مجلة وفاء wafaamagazine
عقد النائب علي حسن خليل مؤتمرا صحافيا، في قصر الأونيسكو اليوم، استهله بالقول: “بجرأة من يريد كشف الحقيقة وتحمل المسؤولية ولأن كل نقطة” دم تعنيني أقف أمامكم لأجيب على اتهام السادة الزملاء.
نحن أمام حدث إستثنائي- غير مسبوق-أصاب كل اللبنانيين- وأوقع شهداء وجرحى ودمار.
أمام رهبة هذا الحدث تنحني كل الرؤوس والهامات ونحن باحترام نقف أمام عوائل الشهداء وتسليم بحقهم في معرفة كل الحقيقة.
ولأننا نحترم الدستور والقانون والأصول نتوجه اليوم إلى مجلسكم لنعبر عن التزامنا الكامل بالمسار الذي تفرضه القضية المعروضة والتي أدخلنا فيها تحت عنوان القصد الاحتمالي بطريقة مركبة ولا تستقيم مع أي من القواعد القانونية، وتهدف بشكل او بآخر إلى حرف الانظار عمن ارتكب الجريمة متعمدا ليصيب كل اللبنانيين المعنيين بهذه الكارثة على اختلاف انتماءاتهم ومواقعهم.
نحن امامكم لأننا نريد الحقيقة التي لا بديل لها ونريدها كاملة لا منقوصة، ونريد تحقيق العدالة التي لا تستقيم إلا مع احترام الدستور والقانون والأصول.
والعدالة تستوجب ألا ترمى الاحكام المسبقة وأن يتم إختيار أشخاص بعينهم ليكونوا حطب نارها باللعب على الأوتار العاطفية وتسخير هواء الإعلام والشارع للتحريض قبل اتاحة الفرصة للدفاع عن النفس أمام المرجع القانوني الذي نص عليه الدستور.
نقف امامكم بكل اباء وثقة المؤمن بدوره وما قام به منسجما مع حدود مسؤوليتنا، نقدم دفاعنا ودفوعنا بكل جرأة، ونحن لسنا نتهرب من تحمل أي مسؤولية إن وجدت.
دماء شهدائنا أغلى من كل المناصب والمواقع والحصانات، ونحن ننحني أمامها وأمام كل الذين أصيبوا بخسارة في هذه الجريمة ونحن منهم، وكما قال الرئيس بري أنه لا حصانة لأي متورط في أي موقع ولا حصانة الا لدماء الشهداء.
لنا عوائل شهداء وجرحى ومتضررين، مسؤولية دمهم وخسارتهم هي أمانة في أعناقنا والتزامنا، ونريد لدفاعنا أن يكون مدخلا لاتهام كل المستغلين الذين يدوسون على كرامات الناس وأهالي الشهداء بإبعاد القضية عن المسار الذي يوصل إلى الحقيقة وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق وكامل وإنزال العقوبات بكل المتورطين مهما كانت مسؤولياتهم دون أي حصانة أو حماية.
نريد دفاعنا للوصول الى الحقيقة التي تسقطها الكيدية والاستنسابية وتسليط الاضواء باتجاهات غير صحيحة.
الحقيقة لا يحميها مدعٍ بالوكالة عن أهالي الشهداء وهو مستفيد من وكالات الشركات وشركات التأمين وغيرها.
نريد الحقيقة التي لا تتأمن بالشعبوية في رمي الاتهامات على من يريد التزام الدستور والقانون مقابل من يسخر الاعلام لغاياته الانتخابية والتعبوية.
نحن نريد الدستور والقانون الذين وحدهما يضمنان الحقوق والآخرين يريدون تجاوز هذه الاصول لكي نصل في لحظة القرار الى تغييب الحق والعدالة.
نحن نريد اعطاء الاذن والملاحقة ولا نرفض اي اجراء ينسجم مع القانون.
ليس صحيحا كما يحاول البعض تصوير اننا نتمسك بحصانة للاختباء من اي جرم اذا كان واقعا.
