الرئيسية / سياسة / «كابيتال إيكونوميكس»: إعادة هيكلة الدَّين محتومة

«كابيتال إيكونوميكس»: إعادة هيكلة الدَّين محتومة

الإثنين 28 تشرين الأول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب محمد وهبة في الأخبار : بدأت المؤسسات المالية الأجنبية تركّز على «حتميّة» إعادة هيكلة الدين. «كابيتال ايكونوميكس» أصدرت الأربعاء الماضي، تقريراً بعنوان «لماذا لبنان يتجه نحو إعادة هيكلة ديونه»، تشير فيه إلى أن إعادة الهيكلة وانهيار سعر صرف الليرة يأتيان بشكل فوضوي قد يؤدي إلى محو رساميل المصارف، ثم تلمح إلى ضرورة إخضاع لبنان لبرنامج مع صندوق النقد الدولي للحدّ من موجة هروب رؤوس الأموال.

إعادة هيكلة الدين، أو إعادة جدولة الدين، هي العبارة التي وردت على لسان وزير المال علي حسن خليل في كانون الثاني 2019، وأدّت إلى نشوب حملة دفاع عما يسمّى حقوق الدائنين. يومها اندفع ممثلو القوى السياسية إلى عقد لقاء في قصر بعبدا صدر بعده بيان تلاه الوزير خليل باسم المجتمعين، يعبّر عن التزام لبنان وارتهانه الأبدي للدائنين. بكلام آخر، كان الكلام عن إعادة هيكلة الدين مرفوضاً بشكل مطلق من المصارف وحملة السندات الأجانب وكل شركائهم في لبنان من الذين راكموا الثروات عبر المتاجرة بالدَّين.


ورغم الإغلاق القسري لأبواب المصارف لليوم العاشر على التوالي بسبب الخوف من انهيار القطاع، ورغم اندلاع احتجاجات شعبية واسعة تعبّر عن الفقر وسوء توزيع الثروة وفي المجتمع الذي يعمل لخدمة الدائنين، أي أنه لم يعد هناك أي مبرّر للامتناع عن النقاش في عملية إعادة هيكلة للدين العام بوصفها ردّ الفعل الإصلاحي الأول الذي يجب على أي سلطة القيام به، لكن الجزء الأكبر من المجتمع المحلّي لا يزال قاصراً عن هذا الدور. فباستثناء قلّة رفعت شعار إسقاط الدَّين بـ«ضربة» إعادة الهيكلة، بات الموضوع منسياً حتى سبقهم إلى هذا الحديث، وإن كان بغايات وأهداف مختلفة، تقرير صادر عن «كابيتال ايكونوميكس» يشير إلى أن الاحتجاجات في لبنان تعكس استحالة ردّ فعل سياسي يؤمن استقرار معدلات الدين، لذا فإن «إعادة هيكلة الدين العام صارت محتومة».


إعادة توجيه البوصلة نحو شطب جزء من الدين العام وخدمته أمر أساسي في هذه المرحلة. لأن حتمية اللجوء إلى إعادة هيكلة الدين العام لم تعد أمراً نظرياً، بل صارت واقعاً. فبحسب «كابيتال ايكونوميكس» هناك طرق عدة لتنفيذ إعادة الهيكلة، إلا أنه في ظل «عملة محلية معوّمة، وامتلاك المؤسسات المالية في لبنان محفظة واسعة من السندات بالعملات الأجنبية، ترتفع مخاطر حصول توقف فوضوي عن السداد يترافق مع أزمة نقدية ومصرفية». فإلى جانب كون عجز الموازنة يصل إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي، واحتلال نسبة الدَّين إلى الناتج مركز سادس أعلى معدل في العالم مع بلوغه 150% من الناتج المحلي الإجمالي، «بات ثلث الدين الحكومي بالعملات الأجنبية، أي ما يفوق 30 مليار دولار».

