مجلة وفاء wafaamagazine
ظهور جهاد فادي الخطيب بقميص منتخب تركيا للناشئين في كرة السلة أعاد الضجّة إلى ساحة اللعبة المحلية، فتحوّل إلى قضية رأي عام وسط انقسامٍ حول هذه الخطوة التي تفهّمها البعض وأشاد بها، وصنّفها البعض الآخر بأنها خيانة وطنية، واستغلّها آخرون للإساءة إلى أطرافٍ مختلفة بدلاً من التوقّف عند الإيجابيات فيها
ابن «أسطورة» كرة السلة اللبنانية سيدافع عن ألوان منتخبٍ غير المنتخب اللبناني. الخبر لم يصدّقه كثيرون عندما أعلنه فادي الخطيب ونجله قبل أشهرٍ قليلة من خلال أحد البرامج التلفزيونية المتخصّصة، فشكّك كثيرون في حصول هذه الخطوة، خصوصاً أن البلد المعني هو تركيا الذي يعدّ من البلدان الأوروبية المهمة على الساحة السلّوية ولديه مئات المواهب في سنّ جهاد الذي أكد حضوره الجيّد خلال الدقائق التي لعبها في البطولة القارية الخاصّة باللاعبين دون الـ16 سنة.
هذه الخطوة وضعها آخرون أيضاً في خانة «النكايات»، وصنّفها آخرون بأنها أشبه بتسويق اسم لاعبٍ يبلغ من العمر 15 سنة ولم تُسلّط الأضواء عليه قبل هذا الكلام كونه لم ينشط على أعلى مستوى في كرة السلة اللبنانية. لكن الواقع أنها خطوة عملَ عليها فادي الخطيب نفسه من قنواتٍ مختلفة هادفاً إلى إيصال نجله للعب في بلادٍ يفوق مستوى كرة السلة فيها نظيره في لبنان بكثير، وفي بلادٍ حيث تبدو الأوضاع العامّة أفضل بكثير مما تعيشه «بلاد الأرز» من مآسٍ حالياً.
المهم أن جهاد سجّل إطلالة بقميص المنتخب التركي مُظهراً جرأةً وشجاعةً وإمكاناتٍ فنية جيّدة بين مجموعة من اللاعبين الناضجين الذين بدا بعضهم أكبر من سنّهم فنّياً وبدنياً. ظهورٌ أشعل مواقع التواصل الاجتماعي حيث كان «الخطيب الصغير» عنوان كل الأحاديث لأيامٍ عدة، فأشاد كثيرون به بحسرةٍ ممزوجةٍ بخيبة عدم اختياره تمثيل لبنان رغم أنه يمكنه تبديل اختياره لاحقاً بعد تخطّيه سنّ الـ17 بحسب القوانين الدولية. كما أشاد آخرون بأهمّية هذه الخطوة للاعبٍ في سنّه لكي يحصل على فرصة اللعب والاحتكاك على مستوى عالٍ في ظلّ توقّف البطولات الآسيوية بسبب جائحة «كورونا» والأوضاع الصعبة في لبنان، وهي خطوةٌ مقبولة بالنسبة إليهم إذا ما كانت طبعاً مؤقتة لا دائمة. لكن البعض الآخر حوّل الخيبة إلى مساحةٍ لمهاجمة فادي الخطيب ونجله وحتى كلّ من يرتبط بشكلٍ أو بآخر بالمنتخبات الوطنية وتحويل البوصلة إلى مكانٍ آخر بعيدٍ كل البعد عن الأخلاقيات والرياضة والمنطق العام.
بطبيعة الحال، لا يمكن لوم أحد على الخيار الذي اتّخذه جهاد، لا الاتحاد الذي يرتبط أصلاً نشاطه بنشاطات نظيره الآسيوي المتوقّفة قسراً على صعيد بطولات الفئات العمرية، ولا فادي الذي يحق له التفكير بمستقبل نجله مثله مثل أي أبٍ آخر، ولا جهاد نفسه الذي كان ليخطو أي لاعب خطوته في حال سنحت له فرصة كبيرة من هذا النوع.
فرصةٌ لن يفوّت مثلها أيّ رياضي لبناني لاحقاً، ولم يفوّتها أي رياضي لبناني سابقاً تماماً كما فعل أمين يونس الذي تمّ التواصل معه للالتحاق بمنتخب لبنان لكرة القدم لكنّه اختار منطقياً اللعب مع المنتخب الألماني وساهم بفوزه بكأس القارات. فرصةٌ استغلّها روني صيقلي سابقاً بجنسيةٍ يونانية لينتقل إلى عالم الدوري الأقوى في كرة السلة أي الدوري الأميركي للمحترفين حيث لا يمكن استذكار أي لومٍ ألصق به بل في نهاية المطاف قيل إنه علامة فارقة لبنانية لمعت في الـ NBA.