منذ اليوم الاول قلنا – مستعدين للمثول بغض النظر عن الحصانة.
إن القضية ليست حصانة نائب بل مسار قانوني ألزمه الدستور ونصوصه في محاكمته للرؤساء والوزراء ونحن لسنا هنا أمام تهمة لنائب، بل لوزير في معرض قيامه بواجباته وفق ما اورده المحقق العدلي فادي صوان في رسالته الى المجلس النيابي طالبا احالة الملف الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وردت عليه هيئة مكتب المجلس بالقبول طالبة الوثائق للمباشرة فاذا به يتجاهل الامر ويختار ثلاثة وزراء ورئيس حكومة من بين 4 رؤساء حكومات و12 وزيرا في كتابه الاول.
فالاتهام يعود حصرا إلى المجلس النيابي والمحاكمة تعود حصرا إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء عملا بالمادة 71 من الدستور، وهذه التهمة تكون من صلاحية المجلس الأعلى حصرا دون أي مرجع آخر
“يحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزير أمام المجلس الأعلى”
وعند وضوح النص يتوقف كل تفسير، والالتزام بالقانون الخاص لا يكون التفافا، بل يتقدم القانون الخاص على العام.
لأن النصوص واضحة في الدستور وفي القانون 13 الصادر عن المجلس النيابي والامثلة كثيرة حول الالتزام به. ووقف ما حسمته الهيئة العامة لمحكمة التمييز حيث فرقت بين الجرم الشخصي الذي يرتكبه المسؤول ابان ممارسته المسؤولية وبين الجرم ذي الطابع الرسمي او السيادي او الحكومي بما لا يشكل منفعة شخصية للمرتكب كالتماس الرشوة وصرف النفوذ واستغلال المنصب وهذا ما خضع فيه وزراء سابقون للمحاكمات القضائية العادية.
وعلى هذا، وكما اعتمد القاضي بيطار مسارا قضائيا خاصا للقضاة المتهمين باحالتهم وفق الاصول عبر مدعي عام التمييز والمجلس الاعلى للقضاء وامام قاضي تحقيق خاص ولجنة خاصة (اتهامية) احتراما لقانون اصول المحاكمات (بوجه قرارات عديدة صادرة بهذا الخصوص).
ونسرد بعض القرارات الصادرة بهذا الخصوص:
- مطالعة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت تاريخ 23/10/1989 التي اعتبرت ان الافعال المنسوبة الى الوزير (جوزيف الهاشم) ارتكبت خلال توليه الوزارة فبات القضاء العدلي غير صالح لمحاكمته إذ لم ينسب إليه أنه إرتكب جريمة عادية
- قرار النائب العام المالي (عام 1996) الذي اعتبر ان القضاء العدلي غير صالح لمحاكمة الوزير(أي وزير) لأن ما نسب إليه إرتكب أثناء قيامه بوظيفته أو (غير مفهوم) قيامه بها.
–قرار محكمة التمييز تاريخ 24/3/1999 التي اعتبرت صلاحية المجلس الاعلى ممكنه وتحجب صلاحية القضاء العدلي اذا ما تم استعمالها اي لمعنى وجود صلاحية حاجبة اذا بادر المجلس النيابي الى الملاحقة.
-قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز بقرارها بتاريخ 27/10/2000 اعتبرت انه يقتضي
أ- ربط المادة 70 من الدستور بالمادة 42 من القانون 13 حتى تكتمل عناصر التفسير
ووضع معيار للتفريق بين أقسام المسؤولية والصلاحية ولهذا فإن الواجبات الداخلة ضمن صلاحية الوزير المتصلة بصورة مباشرة لممارسة مهامه القانونية الوزارية تبقى في صلاحية المجلس الأعلى
وحتى لو أن هذه الجرائم ينطبق عليها قانون العقوبات لكنها تظل واقعة في صلاحية المجلس الاعلى (حسب رأي د.زهير شكر في الوسيط في القانون الدستوري).
