مجلة وفاء wafaamagazine
ساهمت جائحة كورونا في تفاقم معاناة الأمهات العاملات، ففي الوقت الذي حققت فيه بعض النساء بعض الفوائد من العمل من المنزل أظهر استطلاع أجرته مؤسسة “ديلويت” (Deloitte) العالمية هذا العام -بمشاركة 5 آلاف أم عاملة من 10 دول- أن 80% منهن قلن إن “أعباء العمل زادت بسبب الوباء”.
وأشرن إلى أنهن أصبحن أكثر توترا وإحباطا منذ بداية الجائحة، حيث يتحملن قدرا متزايدا من المسؤولية، سواء في المنزل أو الوظيفة، واضطرت 66% منهن لإعادة تكييف ساعات عملهن “من أجل استيعاب الأعمال المنزلية المتزايدة جراء التعليم عن بعد، والقيام بما يلزم لرعاية الأطفال”، مما أثر على وضعهن في العمل وجعلهن أقل تفاؤلا بشأن حياتهن المهنية، وجعل 9.8 ملايين أم عاملة في الولايات المتحدة يعانين من الإرهاق، وما يقارب 3 ملايين امرأة يقررن ترك العمل اعتبارا من العام الماضي.
مشكلة “ضيق الوقت”
الدكتورة آشلي ويلانز الأستاذة المساعدة في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب “الوقت الذكي” تلخص معاناة الأم العاملة المثقلة بالأعباء المنزلية والأسرية في ضيق الوقت “حيث يوجد الكثير مما يجب عليها القيام به دون أن يتوافر الوقت الكافي في اليوم لإنهاء ما هو مطلوب منها”، مما يجعلها تعمل باستمرار لوقت متأخر بين رعاية الأطفال، والقيام بالغسيل، والتسوق من البقالة، والأعمال المكتبية، بالإضافة إلى حالات الطوارئ، كأغلبية النساء اللائي يقمن بمعظم العمل في المنزل وينتهي بهن الأمر للقيام بـ”واجب مزدوج” كأنهن أب افتراضي.
وهو ما أكدته دراسة نشرت في مجلة “غلوبال هيلث” (Global Health) عام 2020، وأظهرت أن “ضيق الوقت” يمثل عقبة حقيقية أمام المرأة، “مما يضطرها لتقليص ساعات العمل أو الانسحاب منه، بعد أن تفقد أي فرصة لقضاء وقت الفراغ أو الراحة”.
فاقتناص بعض الوقت للرفاهية الشخصية يعد أمرا صعبا على الأمهات العاملات، فحتى لو وجدن الوقت فهن غالبا مرهقات ولا يفكرن سوى في النوم، وهو نمط حياة يؤدي إلى العصبية والاكتئاب.
وتطلق الدكتورة ويلانز تحذيرا من “خطورة التأثير السلبي لضغوط الوقت والصخب الشديد على سعادة المرأة”، فهما -وفقا للبحث- “يزيدان خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع مؤشر كتلة الجسم والاكتئاب”.
أوضاع لم تتغير منذ عقود
كان من تداعيات جائحة كوفيد-19 أيضا أن رعاية الأطفال أصبحت “وظيفة ثانية بدوام كامل” بالنسبة للعديد من الأمهات العاملات، ففي العام الماضي أمضت معظم الأمهات اللائي لديهن أطفال في سن 12 عاما أو أقل حوالي 8 ساعات يوميا في رعاية الأطفال المباشرة أو غير المباشرة، فيما قضين 6 ساعات في وظائفهن”.
وبينما يستمتع الآباء بحوالي ساعة على الأقل من الأنشطة الترفيهية في اليوم “تتحمل الأمهات في المقابل حوالي ساعة ونصف الساعة من واجبات الأسرة ورعاية الأطفال الإضافية”، وفقا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي التي تم تحليلها من قبل معهد بروكينغز.
ففي معظم البيوت -على سبيل المثال- تظل النساء هن المسؤولات عن احتياجات الرعاية الصحية لأسرهن، فقد أظهر استطلاع أجرته “مؤسسة عائلة كايزر” (kff.org) الأميركية عام 2018 أن “77% من الأمهات يصطحبن أطفالهن إلى مواعيد الطبيب، مقابل 20% فقط من الآباء”.
ويقول المشرفون على الاستطلاع إن “هذه النسبة لم تتغير منذ عقود، حيث أجري هذا المسح لأول مرة في عام 2001″، وهذا يعني أن الأمهات يتحملن مسؤولية كبيرة بشأن الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال حتى اليوم.
تقليل ساعات العمل
وفي دراسة أشرف عليها خبراء من جامعة مانشستر في عام 2019 حللت 11 مؤشرا رئيسيا لمستويات التوتر المزمن، وأجرت مسحا طوليا للأسرة في المملكة المتحدة شمل 6025 امرأة، واعتبرته صحيفة غارديان (The Guardian) البريطانية الأكبر من نوعه في العالم.
ووجد الباحثون أن “المؤشرات تدل على أن الإجهاد المزمن -بما في ذلك مستويات الهرمونات وضغط الدم- كان أعلى بنسبة 40% لدى النساء اللائي يعملن بدوام كامل ويربين طفلين، مقارنة باللاتي يعملن بدوام كامل بدون أطفال”.
وقال الدكتور مينا كوماري -وهو أحد المشرفين على الدراسة- “إن الأحداث المجهدة المتكررة الناتجة عن الضغوطات الاجتماعية والبيئية وأحداث الحياة المؤلمة تؤدي إلى إجهاد مزمن يؤثر بدوره على الصحة”.
وخلصت الدراسة إلى أن “تقصير ساعات عمل المرأة هو فقط الكفيل بتقليل الضغط عليها، أما الوظائف المنزلية فلا تقدم أي فائدة”، حيث إن “عبء العمل الزائد الذي تواجهه المرأة العاملة هو ما يسبب الكثير من الضغط ويؤدي إلى مشاكل صحية، مثل الربو والتهاب المفاصل والقلب، والحرمان من النوم وآلام الجسم على المدى الطويل”.
آن للمرأة العاملة أن ترتاح
ليست المشكلة في ما إذا كان يجب على النساء أن يعملن فقط، أو أن يصبحن أمهات في نفس الوقت، ولكن المهم ألا يدفع أي خيار منهما المرأة وعائلتها إلى دوامة لا تنتهي من الإرهاق، فالمرأة تستطيع أن تحافظ على عملها وأن تهتم بعائلة كبيرة في نفس الوقت دون السماح للضغوط بالتأثير عليها سلبا بأي شكل من الأشكال، “وذلك من خلال تقسيم مسؤوليات أسرتها وتخصيص بعض الوقت والطاقة لأفرادها على قدم المساواة عبر الإدارة الفعالة للوقت بين الوظيفة والبيت والاحتياجات الشخصية”، وفقا للخبراء.
أما شعور المرأة بالذنب لعدم قدرتها على منح الوقت لعائلتها فلن يساعد أبدا، والأفضل منه أن تطلب المساعدة عند الحاجة إليها، وأن يقوم أفراد الأسرة الآخرون بتحمل المزيد من المسؤولية في الأعمال المنزلية “فهذا يساعد في تخفيف الكثير من التوتر والضغط، ويسهل على النساء إدارة مسؤولياتهن المزدوجة بفعالية أكثر”.