مجلة وفاء wafaamagazine
لا جدال بأنّ لبنان يمر بإحدى اصعب واخطر حقباته منذ نشوئه قبل قرن من الزمن. صحيح انّ تاريخه كان حافلاً بالمحطات التاريخية التي شهدت صعوداً وهبوطاً بسبب تصارع الجميع على ساحته وتسابقهم للامساك بقراره، الا أنّ المرحلة الحالية يصح تسميتها بالمرحلة المصيرية، كون ديمومة لبنان وفلسفة وجوده هما فعلاً على المحك.
جوني منير
إتفاق سايكس – بيكو سمح برسم حدود جغرافيا دول الشرق الاوسط ومن بينها لبنان، والاتفاق الاميركي – الايراني المنتظر، والذي من المفترض ان يمهّد لرسم خارطة نفوذ سياسية جديدة، يكاد يخنق البلد الصغير تحت وطأة المشاريع الضخمة. وفي المحطات الصعبة والقاسية اعتاد لبنان اللجوء الى جيشه والعكس صحيح، بمعنى ان الممر الالزامي لضرب الاستقرار اللبناني وفتح الساحة أمام المشاريع الكبرى يستوجب ضرب الجيش وتفكيكه، كونه الدرع الذي يتولى حماية وحدة البلد.
هكذا في العام 1973 بدأ مشروع نزع الثقة بالجيش لفتح الباب امام «حزب الله» العام 1975، وما تلاه من مشروع تفكيك الجيش. والهدف كان واضحاً بنشر الفوضى وتشريع المجازر واشعال نيران الحرب في كل انحاء لبنان، والأهم تعطيل المؤسسة الوحيدة القادرة على اعادة لمّ الشمل. هكذا دخل الجيش السوري الى لبنان، ومن ثم الاجتياح الاسرائيلي حيث تبدلت المشاريع غير مرة. وحين دنت الساعة الدولية لإخراج الجيش السوري من لبنان، كان السؤال الاول الذي وجهته واشنطن لليرزة حول ما اذا كان الجيش قادراً على ملء فراغ الانسحاب السوري، وهو إثبات جديد للمعادلة اللبنانية التي تربط بين لبنان والجيش. هكذا ايضاً في العام 1958، جاء الجيش بمثابة الحل للاحداث المسلحة التي عصفت بالبلد وقسّمته.
واستطراداً، فإنّ الاستنتاج واضح بأن ضرب استقرار لبنان وهز ركائزه، يستوجبان إتعاب الجيش وإنهاكه وإضعاف حضوره وهيبته. كان غريباً أن يتعرض الجيش لسلسلة من الاستهدافات في عز التحضير لسايكس – بيكو سياسي في الشرق الاوسط. طبعاً، تداخلت الحسابات الاقليمية مع الطموحات الداخلية، وهو ما أنتجَ على سبيل المثال عصر الموازنة المتواضعة اساساً للجيش اللبناني، في وقت بقي السخاء هو عنوان موازنات وزارات ومشاريع كانت تفوح منها رائحة الفساد. كما ان هذا الجيش تعرض لحصار مالي أدى مثلاً الى حجب الطعام عنه لمدة 3 ايام، وفي مرة اخرى الى خطر نفاد المحروقات من احتياطه الاستراتيجي، ووصل الأمر الى توقف كل انواع اللحوم عن وجبات الجنود. وتَبِع ذلك أزمة طبابة وتلاشي القيمة الشرائية لرواتب الجنود والضباط. وفي المقابل كانت المهام تتكاثر وسط ازمات وكوارث متلاحقة.
ولذلك لا بد من السؤال ما اذا كان ثمة اهداف غير بريئة وراء كل ذلك؟ خصوصاً انها ترافقت وما تزال مع حملات سياسية واعلامية طالت قيادة الجيش.
في العيد الـ 76 لجيش اللبناني كثير من القلق والخوف على مستقبل لبنان ومسار الازمات والانهيارات التي تكاد تسحق الدولة وحضورها ومؤسساتها. لكن ما يزال هنالك بصيص ضوء خافت في الأفق المظلم يلوح من الدرع الذي ما يزال صلباً رغم كل شيء. إنه درع الجيش أول الأمل المتبقّي.
الجمهورية