نحن أمام قضية تطرح جملة أسئلة مشروعة في صلب ما يجب الاجابة عليه تمهيدا لكشف حقيقة ما جرى والمسؤولية عنه وما يجب التركيز عليه قبل تكبير الشعارات والاتهامات للعناوين السياسية والنيابية بما يخدم الاستثمار السياسي ولا تعطي الحق لاهالي الشهداء والمصابين.
الاسئلة المشروعة هي من صاحب الباخرة ومن يملك النيترات ولماذا ادخلت الى المرفأ وبقرار من تم ترسيتها وتعويمها ومن أخذ قرار افراغ البضاعة وحجزها وخزنها لمدة سنوات دون أن يفرج عنها رغم تكرار المراجعات، من حمى هذه البضاعة وراقبها ومن تصرف ببعضها كما قيل؟
وكيف وصلت إلى مرحلة الانفجار وما هي فرضيات ذلك ممن التلحيم الى تكديس بضائع ملتهبة من الزيوت والاطارات الى العمل الامني وغيره.
وهل يعقل ان يتم لتاريخه التغافي عن السبب الاساسي والرئيسي لهذه الكارثة من الاجهزة القضائية وان لا يتم الادعاء او توقيف شخص واحد من هذا الجسم؟
ألم يصدر قرار واضح عن قاضي الامور المستعجلة لادخال الباخرة والنيترات وهي مواد خطرة كما يقال بالسرعة متجاوزا نص المادة 13 من القرار 166 للعام 1941 المتعلق بالكوارث البحرية التي استند اليها في قرار انزال مادة النيترات علما أن هذه المادة تحصر صلاحية انزال مثل هذه البضاعة والاشراف على تخزينها الى رئيس المحكمة الابتدائية وليس الى قاضي الامور المستعجلة؟
ألا يطرح هذا الامر سؤالا حول السبب الحقيقي لهذا الامر؟
ولماذا لم يقدم على اتلاف البضاعة عملا بالمادة 13 من معاهدة هامبورغ التي تجيز للقاضي اعدام البضائع الخطرة عند تعويم السفينة دون تعويض صاحبها.
أنركز على إحالة وزير بطلب وفق الروتين الاداري ونتجاوز الاهمال والتواطؤ بالطلب من هيئة القضايا ان تناقش اختصاصه للبت بالطلبات المتكررة لاخراج البضاعة وتسفيرها رغم انه المشرف على الحراسة القضائية ويمكنه اتخاذ اي اجراء تستوجبه العجلة في ما خص هذه البضاعة دون طلب من أحد
كيف نقبل على أنفسنا أن نركز على شكليات ادارية ونغفل عن تجاوز مسؤول مباشر اتخذ قرارات وحجب اجراءات بشكل مباشر رغم مسؤوليته ومع هذا نقبل لعلة الاختصاص ان يحال الى اجراءات قضائية خاصة لم يباشر بها حتى الآن.
السؤال الآخر، من المسؤول امنيا وعسكريا واداريا عن ساحة الحدث، الاجهزة الامنية التي لا تسمح بدخول مسدس أو خروجه، ودورها واضح وأكيد، وكان وما يزال يسري على الجميع ونعرف بسكل جدي طبيعة هذه المواد وكيف تستخدم مدنيا أو عسكريا وخطورتها ولها الصلاحية والدور أن تبادر ابتداءا للتعاطي معها، مصادرة واتلاف واعادة تصدير ومخابرة ومتابعة الجهات المعنية على المستوى السياسي والحكومي.
والسؤال الاضافي هو كيف يشمل الاتهام وزراء معينين دون آخرين لديهم نفس الادوار السياسية والوظيفية في وزاراتهم ولهم صلة مباشرة بالملف وكيف يطالب وزير لمسؤوليته المعنوية عن جهاز اعتبر او افترض انه مقصر ولا يطال هذا الاتهام وزراء آخرين.
