مجلة وفاء wafaamagazine
بعد مضيّ أكثر من شهرين على مناقشة مجلس الأمن الدولي أزمة «سدّ النهضة»، في جلسة علنية، أصدر المجلس بياناً رئاسياً يحثّ فيه أطراف النزاع على التفاوض بحسن نيّة، وبصورة بنّاءة، للوصول إلى اتفاق ملزِم ومقبول، في إطارٍ زمني معقول، ويشجّعهم على التفاوض تحت مظلّة الاتحاد الأفريقي، وبمشاركة المراقبين الذين سبق أن تابعوا المفاوضات. وقد صدر البيان الرئاسي، بدفع من تونس، وبمطالبة واضحة من مصر والسودان، بعدما أظهرت جلسة مجلس الأمن، خلال المناقشات، وجود انحيازات ضدّ دولتَي المصبّ، وهو ما عرقل صدور قرار من المجلس، في ضوء غياب التوافق وتحرّك إثيوبيا لضمان فيتو روسي – صيني على القرار.
وبخلاف القرارات المُلزِمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، في مادّته الخامسة والعشرين، يفتقد البيان الرئاسي القوّة الإلزامية. ويعني ذلك أن البيان الصادر، وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، في شأن حلّ النزاعات بصورة سلمية، ليس ملزماً للجانب الإثيوبي. وفي الوقت ذاته، يحيل البيان المفاوضات إلى الاتحاد الأفريقي، باعتباره المنظمة الإقليمية المعنية، بعد فشل التفاوض ومحاولات الوساطة. ولم تستطع تونس تمرير البيان الرئاسي بالصيغة التي أرادتها مصر والسودان، بعدما سُحب من مشروع البيان تحديد فترة ستّة أشهر كمهلة زمنية لا يجب تجاوزها. وقد جرى حذف هذه العبارة مع تفاصيل أخرى، أبرزها التعهّد بعدم الإضرار بدول المصبّ، وعدم اتّخاذ أديس أبابا إجراءات أحادية، فيما صدر البيان بصيغة تضمن تأكيداً أن يكون الاتفاق مقبولاً ومرضياً للطرفين. بالتالي، فشلت مصر في تمرير قرار رئاسي يعبّر عن مطلبها الرئيس بلعب الأمم المتحدة دوراً في عملية التفاوض، في وقت غاب الإطار الزمني عن صيغة القرار. ويفتح هذا الأمر الباب أمام المماطلة الإثيوبية مجدداً، خصوصاً أن المفاوضات المتوقّفة منذ أشهر، لم تشهد أيّ تحرّكات، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مع اكتمال الملء الثاني لـ«سدّ النهضة»، وتقليل كمية الأمطار المخزّنة نتيجة عدم اكتمال العملية الإنشائية. وعلى رغم إصدار المجلس للبيان الرئاسي، إلّا أنه تضمّن صياغة تؤكّد أنّه لا يعتبر سابقة، أو مبدأً يُبنى عليه لحلّ أيّ نزاعات تتعلّق بالمياه العابرة للحدود في المستقبل، وأن دور المجلس الرئيس هو صيانة السلم والأمن الدوليَّين. وترى أديس أبابا في هذه الصيغة انتصاراً كبيراً لها، وتحقيقاً لمطلبها بعدم تصعيد الأزمة، وهو ما تضمّنته كلمة ممثل إثيوبيا وقوله إن مناقشة الأزمة هي بمثابة إهدار لوقت المجلس.
فشلت مصر في تمرير قرار يعبّر عن مطلبها بلعب الأمم المتحدة دوراً في عملية التفاوض
وبدا لافتاً التناقُض الواضح في التعامل الدبلوماسي المصري مع تقييم البيان وتقديره بشكل علني، خصوصاً بعدما وصفته وزارة الخارجية بـ«المُلزم»، على رغم أنه ليس كذلك لأيّ طرف، فضلاً عن أنّ بيانات مجلس الأمن الرئاسية، لا تحمل ما يُلزم الدول بها. وبينما جرت اتصالات مصرية – سودانية عقب صدور البيان، تطرّق وزير الخارجية، سامح شكري، إلى ثقته في إنجاح جمهورية الكونغو، التي تتولّى الرئاسة الحالية للاتحاد الأفريقي، عملية التفاوض، من أجل التوصّل إلى اتفاقٍ قانوني ملزم في شأن قواعد ملء وتشغيل السدّ. وأعرب عن أمله في تلقّي دعوة في أقرب فرصة، لاستئناف المفاوضات. شكري، الذي تحدّث عن وجود رؤية لدى الكونغو لاستئناف المفاوضات، شدّد، في ختام مباحثاته مع وزير خارجيتها، كريستوف لوتوندولا، أمس، على أهمية وضع جدول زمني محدّد للعملية التفاوضية، مع تأكيده أنّه في حال توافر الإرادة السياسية ستتمكّن البلدان الثلاثة من التوصّل إلى اتفاق. من جهتها، أبدت وزارة الخارجية السودانية ترحيباً بالبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، معربة عن أملها في أن يدفع نحو استئناف المفاوضات، وفق منهجية جديدة وإرادة سياسية ملموسة، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، في حين عبّرت إثيوبيا عن أسفها لصدور البيان الرئاسي، مؤكّدة عدم اعترافها بأيّ مطالب مبنية على أساسه.
الاخبار