الرئيسية / سياسة / “حرب ساحات” تنتهي بإقفال الطرقات… والإســـتشارات مرجّحة غداً

“حرب ساحات” تنتهي بإقفال الطرقات… والإســـتشارات مرجّحة غداً

الإثنين 03 تشرين الثاني 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

أعادت الأحداث التي شهدتها عطلة نهاية الأسبوع اللبنانيين الى الشارع، فتجَدد إقفال البلاد وطرقها عموماً بحراك جديد نتيجة استمرار السلطة في تأخير إنجاز الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، من دون رحمة بالشعب الذي يُكابد نتائج سياساتها الاعتباطية في كل المجالات. ومع ساعات الليل تجدّد التصعيد السياسي بين السلطة والانتفاضة، مُنذراً بانعكاسات سلبية على الاوضاع الاقتصادية والمالية والامنية، ودلّ الى ذلك ما شهدته بيروت والمناطق أمس من «حرب ساحات» انتهت بدعوات الى الاضراب العام والاقفال اليوم، أطلقها المنتفضون مساء في وسط بيروت الذي شهد حشداً كبيراً جاء بمثابة رد على الحشد الذي نظّمه «التيار الوطني الحر» على طريق قصر بعبدا وساحاته، دعماً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الذكرى الثالثة لانتخابه.

علمت «الجمهورية» أنّ المفاوضات الجارية مع رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري في شأن التكليف والتأليف الحكومي لم تحقق أي خرق حقيقي بعد، لاعتقاد البعض انّ الرجل عاد الى تحالفه مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، اللذين انضمّا بحزبَيهما الى الانتفاضة الشعبية، بحيث بات هذا «الحلف الثلاثي»، بحسب تعبير مصادر متابعة، في مواجهة حلف «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» و»حزب الله» وأحزاب فريق 8 آذار.

وكشفت هذه المصادر انّ ما يعوق نجاح المفاوضات مع الحريري هو تمسّكه بمطلب استبعاد إعادة توزير رئيس التيار «الوطني الحر» الوزير جبران باسيل شخصياً وليس حزبياً عن التوزير في الحكومة، وكذلك استبعاد مشاركة «حزب الله» فيها، بحيث يكون وزراء الحكومة من التكنوقراط فقط، ويكون هو السياسي الوحيد فيها بحيث لا يناقشه أحد في المرحلة، الأمر الذي اعتبره مفاوضوه بأنه «انقلاب أبيض مقنّع».

وأكدت هذه المصادر «انّ تسمية الحريري أو غيره لتأليف الحكومة الجديدة لن تحصل قبل حصول اتفاق مُسبق على كل الشأن الحكومي، ما يعني انّ المفاوضات قد تطول».

لا تكنوقراط صافية

على أنّ مصادر سياسية مواكِبة لحركة الاتصالات حول الملف الحكومي قالت لـ«الجمهورية»: «إنّ حكومة التكنوقراط الصافية أصبحت متعذرة بعد «اتفاق الطائف»، الذي نقل جزءاً واسعاً من الصلاحيات والقرار السياسي من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، ما يُحتّم أن يكون الوزير سياسياً، من دون أن ينفي ذلك أهمية أن يكون متخصصاً في الحقيبة التي سيتولّاها».

واعتبرت المصادر «انّ ما يزيد من صعوبة اعتماد خيار التكنوقراط هو انّ هناك مَن يدفع نحوه، ليس لتلبية أحد مطالب المتظاهرين، وإنما لإقصاء «حزب الله» تحديداً عن الحكومة المقبلة».

ولفتت الى «انّ الواقعية السياسية تستوجِب الاقرار بأنّ هناك جهتين لا بد من وجودهما في الحكومة المقبلة، وهما: الرئيس سعد الحريري و»حزب الله»، مُرجّحة «ان ّالحريري يعرف ضمناً هذه المعادلة». وأكدت المصادر «انّ مناداة الرئيس ميشال عون بالدولة المدنية ليست مجرد شعار، بل هي ستترجم الى خطة عمل للمرحلة المقبلة».

معادلة الساحات

وكانت عطلة نهاية الاسبوع تميّزت بمعادلة «ساحة مقابل ساحة» التي احتلّت غالبية المشهد الداخلي، إذ بَدا لبنان كله في الساحات وسط عراك سياسي على مختلف الجبهات حول الاستحقاق الحكومي، نتيجة استمرار التأخير في بدء رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس الذي سيكلّفه تأليف الحكومة الجديدة، فيما ترددت معلومات عن احتمال إجراء هذه الاستشارات غداً.

