماعية غير مسبوقة وحّدت اللبنانيين حول مطالب معيشية».

واعتبرت المصادر أنّه «لا يجوز في بلد ديموقراطي مثل لبنان، وبعد 11 يوماً على الثورة، أن تبقى الامور على ما هي من دون ان يرف أي جفن لمسؤول من أجل التجاوب مع مطالب الناس». وأضافت أنّ «الناس جُلّ ما تريده هو الثقة، لأنّ هذه الثقة مفقودة في الحكومة الحالية. وبالتالي، إنّ المدخل لاستعادة الثقة يكمن في استقالة الحكومة وتشكيل اخرى مختلفة تماماً من وجوه تحظى بثقة اللبنانيين، حكومة اختصاصيين مصغّرة».

وأشارت المصادر الى أنّ «هذا المطلب، الذي أطلقته «القوات اللبنانية» في 2 أيلول على طاولة القصر الجمهوري الحوارية، بدأ يتوسّع». وقالت إنّ «البطريرك الراعي يطالب بشيء من هذا القبيل، بالإضافة إلى جنبلاط الذي كان ذلك مطلبه أيضاً، وكذلك الناس»، معتبرة أنّه «حان الوقت لاستقالة الحكومة للحَدّ من الخسائر، والذهاب الى حكومة جديدة تكون على قدر تطلّعات اللبنانيين والمرحلة وتحدياتها بُغية التجاوب مع إرادة الناس، هذه الارادة الوطنية التي يُعَبَّر عنها من أقاصي الشمال الى أقاصي الجنوب، وتحظى أيضاً بثقة وتأييد معظم اللبنانيين الذين يريدون التغيير، ويعتبرون انّ هذا الواقع لا يجوز ان يستمر لأنه أوصلهم والبلاد الى مآسٍ وكوارث».

قراءة للأحزاب
والى ذلك علمت «الجمهورية» أنّ الأحزاب كافة تجري قراءة داخلية لكل ما حصل من تطورات دراماتيكية، ويتم التشاور بين الحلفاء حول المرحلة المقبلة وسُبل التعامل مع كل السيناريوهات المطروحة.
وقالت مصادر حزبية تعمل على تقدير الوضع لـ»الجمهورية» انه على رغم من انكشاف الارض، الّا أنّ حركتها ليس واضحة تماماً، وهذا ما يُعقّد الحلول ويجعل الرهان على وَعي الناس وعلى رضوخ قادة الحراك الشعبي للحوار بعد تحديدهم ووَضع أطر للمجموعات التي تعمل على تحريك الشارع، فيما يعمل نافذون مع الجهات الخارجية التي انكشف تمويلها الفاقِع ولو كانت متعددة وغير مرتبطة بالقيادات الرسمية.

وأضافت المصادر: «هناك شق داخلي لا يُستهان به دفعَ كل الأحزاب الى مراجعة حساباتها وتغيير نمط أدائها، مع مراهنة على الوقت الكفيل بإحداث تغيّرات. وهناك شق خارجي حول الحراك حيث هناك مخاوف من أن يتحوّل مطية للدول الاقليمية التي تريد تصفية حساباتها مع قوى لبنانية، وكل هذا يؤخذ في الاعتبار».


وأكدت المصادر نفسها «انّ التراجع في الوقت الراهن عن تغيير الحكومة ليس مردّه الاقتناع بأنّها جيدة ولا بأس بها، وإنما لعدم حرق كل الأوراق من البداية، خصوصاً انّ اللعب باتَ «على المكشوف». فتغيير الحكومة سيحصل لاحقاً، وهو سيحصل، ولكن الأولوية الآن هي لِلَململة الوضع وملاحقة حركة الشارع الذي تحوّل رمالاً متحركة، أيّ دعسة ناقصة فيه تُغرق الجميع».

ورأت «انّ الأمر لن يذهب الى ما لا نهاية كما كان يحصل في السابق، فالأمور ستتضِح خلال أيام، والأهم في الوقت الراهن هو إزالة المظاهر الخطيرة التي يمكن ان تجرّ الى اقتتال او مواجهة، خصوصاً بين المتظاهرين واللبنانيين الذين كانوا مؤيدين للانتفاضة العفوية ثم أصبحوا الآن من المتضررين منها. أمّا الجيش والقوى العسكرية فليست حالياً في وارد الدخول في أي عمل يمكن أن يولّد صداماً، فهي كمَن يمشي الآن في حقل ألغام».