أين وزراء الدفاع والعدل، أين الرؤساء الذين اعترفوا بالمباشر أنهم علموا ووصلتهم تقارير ومن جهات امنية مختصة ولديها التقدير الكامل وتتحدث بوضوح عن احتمال وجود خطر انفجار، ولم يبادروا الى اتخاذ اجراءات بحجة عدم الصلاحية
ليسأل الجميع عن ذلك وبالمباشر اين مجلس الدفاع الاعلى واعضاؤه الذين يجتمعون لتنظيم محطات البنزين والمازوت ومعظمهم خبراء لا يدعون لاجتماع مخصص للنيترات، رغم أنه في فترة وجودها عقد أكثر من 25 إجتماعا لهذا المجلس ولم يوضع على جدول اعماله هذا الملف.
ولتبيان ما حصل نقول أننا استجبنا بكل طيبة خاطر ومسؤولية إلى طلب المحقق العدلي السابق الاستماع الينا كشهود وكان أن استمر الامر لدقائق معدودة استغرب فيها المحقق نفسه كيف أن لا أحد أعلمنا أو راسلنا أو تابع معنا في مثل هذه القضية منتقلا إلى الحديث عن اهتراء الدولة والحديث بأمور خاصة.
في كتاب المحقق العدلي طارق بيطار الى المجلس النيابي:
إن كل ما يربطني في هذا الملف أنه عندما كنت وزيرا للمالية وصلتني إحالة من مدير عام الجمارك في حينه موجهة إلى هيئة القضايا في وزارة العدل بواسطة وزارة المالية تطلب تحويل ملف الى قاضي الامور المستعجلة للسماح باتخاذ الاجراءات المطلوبة فأحلتها مباشرة كإجراء روتيني عادي يقوم وزير المالية بمثله يوميا.
وللبيان فإن الكتاب عرض بعد ثلاث سنوات من افراغ الباخرة ولم يصلني بعدها وطوال 4 سنوات اي مراسلة او تبليغ او حتى كلام شفهي حول قضية أو مشكلة تتعلق بهذا الملف وبالتالي طوال السنوات السبع لم يخاطبني مباشرة أي مسؤول ولم يطلب مني إبداء رأي أو مساعدة أو القيام بأي إجراء، علما أن مراجعة للكتاب تبين معرفة قيادة الجيش ومخابراتها بالملف وهي تعرف دورها ومسؤوليتها وفق القانون وليتبين أيضا وجود قرار قضائي بحجز البضاعة وهذا هو الداعي لقيام مدير الجمارك بمخاطبة هيئة القضايا.
فكيف تكون مثل هذه المراسلة والذي اعتبر المحقق العدلي السابق ان دوري فيها محصور فيها بالاحالة سببا للاتهام بالقتل القصد معطوفا على القصد الاحتمالي.
علما أن موضوع كتاب الاحالة هو “الترخيص باعادة تصدير بضائع الى الخارج”
أي أن العنوان لا يتحدث لا من قريب أو بعيد عن نترات الأمونيوم بل يتحدث عن بضائع ليس إلا ومرجعها قرار قضائي صادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت.
وكيف يمكن توجيه الاتهام لنا حتى لو افترضنا أن هناك مسؤولية معنوية بالمتابعة (رغم ان لا احالة الينا مباشرة) والملف برمته يعالج وفق القانون عند أهل الاختصاص، والقضاء قد وضع يده عليه وحجز البضاعة ووضع حارسا قضائيا عليها، وهل يستطيع الوزير أيا كان أن يكسر قرارا قضائيا أم أن واجباته هي التأكد من مخاطبة القضاء نفسه لاجراء اللازم بعد تنبيهه.