وقد تبيّن أمس أنّ الاتصالات الجارية تحضيراً لاستشارات التكليف ما تزال تراوح مكانها، ولم تحقق اي خرق ملموس في جدار الازمة، في وقت بدأ يسود منطق الساحات المتقابلة او المتبادلة، بدلاً من ذهاب الجميع الى ساحة واحدة، ما يشير الى انّ البلاد قد تكون على ابواب أزمة حكومية تُصرّف خلالها الحكومة المستقيلة الاعمال لفترة طويلة.

أقصر الطرق

لكنّ مصادر مطّلعة على أجواء بعبدا قالت لـ«الجمهورية» انّ الاتصالات التي يجريها عون قبل الدعوة الى الاستشارات، لم تنته بعد الى تحديد موعد لهذه الخطوة في الساعات القليلة المقبلة.

وعمّا إذا كان قد تغيّر شيء في الموقف بعد دعوة عون الى توحيد الساحات؟ قالت هذه المصادر: «إنّ رئيس الجمهورية يتمنى ان يتجاوب روّاد الساحات جميعاً مع دعوته الى «تكوين ساحة واحدة للجميع»، للبحث في أقصر الطرق الى توحيد هذه الساحات، والحوار حول العناوين الثلاثة التي أطلقها في كلمته الى المتظاهرين أمس».

أبواب «بيت الوسط»

وفي المقابل ساد الصمت في «بيت الوسط « طوال عطلة نهاية الأسبوع، إذ لم يعلن عن أي تحرّك او لقاء لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، على رغم انّ حركة الاتصالات مستمرة على أكثر من مستوى.

ورداً على إعلان النائب ألان عون مساء أمس أنّ أول اتصال مباشر سيجري اليوم بين الحريري و»التيار الوطني الحر» للتشاور في موضوع التكليف، قالت مصادر «بيت الوسط» انّ «أبوابه مفتوحة للجميع». لكنها لم تُشر الى أي موعد من مواعيد الحريري، مؤكدة أنّ معظمها يحصل «كل ساعة بساعتها».

اليد الممدودة

وفي غضون ذلك، قالت مصادر متابعة لـ»الجمهورية» انّ عون وباسيل «عَبّرا في خطابَيهما أمس عن مَد اليد الى الآخرين من أجل التحاور والتلاقي، فجاء الرد عليهما في ساحة رياض الصلح أنّ الهدف من الحراك هو إسقاط سلاح «حزب الله»، لأنه لا ينبغي أن يكون هناك سلاح في لبنان الّا سلاح الجيش اللبناني».

وتوقعت هذه المصادر «ان ينتهي الحراك قريباً لتذهب البلاد الى اصطفاف سياسي جديد، اي الى طبيعة 8 آذار و14 آذار والى انقسام سياسي وطائفي، لأنه يبدو انّ سياسة اليد الممدودة والحوار تخرب بعض الاجندات السائدة».

ولوحظ أنّ «التيار الوطني الحر» اجرى نهاراً «استعراض قوة «بالحشد الذي نظّمه على طريق القصر الجمهوري دعماً للرئيس ميشال عون في الذكرى الثالثة لانتخابه، سرعان ما قابله مساء استعراض آخر للانتفاضة الشعبية في ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط دعوات الى اضراب عام وإقفال اليوم.

«القوات»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انه «يفترض بالاكثرية الحاكمة ان تتخذ قرارات سريعة تتجاوَب من خلالها مع مطالب الناس، وإلّا ستتحمل هذه الاكثرية الحاكمة مسؤولية ما يمكن أن تؤول اليه البلاد»، وأضافت: «لقد حاولوا كل الاساليب من أجل فرط التظاهرات وقمعها وإعادة المتظاهرين الى منازلهم لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، وثورة 17 تشرين ما زالت مستمرة، وكل محاولاتهم سواء من خلال تظاهرات مضادة او من خلال هجمات معينة على المتظاهرين لم تفلح في تخويف الناس، بل الناس ما زالوا يتمسّكون بحقهم ويزدادون عدداً وحجماً.