اليوم الـ11
وكان اليوم الحادي عشر للانتفاضة شهد امتلاء الساحات بالمتظاهرين الذين حَضّروا لمتابعة إضرابهم وتحرّكاتهم اليوم، إذ انّ بعضهم نقل أثاث منزلٍ لإقفال جسر «الرينغ»، في ظل الدعوات إلى تحويل الطرق السريعة (الأوتوسترادات) مواقف للسيّارات تحت عنوان «إثنين السيارات… مليون سيارة بالطريق وَين بيروحو فيهن؟». وقد دَل كلّ هذا الى أنّ المتظاهرين لم يفقدوا حماستهم، بل هم يشددون على عدم خروجهم من الساحات قبل تنفيذ مطالبهم، لكي لا تراهن السلطة السياسية على يأسهم مع الوقت.


وعلى رغم من إقفال كثير من الطرق ومشاركة الحشود في الاعتصام المركزي في ساحات وسط بيروت، وكذلك في الساحات الأساسيّة في أكثر من منطقة من طرابلس إلى الذوق مروراً بجل الديب وصولاً إلى صيدا والنبطيّة، إلّا أنّ الهدوء سيطر على الوضع العام بعد وقوع عدد من الجرحى في البداوي ـ الشمال قبل 24 ساعة.
وإلى تحرّكات المناطق، نجح اللبنانيّون للمرة الأولى في إقامة سلسلة بشريّة تحت عنوان «إيد بإيد»، على امتداد الساحل اللبناني، من عكار شمالاً حتى صور جنوباً مروراً ببيروت وصيدا، بطول بلغ 170 كلم، لتأكيد كسر العوائق الطائفية ووحدة المطالب. وشَبَكَ آلاف المشاركين أيديهم بعضها ببعض على وقع النشيد الوطني اللبناني، مرددين الهتافات المطالِبة بإسقاط النظام ومحاسبة الفاسدين.

خروج العملة
على صعيد الوضع المالي، أثار القرار الذي أصدره النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات أمس، بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية دفعة واحدة في حقائب صيارفة وتجّار عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية، التساؤلات والقلق.
ورغم انّ هذا القرار كان قد اتّخذه عويدات منذ ما قبل الانتفاضة، بما يوحي أن لا صلة له بالحراك الشعبي، تردّد انّه جاء على خلفية رصد خروج ما بين مليون ومليون و300 ألف دولار من لبنان كل 48 ساعة. وسيتولّى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تنظيم عملية شحن العملة الأجنبية من لبنان إلى الخارج عبر المطار والمعابر الحدودية.
وفي السياق، أصدر مصرف لبنان بياناً أمس كشف فيه أنّ «3 صيارفة في حوزتهم عملات عربية مختلفة دخلوا الاراضي اللبنانية بعد الاعلان عنها. وقد تمّ تبديلها بالدولارات الاميركية في أسواق بيروت، ليتمّ شحنها الى تركيا». ودعا الصيارفة وشركات الصيرفة الى أن «يكونوا مرخّصين بشحن الأموال من قبل مصرف لبنان، أو أن يتمّ شحن هذه الأموال عبر الشركات المرخّص لها من المصرف، أو التقدّم بطلب الترخيص من مصرف لبنان، حسب التعاميم الصادرة عنه، للقيام بأعمال الصيرفة وشحن الأموال مع تحرير رأس المال المطلوب للحصول على هذا الترخيص. وعندها، لا قيود على المبالغ المشحونة، ولا حاجة لطلب إذن مُسبق تِبعاً لتعاميم مصرف لبنان القائمة».
ومن المتوقّع أن يحدّد سلامة، في تعميم يصدره اليوم، كمية الاموال المسموح إخراجها، او سيحدّد الاجراءات المطلوبة للحصول على إذن لإخراج الأموال.
وقال مصدر مصرفي لـ»الجمهورية» انّ «ذريعة إرسال هذه الاموال الى الخارج، بسبب إقفال المصارف أبوابها، غير منطقية، لأنّ الأعمال المصرفية غير متوقفة كلياً، فبعض إدارات المصارف تعمل على تأمين تحويلات لبعض الزبائن، كما عملت على تأمين رواتب موظفي القطاع العام والخاص».

الجمهورية