الخطيب يوضح ويتوعّد
الواقع أن التعليقات في مكانٍ ما كانت قاسية بحق فادي وجهاد الخطيب وكل من يرتبط بهذه القضية، وهي مسألةُ ردّ عليها «التايغر» من مكان إقامته في دبي عبر «الأخبار» قائلاً: «مضحكٌ أمر البعض ومثيرٌ للشفقة، فهناك أشخاص يعيشون في الخارج منذ سنواتٍ طويلة ولم يقدّموا أي شيء لوطنهم الأم ويأتون ليتحدّثوا عن الوطنية ويطلقون عظات عن حبّهم للبنان أو ما شابه». ويتابع: «أنا فادي الخطيب، مثّلت لبنان وأعطيت بلادي كل ما لدي على أرض الملعب. انتُقدت وهوجمت مراراً لكنّني لم أتوقف يوماً عن حبّ هذه البلاد التي كنت وفيّاً لها، بينما هناك أشخاص غير أوفياء لما قدّمته يعيشون في الخارج ولا يسألون عن لبنان أيضاً فهم يختبئون خلف شاشة التلفون أو الكومبيوتر ويستعرضون عضلاتهم بكلامٍ غير أخلاقي».
يمكن لجهاد الخطيب تبديل اختياره لاحقاً بعد تخطّيه سنّ الـ17 بحسب القوانين الدولية
وينطلق الخطيب من كلامه عن الخطة التي اختارها لنجله من كلام كلّ أبٍ قلقٍ على مستقبل أولاده وعائلته، فيقول: «لدينا أمل بلبنان، لكن لا يمكننا إهدار الفرص السانحة بكل بساطة وخصوصاً أننا لا نعرف ماهية أفق المستقبل». ويضيف: «أعطيك مثلاً عن جهاد، فهو لاعب موهوب بسنٍّ صغيرة، وحصل على فرصة اللعب مع واحدٍ من المنتخبات العالية المستوى في أوروبا، فماذا يفترض أن نفعل هنا؟ هل نعيده الى لبنان ونقتل نسق تطوّر موهبته في هذه السنّ حيث يحتاج إلى اللعب، ومن ثم نقول له اذهب وابحث عن أي شيءٍ آخر تقوم به بعيداً من كرة السلة؟ وهل نعيده ليعيش في دوامة المستقبل المجهول حتى على الصعيد الأكاديمي فنسجنه في غرفته ونطلب منه الدراسة «أونلاين»؟».
كلام النجم الذي صال وجال في ملاعب كرة السلة العربية والآسيوية والعالمية يبدو منطقياً إذا ما نظرنا إلى الناحية العاطفية والمهنية، إذ إن عائلات كثيرة تبحث اليوم إما عن فرصةٍ للخروج من البلاد أو عن مجالٍ لتأمين مستقبل أولادها، وهي مسألة يعقّب عليها الخطيب قائلاً: «ما حصل في قصة جهاد ينطبق على أي شاب آخر وفي أي قطاعٍ، والدليل هي كمية الرسائل التي نتلقّاها يومياً بالآلاف من لبنانيين يسألون عن إمكانية تأمين فرصةٍ لهم للخروج من البلاد مع تزايد المصاعب».
ويوضح فادي: «لم يكن بإمكان جهاد الاستفادة من الجنسية التركية إذا تخلّف عن اللعب مع المنتخب وذلك بحسب قوانين البلاد. لقد حاولنا حصر تواجده مع فنربخشه فقط لكن القوانين لم تسمح لنا، وبالتالي فإن القرار هو لمصلحة ابني والموهبة التي يحملها ومستقبله طبعاً، وخصوصاً أن فرصة اللعب في أوروبا لا تسنح لأيٍّ كان، وفي نهاية المطاف سيُقال إن لبنانياً يلعب في إحدى أهم القارات في عالم كرة السلة».
كلام الخطيب هنا يحمل إيجابية نسبياً لجهة التمثيل الدولي المستقبلي لنجله الذي قد نراه لاحقاً بألوان لبنان، لكنه يحمل استياءً أيضاً من أولئك الذين يصوّبون عليه من باب التخوين أو يتهمونه بأنه رمى هويته اللبنانية في وقتٍ كانت العائلة قد أوصت الجهات التركية بعدم قبولها أن يلعب جهاد في اللقاء الذي جمع المنتخبين التركي و«الكيان الصهيوني»، فيقول فادي: «للأسف هناك أشخاص بلا وفى، إذ يكفي أن يُقال إن جهاد هو ابن فادي ليكون لبنانياً وأكثر، فنحن عشنا حياتنا في خدمة البلد وعندما نزلنا إلى الطرقات وأُطلقت النيران علينا في التظاهرات وكدنا نفقد حياتنا، لم نكن هناك للاستعراض لذا لا يمكن التشكيك بوطنيتنا ومن يريد الكلام عن الوطنية عليه أن ينزل إلى الساحات أو يأتي إلى البلاد ليقف مع شعبها، لا أن يختبئ في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي». ويختم: «هناك أشخاص سنطالهم قانونياً لأنهم مسّوا بالمحرّمات أي بكرامة العائلة وتخطوا الحدود، ومن يهاجمني فليأتِ ويواجهني شخصياً كما يفعل الرجال».
الاخبار