ومن هنا رأت «القوات» أنّ المطلوب هو أن يصار الى تعجيل تكليف رئيس حكومة، ومن ثم الى تأليف حكومة اختصاصيين تكون وظيفتها مزدوجة، فتستعيد أوّلاً ثقة اللبنانيين والخارج من اجل الاستثمارات وإعادة الاستقرار النقدي والمالي وقيادة لبنان الى شاطئ الامان، والتحضير ثانياً لانتخابات نيابية ترضي الناس، لأنّ هؤلاء الذين خرجوا في ثورة استثنائية في 17 تشرين وضعوا علامات استفهام كبرى حول المؤسسات الدستورية، ما يعني أنه يجب إجراء انتخابات تشكل مدخلاً للتغيير من خلال المؤسسات ومن خلال صناديق الاقتراع، بما يرضي الناس الذين انتفضوا وتظاهروا».

وأشارت المصادر الى أنّه «ما لم تقدم الحكومة على هاتين الخطوتين، حكومة اختصاصيين بوظيفة اقتصادية إنقاذية وبوظيفة انتخابية ديموقراطية، ستتحمّل السلطة مسؤولية ما يمكن البلاد أن تؤول اليه، لأنّه من الواضح انّ الازمة مفتوحة والخروج منها غير ممكن».

وختمت: «ما لم تقدم السلطة على إجراءات عملية وواضحة المعالم، وكل ما هو خلاف ذلك تتحمّله السلطة، أي تتحمل هي مسؤولية الانهيار والتدهور ومسؤولية انزلاق لبنان نحو متاهات لا أحد يريدها، وإنما تَعنّت السلطة هو الذي يمكن ان يقود الى ذلك».

هاشم

وفي المواقف قال عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم لـ»الجمهورية» انّه «لا يمكن إلّا أن يكون للحراك الذي عبّر عن صوت ألم الناس حضور في ميزان التوازنات، وهذا قد يكون دافعاً الى مشاورات إضافية خلال الساعات الماضية والمقبلة»، لافتاً إلى أنّ هذا الأسبوع سيكون حاسماً في الدعوة الى الاستشارات، خصوصاً أنّ هناك جلسة لمجلس النواب غداً.

وأشار هاشم لـ«الجمهورية» الى أنّه «من العادة والعرف أن يكون هنالك شبه التزام بتفاهمٍ معيّن قبل الدعوة إلى الإستشارات، إلّا أنّ التطورات التي حكمت هذه المرحلة قد تأخذ المناخ العام الذي ساد في الأيام الأخيرة»، لافتاً إلى أن «ليس هنالك من مانع أن تكون هنالك مشاورات واتّصالات سريعة للوصول الى تصوّر وراء آخر، وللوقوف على آراء القوى السياسية والكتل النيابية».

وأضاف: «معروف بوضوح لا لبس فيه أنّ شخصية الرئيس المكلّف قد ترسم شكل الحكومة في حدود معيّنة، وأنّ المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها البلد تحتّم الإسراع لا التسرّع للخروج من هذه الأزمة والبدء بوضع أسس العلاج المطلوب».

وعن إمكان تسمية الحريري مجدّداً، قال هاشم: «لا قرار اتّخذ في هذا الموضوع على الإطلاق، ولكن ما ان تحدّد الاستشارات سيكون هنالك قرار واضح لا لبس فيه».

«أهل الوفا»

وكان الآلاف توافدوا أمس الى ساحات بعبدا، في تظاهرة حملت عنوان «يا أهل الوفا»، تلبية لدعوة من «التيار الوطني الحرّ» دعماً لعون وسياساته الاصلاحية، في مناسبة الذكرى الثالثة لانتخابه رئيساً للجمهورية.

وقد اعتبر عون في كلمة الى المحتشدين أنّ المشكلة اليوم تكمن في أنّ الشعب فقد الثقة بدولته، وهو أمر يجب حلّه عبر إعادة هذه الثقة. وإذ دعا الى توحيد الساحات، قال: «كثرت الساحات التي لا يجب أن تكون ساحة ضد أخرى وتظاهرة ضد أخرى».

وأضاف: «رسمنا خريطة طريق تشمل نقاطاً ثلاث، وهي: محاربة الفساد، النهوض بالاقتصاد، وإرساء الدولة المدنية. وهذا لا يمكن تحقيقه بسهولة، ونحن بحاجة لجهدكم، والى ساحة تتألّف منكم ومن كل الذين تظاهروا لتدافعوا عن حقوقكم. فتحقيق هذه الأهداف هو من حقكم، في مقابل وجود الكثير من المعرقلين، ولذلك سنتواصل للاتفاق ونجاهد معاً. جئتم لتقولوا لي، نحنا معك، وأنا اقول لكم: أنا معكم، ومن خلالكم أرى شعب لبنان كله. وأقول لكم: أنا أيضا أحبكم، أحبكم كلكن يعني كلكن. عشتم وعاش لبنان».