ولمزيد من التوضيح فإن الدولة اللبنانية ممثلة بمحامي الدولة عمر طرباه رفعت استدعاء من هيئة القضايا الى وزارة الأشغال بتاريخ 2/1/2015 يقول في الصفحة الثانية ما حرفيته
“بعد نقل المواد الخطرة الموجودة على متنها إلى مكان مناسب لتخزينها وحراستها وقد تم تنفيذ القرار المذكور وفقا لمضمونه وحرر محضر بذلك من كاتب المحكمة السيد زياد شعبان بما يفيد ان المواد الخطرة تم نقلها الى مكان آمن كما تم تعويم السفينة الأمر الذي ينتفي معه الخطر بعد تنفيذ القرار الصادر عن قاضي العجلة”
علما أن الكتاب المذكور أيضا لم يرد فيه كمية النيترات وضخامتها ولا أعرف إطلاقا طبيعتها ومخاطرها التفجيرية، في مقابل إطلاع المسؤولين الخبراء على هذه التفاصيل. فأي منطق قانوني يفرض سؤال واتهام وزير عن احالة من جهة لا سلطة ولا قوة قانونية او ادارية لها للتصرف بهذه القضية.
ومن جهة أخرى من أحال الكتاب هو مدير عام الجمارك الذي يمنحه القانون – وهذا ما سهى عن بال المحقق العدلي – وفق نص المادة 292 من قانون الجمارك حق تمثيل إدارته أمام جميع المحاكم والهيئات القضائية وبالتالي لا حجة أمام قاضي العجلة في الشكل لرفض طلبه باتخاذ قرار الا بواسطة هيئة القضايا. وهنا استطرادا لبعض من يفسر عن غير وجه حق اني اعدت المعاملة الى الجمارك وهذا غير صحيح لان الكتاب موجه لهيئة القضايا وبالتالي كتبت ما هو مطلوب منها كما يقترح المدير العام.
وورد في المقطع الثاني من طلب المحقق العدلي أنه قد يكون هناك شبهة بالامتناع عن القيام بأي فعل من شأنه إبعاد الخطر على الرغم من السلطة والصلاحية لمعالجة الموضوع بعد أن انقضت فترة طويلة بحيث أصبحت بضاعة متروكة بحسب قانون الجمارك.
للأسف وكأن القاضي المحترم لم يقرأ مرة ثانية قانون الجمارك الواضح وفق المواد 433 إلى 437 منه، والذي يعتبر البضاعة متروكة إذا مر ستة أشهر ويوم على وجودها دون إستلامها من أصحابها وفيه بشكل واضح وصريح أن صلاحية البيع والتصرف وإجراء المزاد العلني هي من صلاحية المدير العام للجمارك ولا دور لوزير المالية إطلاقا، فلا يراجع ولا يُسأل عن الأمر، وأن مئات من المعاملات تحصل بشكل عادي ودون أي تدخل.
ومن جهة أخرى، فإن التصرف لجهة إعادة التصدير، فهي واضحة أيضا في نص المادة 144 من قانون الجمارك والمفصلة في مذكرة المدير العام تحت رقم 3885 ولا دور للوزير مطلقا حتى أنه لا يبلغ أو يعلم بهذا الأمر لأن الدور والصلاحية تلقائية للمدير العام لا يستأذن أو يعلم أحد بها.
وهنا أود الإشارة في معرض إعتبار الوزير مسؤولا، إلى أن السلطة التسلسلية فيها قواعد مخففة، حيث أنه لا يحق للرئيس التسلسلي إحلال نفسه محل مرؤوسه (هذا في حال انطباق الأمر على واقعنا) ليقرر عنه ما هو داخل في إختصاصه قانونا فالصلاحيات تقتضي أن تمارس من قبل المرجع الذي يحدده النص القانوني (يوسف سعد الله الخوري – القانون الاداري العام).
وكما في الاستشارة رقم 1136 تاريخ 4/12/1986 في هيئة التشريع والاستشارات كل هذه النقاط تبعد الوزير عن المسؤولية المباشرة فكيف وهو لم يتلقى أي تقرير مباشر موجه اليه.
في المواد القانونية
لا تشكل جريمة من غير ركنيها المادي والمعنوي أي القصد الجرمي الذي يجب أن يكون صريحا في وقائع القضية ولكن القانون أوجد قصدا مستمدا من قلة الاحتراز والاهمال الذي يؤديان إلى ضرر ما كما نصت عليهه المادة 564 من قانون العقوبات.