لبنان يتّجه نحو فوضى الانهيار المصرفي والنقدي

تشير «كابيتال ايكونوميكس»إلى أربعة عناوين أساسية لمواجهة مشكلة الدَّين: النموّ الاقتصادي السريع، التضخّم الكبير، التقشف، إعادة هيكلة الدين (أو الامتناع عن السداد). «من الصعب أن نرى كيف يمكن لبنان أن يولّد نمواً اقتصادياً سريعاً ومستداماً في اقتصاد يتوقع أن ينكمش هذه السنة. أما محاولة احتواء الدين عبر التضخّم، فستقوّض استقرار تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، فيما يعدّ التقشف حلّا متاحاً. الحكومة أقرّت عدداً من الخطوات لمواجهة متطلبات المالية العامة، لكن الاحتجاجات واستجابة الحكومة لها، تشير إلى أنه يصعب جداً بلوغ عجز نسبته 5% أو 6% من الناتج المحلي الإجمالي».


وفي معرض استعراض الحلول المتاحة أمام لبنان، يشير التقرير إلى أن «الدعم الخارجي يمكن أن ينقذ لبنان»، إلا أنه لا يرى أن دول الخليج مستعدة اليوم لتقديم مثل هذا الدعم «كما كانت مستعدة سابقاً»، لافتاً إلى أسباب سياسية.
ورغم اعتقاده بأن المسار الأسوأ (التقشف) هو الحلّ لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، إلا أن التقرير يتحدث عن النتائج الكارثية لغياب التمويل. ففي ظل هذا الأمر «السلطات ستكتشف سريعاً أن تمويل الدين وخدمته بالأسعار الحالية هما أمر غير مستقرّ، ما قد يجعل الامتناع عن السداد خطوة سياسية تتيح للسلطة زيادة النفقات في مجالات أخرى، أو تجنّب الضرائب».

ضرورة توجيه البوصلة نحو شطب جزء من الدَّين العام وخدمته

عند هذه النقطة، يشير التقرير إلى وجوب القيام بعملية إعادة هيكلة الدين بالتوازي مع إخضاع لبنان لبرنامج صندوق النقد الدولي. مبرراته أن هذه العملية هي الأكثر تدميراً يتأتى عنها «الخطر الأكبر، أي إعادة هيكلة الدين العام بشكل فوضوي. ففي ظل غياب صندوق النقد الدولي، سيقود عدم اليقين بشأن الرؤية الاقتصادية إلى موجة هروب رؤوس الأموال، فيما مصرف لبنان يركّز موارده على الدفاع عن تثبيت سعر صرف الليرة. وبشكل فوضوي قد ينخفض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتمتنع الدولة عن السداد. صندوق النقد الدولي يقدر أن قيمة الليرة مضخّمة بنسبة 50%، وأن المستثمرين بالليرة سيواجهون خسارة تصل إلى 75%. هذا الأمر كافٍ ليمحو رساميل المصارف في لبنان وينجم عنه توترات شديدة في النظام المالي».

الدَّين العام… بالأرقام


وفقاً لإحصاءات جمعية المصارف حتى نهاية تموز 2019، فإن الدين العام الحكومي بلغ 129652 مليار ليرة، منها 80829 مليار ليرة بالعملة المحلية، و48823 بالعملة الأجنبية. الدين بالعملة المحلية يتوزّع بحسب الدائنين كالآتي: 53.4% يحملها مصرف لبنان، 32.9% محمولة من المصارف، 13.9% محمولة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسة ضمان الودائع. أما الدين بالعملة الأجنبية فهو محمول كالآتي: 93.6% أو ما يوازي 29.8 مليار دولار عبر سندات يوروبوندز، والباقي عبارة عن قروض مختلفة من مؤتمرات باريس وغيرها.
وإضافة إلى هذا الدين الحكومي، هناك دين مستتر على عاتق مصرف لبنان. ما يتسّرب عن كلفة هذا الدين قليل جداً، إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن مصرف لبنان يستدين من المصارف عبر شهادات إيداع بالليرة بقيمة 48040 مليار ليرة، وشهادات إيداع بالدولار بقيمة 22.7 مليار دولار (34220 مليار ليرة بحسب تسعيرة مصرف لبنان لليرة). وهناك طرق أخرى للاستدانة يقوم بها مصرف لبنان من خلال الهندسات.