مجلة وفاء wafaamagazine
اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة التي ألقاها مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة أن “مكمن أزماتنا في هذا البلد، ومصدر مصائبنا، أن العام اختلط بالخاص والسلطة بالعائلة، والصفقات بالتلزيمات، الأمر الذي جعل هذا البلد مزرعة تجار وسماسرة على قاعدة “هذا لي وهذا لك”، لينكشف لبنان عن أسوأ كارثة مالية معيشية، وسط مديونية وفقر وإفلاس وسقوط عامودي، رتب لبنان بين أكبر ثلاث أزمات عالمية منذ القرن التاسع عشر، والآن البلد مكشوف، والانفجار بين الفينة والفينة”.
وشدد المفتي قبلان أن “المطلوب حكومة تضحيات وطنية لإنقاذ وطن يتناهشه الإفلاس، ويتكالب عليه الاحتكار والدولار والجوع والتضخم والبطالة والجريمة والفلتان. وبصراحة أكثر، المطلوب من الجميع أن يتنازلوا لمصلحة البلد المهدد بوجوده ولقمة عيش أبنائه وقدرتهم على الصمود”، مشيرا الى أنه “لحفظ البلد والحؤول دون سقوطه وارتطامه، يجب وقف الفساد ومحاسبة الفاسدين وحماية المواد الغذائية والنفطية والدوائية من حيتان الاحتكار ولعبة الأسعار، لأن بقية الاقتصاد والأمن المعيشي يؤشران إلى الانفجار القريب، الذي لا يوقفه إلا قيام حكومة بأسرع وقت، حكومة قادرة، كفوءة، تعمل على نزع الألغام والعوائق من أمام عودة الدولة ومؤسساتها بالحد الأدنى. فالوقت كحد السيف، والإنقاذ يبدأ من خبز الفقراء، لا خبز الوزراء، والإصلاح يبدأ من أولويات الأكواخ، لا أولويات ال10% من ذوي السلطة وأصحاب المال”.
ونبه المفتي قبلان إلى أن “الحريق قد يستعر في أية لحظة، والخراب قد يعم، وما نشهده من حرائق في القبيات وعكار والهرمل، ما هو إلا صورة مصغرة عن حرائق الجوع وجنون الأسعار الذي لم يعد يطاق، في ظل وقائع سياسية هيستيرية، تجاوزت كل المعايير الوطنية والأخلاقية والإنسانية، وخرجت عن كل الأدبيات السلطوية، الأمر الذي أوقع البلد والناس في جهنم المخاطر التي يكاد الخروج منها يحتاج إلى أعجوبة إلهية”.
ولفت إلى أن “الخروج مما يشهده البلد ويعيشيه اللبنانيون صعب جدا، ولكنه غير مستحيل إذا ما توافرت الإرادة، وعادت العقول إلى الرؤوس، واعترف الجميع بأن كل ما نحن فيه ما كان ليحصل لولا فساد وفشل هذه الطبقة السياسية وسوء إدارتها وقلة درايتها. صحيح أن مشكلة البلد معقدة ومتشعبة، بسبب تعدد الولاءات، وتشابك الداخل بالخارج، ولكن هذا لا يعفي هذه الطبقة السياسية من مسؤولياتها، ولا يبرئها من جريمة تدمير الوطن وقتل ناسه، فالكل مشارك والكل متهم، حتى تثبت براءته، فلا يزايدن أحد على أحد، فالكل مسؤول وإن بنسب مختلفة، والكل عليه واجب التكفير عما ارتكب، أقله بتقديم كل التسهيلات وإزاحة كل العراقيل من أمام ولادة الحكومة، بعيدا عن كل السفارات والشروط التي لم يعد لها أي معنى بعد هذا الذل الكبير الذي يعيشه المواطن يوميا، وعلى كل المستويات، النفسية والصحية والمعيشية، هذا ذل ليس من بعده ذل، وإهانة ليس للمواطن فحسب، بل هو ذل ومهانة لهذه الطبقة ولهذه السلطة التي فقدت كل إحساس بالمسؤولية ولا تزال تحاضر بالعفة، وتدعي الحرص على حقوق هذه الطائفة وصلاحيات هذا الرئيس”.
وأكد المفتي قبلان أن “كل الطوائف تسقط عند حقوق الناس، وكل الصلاحيات تصبح بلا قيمة عند كرامة المواطن. لقد ضيعتم الحقوق، وشوهتم الصلاحيات، أمام هول الفواجع وطوابير الذلّ. وما قيمة الشعارات أمام حبة دواء مفقودة، وصرخة طفل موجوع، وكيف تنامون والبلد يحترق، وكيف ترتاح ضمائركم وجريمة المرفأ بحجم جريمة إنسانية لا تزال مجهولة الفاعل والمسبب، وكيف تبتسمون و90% من اللبنانيين بلا كهرباء، وبلا مياه، وبلا خبز، وبلا دواء! أما آن الأوان بعد كل هذه الفظاعات وهذه النكبات أن يتوقف كل هذا النفاق! وهذا الخداع! وتبدأون مصارحة ومصالحة مع أنفسكم ومع شعبكم، بذهنية جديدة، ومنهجية خلوقة، تفضي إلى قيام حكومة قادرة على رسم خريطة طريق، تخرجنا من صيغة المزارع الطائفية، إلى رحاب وطن يحتضن شعبه، ودولة ترعاه بالأمن والأمان والاستقرار، بعيدا عن كولسات الدول ومخططاتها الهدامة!”.