وعليه فإن وزير المالية وبغض النظر عن عدم معرفته بكل تفاصيل القضية وانحصار الأمر بالمديرية العامة للجمارك التي خاطبت قاضي الأمور المستعجلة وفق حقها القانوني فهو لم تنط به الرئاسة التسلسلية للجمارك وبقيت كل الصلاحيات للقيام بأي إجراء لمعالجة موضوع النيترات منوطة بإدارة الجمارك إذا كان هناك من قوة قانونية لقيامهم بالدور في ظل وجود قرار قضائي واضح بالحجز على البضاعة.
وعليه فإنه لا يمكن أن ينسب الى وزير المالية عدم الاحتراز والاهمال لأن السلطة التي يتمتع بها لا تخوله اصدار القرارات الآيلة إلى نقل البضائع من مكانها (هذا مجددا إذا تمت مخاطبته) وإذا سلمنا بأنه إتخذ أي قرار فهو قرار غير نافذ ولا امكانية للجمارك بالاخذ به تحت طائلة مخالفة القانون.
أما إذا كان الاهمال يعني عدم لفت النظر اذا ما تمت المعرفة ولو عرضا فإن كل الاجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية المسؤولة كانت تعرف بوجود النيترات والخبيرة بها وبقيت على مدى السنوات من معرفتها مكانها وكانت تنظم الاحتفالات العسكرية في المنطقة الملاصقة لها، كما أن الاجهزة الأمنية أبلغت أركان الدولة من رأسها إلى كل الجهات التنفيذية والتي لم تحرك ساكنا ولم تدعو إلى عقد إجتماع للمجلس الأعلى بهذا الخصوص رغم انعقاده على قضايا أقل أهمية بكثير عند من يعرف طبيعة هذه المواد.
في المادة 547 عقوبات معطوفة على المادة 189:
القصد الاحتمالي:
نصت المادة 189 عقوبات على ما يلي:
“تعد الجريمة مقصودة، وإن تجاوزت النتيجة الجرمية “الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل، قصد الفاعل إذا كان توقع “حصولها فقبل بالمخاطرة”.
مناط هذه المادة متعلق بعنصرين: التوقع.. والقبول، وهما شرطان متلازمان على ما سيجري تفصيله:
أولا: التوقع: ليست مسألة التوقع أمرا ذهنيا أو فكريا بحتا، بل هو مرتبط بالظروف المادية الملموسة التي تفضي إلى نشوء حالة ذهنية ونفسية يكون معها التوقع بديهيا لدى الإنسان العادي. مثال ذلك أن يقود شخص سيارته بسرعة فائقة في محيط مدرسة خرج طلابها منها، فإن توقع حصول إصابات أمر مفروغ منه. أو أن يشعل شخص لفافة تبغ بالقرب من خزان للمازوت، أو يرمي بشخص إلى البحر من غير أن يتأكد أنه يحسن السباحة. فالتوقع، على ما جرى بيانه، وقائع وظروف تولد في الوعي احتمال حدوث ضرر ما، إذا كان المرء متمتعا بصحته العقلية.
إن توقع النتيجة الجرمية، ثم القبول بالمخاطرة بشكل القصد الاحتمالي المعادل من حيث القيمة القانونية للقصد المباشر (محكمة التمييز الجزائية، الغرفة الثالثة – قرار رقم 22/52 شباط 1995).
والملاحظ أن المشترع الجزائي اللبناني اعتمد النظرية الألمانية التي تحدد القصد تحديدا شخصيا فتقرر توافره بالنسبة للنتائج التي توقع المجرم امكان حدوثها وقبل بها.
