الرئيسية / آخر الأخبار / “الحزب” اتّخذ قراره بعدم الردّ على الحريري: “الكلام معه لم يعد مفيداً”

“الحزب” اتّخذ قراره بعدم الردّ على الحريري: “الكلام معه لم يعد مفيداً”

مجلة وفاء wafaamagazine

كتبت نداء الوطن :

وشهر سعد الحريري خصومته لـ”حزب الله” وصار لا يفوت فرصة مهاجمته او الرد على أمينه العام. ليس الامر غريباً ولا مستهجناً ففي السياسة لا صداقة مستمرة ولا عداوة دائمة، فالتاريخ الحديث يشهد كيف تغيرت خريطة العلاقات السياسية بين دول واشخاص او بين حلفاء الماضي ممن تحولوا اليوم الى خصوم. وحدها علاقة الحريري مع “حزب الله” لا بد من التوقف عندها ليقرأ في خفاياها استثمار في السياسة بين طرفين، أحدهما يجد مصلحته في دعم زعامة الآخر رغم تسليمه ضمناً بفشله، والآخر يجد مصلحته في معاداته علناً وصداقته ضمناً.

لو أراد الحاج حسين الخليل، المعاون السياسي للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، ان يحصي عدد لقاءاته مع الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري منذ 17 تشرين 2019 وحتى تاريخ اعتذاره قبل نحو شهر تقريباً لتعذر عليه ذلك. فالحريري رئيساً للحكومة أو مكلفاً تشكيل أخرى او معتذراً، ربطته علاقة جيدة مع “حزب الله” تحت عنوان ربط نزاع.

يفضي البحث في خبايا هذه العلاقة الى الاستنتاج ان الحريري لطالما رغب في علاقة مستقرة مع “حزب الله”، مع حرص على عدم تظهيرها الى العلن لحسابات تتصل بعلاقته مع السعودية والامارات. كان يعلَم بأن بقاءه في الرئاسة الثالثة مستحيل من دون تفاهم مع “حزب الله” ويطلب دعمه ويستعين به في كل كبيرة وصغيرة، يشكو له علاقته مع رئيس الجمهورية ميشال عون ومع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ويتكل على تفهمه متى وجد في مهاجمته سبيلاً لعلاقته مع السعودية، حتى درج على عادة الرد على خطاب امينه العام في أعقاب الخطابين الاخيرين ومن دون ان يسميه صراحة، ليظهر بمظهر الخصم السياسي المتصدي لـ”حزب الله” ومواقفه ويتهمه بتعطيل تشكيل الحكومة.

منذ ان كان رئيساً مكلفاً للحكومة كان الحريري يؤكد في مجالسه الخاصة ان “حزب الله” لو اراد دعمه جدياً لضغط على باسيل لتسهيل اعلان حكومته وعزز وضعه، وكان يريد من “حزب الله” ولا يزال ان يأخذ في الاعتبار علاقته مع المملكة فيتجنب مهاجمتها، ويصر على ان “حزب الله” لم يدل بدلوه حكومياً وانه اختار وزراءه في الحكومة من دون مشورته. ولم يكن تكليفه الاخير افضل حالاً، مرة جديدة يتجرع “حزب الله” كأس الحريري فيبارك تزكيته لرئاسة الحكومة ويساير حضوره ويسهل تكليفه، ولو على حساب حليفه المسيحي احياناً كثيرة درءاً للفتنة السنية الشيعية.

هي العلاقة غير المتساوية في الرؤية بين طرفين محكومين بصلة الوصل والتشاور. “حزب الله” احتار بالمقابل كيف يحول الحريري الى رئيس حكومة ورجل دولة بعيداً من حسابات السياسة الضيقة. واستمر مسلّماً بزعامته السنية رغم علمه ضمناً ان الحريري فقد الكثير من رصيده الشعبي داخلياً، والسياسي خارجياً، لكنه لم يرض ان يسحب منه زعامته ولا رضي وجوده خارج النادي السياسي، لعلمه ان الحريري أفضل من كثيرين غيره سيكون صعباً التفاهم معهم، ودائماً يردد مقولة أن التعاون مع الاصيل افضل بكثير من اي وكيل غيره.

في سره يدرك الحريري ان “حزب الله” كان يصر عليه رئيساً للحكومة ولم يخف لمقربين انه اكثر من تعاون معه في تشكيل حكومته، وكان أقل طرف وضع شروطاً عليه في مشاوراته الحكومية وكان يرفض اعتذاره عن التكليف، وقد سعى مرات عدة لازالة العقبات التي تعترض نجاح مشاوراته مع رئيس الجمهورية ميشال عون. ويعرف ان “حزب الله” دعمه منذ بداية الأزمة وحتى تكليفه الأخير. عارض استقالة حكومته في اعقاب حراك 17 تشرين 2019 وتمنى عليه الاستمرار على رأس الحكومة، لكن لم يكن بمقدوره الصمود وسط الضغوط الخارجية والداخلية عليه فاستقال من رئاسة الحكومة ليبدأ مشوار اختيار البديل. هذا البديل الذي رفض “حزب الله” الا ان يختاره الحريري ويزكيه ليحظى بالمظلة السنية اللازمة التي تكفل نجاحه في عمله. أشهر مرت وتعطيل متواصل وجوجلة اسماء الى ان استقر الرأي على حسان دياب الذي لم تتعد موافقة الحريري عليه بأكثر من هزة رأس او اشارة عابرة ثم تنصّل فهجوم عليه.

لم يدع “حزب الله”، وفق تأكيده، وسيلة الا ودعم من خلالها الحريري وهو رضي بالرئيس المكلف نجيب ميقاتي بوصفه الاختيار الذي وقع عليه الحريري. لكن الحريري ووفق ما تفصح مواقفه بعد خروجه من رئاسة الحكومة وبعد اعتذاره الاخير عن التكليف، بات على يقين ان عودته لرئاسة الحكومة صارت من رابع المستحيلات لحسابات داخلية وخارجية، ففضل وهو على عتبة الانتخابات النيابية ان ينصرف للاستثمار انتخابياً، وهل افضل من نصب العداء لـ”حزب الله” سبيلاً للحشد الجماهيري وتقديم المزيد من اوراق الاعتماد للمملكة العربية السعودية، التي تكن له العداء المستحكم منذ العام 2017، والتي تؤكد معلومات مقربة من المملكة عدم حصول اي تطور ايجابي حيالها في الفترة الاخيرة، وتذهب الى حد توصيف مواقفه الاخيرة على انها “تصويب لا يصيب”.

بعد تحرره من رئاسة الحكومة صار الحريري يعتبر نفسه غير معني بمهادنة “حزب الله” وهل افضل من هذه الساحة كي يلعب عليها متحرراً من عبء المسايرة الذي كان محكوماً به لسنوات مضت. ومن باب التصويب على “حزب الله” ينطلق الحريري انتخابياً رغم وجود معلومات تقول انه صارح “حزب الله” منذ فترة برغبته في تأجيل الانتخابات النيابية لصعوبة اجرائها في ظل الظروف الراهنة. يتلقى “حزب الله” سهام الحريري في مواجهته وقد اتخذ قراره بعدم الرد عليه تحت عنوان “خلص الكلام”، لأن “الكلام معه لم يعد مفيداً”.