من جهته، رفض باسيل في خطاب له في المانسبة «تعميم تهمة الفساد على الجميع»، معتبراً انّ شعار «كلن يعني كلن»، يجب ان يكون للمساءلة وليس للظلم». وطرحَ شعار «سرية، حصانة، استرداد»، لاسترداد الأموال المنهوبة، مشيراً الى «أنّ هناك حملات موجهة ضد «التيار»، والهدف منها إسقاط العهد والحذف السياسي».

«أحد الوحدة»

وفي المقابل، وتحت شعار «أحد الوحدة»، ملأت الحشود ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت، من دون تسجيل أيّ إشكالات أمنية، وأطلق المشاركون هتافات موحّدة تدعو إلى التغيير وتنفيذ المطالب، حاملين العلم اللبناني والشعارات المُنددة بالفساد والداعية إلى المحاسبة والاصلاح، فيما عُلّقت أمام كنيسة مار جرجس في وسط بيروت مشانق ثلاثة، ترمز إلى: رفض الطائفية، والعودة إلى الحرب الأهلية، والسرقة والتجويع.

وأكد عدد من المشاركين الاستمرار في التظاهر والاعتصام حتى تحقيق المطالب، وسط دعوات إلى الاضراب العام اليوم وإقفال الطرق في كل المناطق «حتى تشكيل الحكومة». وسجّلت مسيرة حاشدة من محلة المتحف إلى ساحة الشهداء.

وفي المساء، أقفل عدد من المتظاهرين الطريق عند تقاطع الشفروليه.

فيما جمعت ساحتا الشهداء ورياض الصلح محتجّين من مناطق مختلفة دعوا إلى الاضراب العام اليوم، وإقفال الطرق في كل المناطق حتى تشكيل الحكومة.

كذلك تم إقفال طريق جسر «الرينغ». وعلى وَقع قرع أجراس الكنائس، أقفل المتظاهرون مسلكي أوتوستراد جل الديب الشرقي والغربي، وذلك بعدما افترشوا الأرض، في حين كان الجيش يحاول الابقاء، ولَو على مسرب واحد مفتوح أمام حركة السير.

وفي الشمال، احتشد المواطنون في ساحتي الاعتصام في حلبا والعبدة، وأُقفل الطريق كلياً عند ساحة حلبا وجزئياً عند ساحة العبدة.

امّا في طرابلس، فاستمرت التظاهرات في «ساحة النور» مع وصول حشود من مناطق ريفية ومجاورة لعاصمة الشمال ومسيرات من الأحياء الشعبية. فيما احتشد محتجّون في ساحة العلم في صور، ودعوا إلى الإضراب اليوم وإقفال الطرق.

وفي البقاع، أقفل عدد من المحتجّين طريق المرج ـ جب جنين ومثلث جب جنين ـ كامد اللوز في البقاع الغربي بالاطارات المشتعلة. كذلك أُقفل طريق ضهر البيدر عند تقاطع قب الياس. وأقفلت أيضاً طرق قب الياس – غزة – جديتا العالي ـ تعلبايا، مفرق راشيا المصنع – مستديرة زحلة.

وكانت قد صدرت أمس دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى إقفال كل الطرق الأساسية اليوم، ابتداء من الخامسة صباحاً.

قعقور

وقالت الناشطة السياسية في «تحالف وطني» حليمة قعقور لـ«الجمهورية» انّ «الشارع لن يهدأ، والانتفاضة مستمرة حتى تحقيق المطالب».

واعتبرت «أنّ المجموعات تواصل اجتماعاتها لوضع خطط تصعيدية في وجه أي تأخير في تشكيل الحكومة أو إحقاق المطالب، ويجب أن يستمر الشارع ضاغطاً في اتجاه تحقيقها».

ودعت السلطة الى «عدم الرهان على مَلل الناس»، مؤكدة انّ «الناس لن يسكتوا بعد اليوم، وأيّ محاولة لإسكاتهم لن تنجح».

وعن إقفال الطرق، قالت قعقور: «لا تتحكم به أيّ مجموعة من الحراك، إنما الناس يقومون بهذه الخطوات التصعيدية من تلقاء أنفسهم».

الجمهورية

عن WB