وأكد الاجتهاد اللبناني اعتماد هذه النظرية وقضى:
أن القانون اللبناني اعتمد المفهوم الشخصي الذي يشترط ليس فقط توقع الفاعل نتيجة عمله، بل أيضا قبوله بالمخاطرة على الرغم من توقع تلك النتيجة (الهيئة الاتهامية في جبل لبنان قرار رقم 397 – 28/1/1985)
تطبيق ذلك على انفجار المرفأ أن التوقع صار مستبعدا جدا بمرور الوقت وتغير الوزارات والوزراء، لأن إدخال النيترات إلى المرفأ في العام 2013 وبقائه في حالة آمنة حتى العام 2020، ينفي توقع انفجاره بالنسبة للمسؤولين غير الميدانيين، خاصة وأن المادة بحد ذاتها غير قابلة للاشتعال أو الانفجار إلا بوجود عوامل إضافية تحدثت عنها الخبرة الفنية.
ثانيا : القبول: إن القصد الاحتمالي لا يتحقق بمجرد التوقع، بل لا بد للقبول بالنتيجة الناجمة عن الفعل أو عدم الفعل، كما نصت المادة 189 ق.ع.
إذ يلزم لكي تكون الجريمة قصدية أن يكون الجاني راغبا في النتيجة أو على الأقل راغبا فيها.
أي بمعنى آخر، أن يستوي لدى الفاعل أن تحدث النتيجة أو لا تحدث ، وفي هذا المعنى عرفت محكمة النقض المصرية القصد الاحتمالي بأنه “نية” ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع أن “يتعدى فعله الغرض المنوي عليه بالذات إلى غرض آخر” لم ينوه من قبل أصلا، فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل “فيصيب به الغرض غير المقصود”.
أي فظنة وجود تلك النية هي استواء حصول هذه النتيجة أو عدم حصولها لديه، ويقول الدكتور محمود محمود مصطفى في كتابه ” شرح قانون العقوبات القسم العام ص 374:
“أن يعلم أنه لا بد من وجد النية على الحال، وأن يكون جامعا” لكل الصور التي تشملها تلك النية، مانعا من دخول صور “أخرى لا نية فيها، داعيا إلى الاحتراس من الخلط بين النية والخطأ”.
تطبيق ذلك على انفجار المرفأ، أنه إذا كان القصد الاحتمالي متوافرا في تلك الجريمة كما ذهبت ورقة الطلب وإدعاء المحقق لدى ذلك الحشد من المسؤولين فإنه يعني أن كل من كانت له علاقة بإدارة مرفأ بيروت هو مجرم احتمالي لأنه قبل بالانفجار الذي دمر نصف العاصمة وهو قرير العين، راضٍ ومرتضٍ لكل تلك النتائج الكارثية، وأن بعضهم رضي أن يموت مع موظفيه، فيما لو حدث الانفجار في الضحى أو الظهيرة، وكذلك الأجهزة التي نظمت على مدى ثلاث سنوات احتفالات الاستقلال.
ليس التوقع تكهنا أو إسقاطا من راغب في الانتقام، بل هو حالة نفسية دقيقة لا تظهِرها إلا الأدلة الصارمة ، فأين تلك الأدلة من خيوط عنكبوتهم الواهية؟!
وعليه فإن ما أورده سعادة المحقق العدلي من اتهام تحت صيغة مكررة وهي أنه “قد تكون هناك شبهة” هو في غير محله القانوني اطلاقا وأن استخدام الربط بالقصد الاحتمالي ما هو الا محاولة لاعطاء صفة الجناية لتقصير مفترض للوزير تدحضه الوقائع والتي لم يستمع اليها القاضي المحترم من المتهمين.
أيها الزملاء،
لقد شرحت استطرادا وعفوا ما أورده المحقق العدلي لكني أعود للأساس؛
أني لم أبلغ ولم أراسل مباشرة ولم يطلب مني طوال سبع سنوات من وجود البضاعة وقرار حجزها أي طلب أو أمر أو قرار، فكيف يكون هذا وحده سببا لتوجيه هذا الاتهام الغير مقبول ولأهداف لا أعرفها.
أعود للقول أن الحقيقة وحدها هي من تبرد قلوب أهالي الشهداء وأن العدالة هي التي يجب أن تسود، والعدالة لا تستقيم إلا بالالتزام بالقانون ونحن كنا وسنبقى حماته وتحت سيف رقابته”.