الرئيسية / آخر الأخبار / الغيرة الجنسية… قاتلة

الغيرة الجنسية… قاتلة

مجلة وفاء wafaamagazine

 

 

العتاب والشك وإستثارة الشخص المحبوب والشعور الدائم بالخوف من فقدانه مع ترقّب غير مبرر وغير واعٍ للهجر والانفصال… وغيرها من التفسيرات، يمكن أن تصبّ في تفسير «الغيرة»، وهو شعور إنساني، وموجود أيضاً عند فصيلة الحيوانات. وتوجد أنواع عدة من الغيرة التي يمكن أن تصيب شخصين يحبان بعضهما، أو غيرة الإخوة والأخوات، أو غيرة بين الأصدقاء، وليس بالضرورة من الجنس نفسه، أي يمكن أن نلاحظ غيرة شاب من صبية والعكس صحيح… وحتى يمكن أن تظهر الغيرة بسبب نجاح الآخر. ولكن هناك نوعاً آخر من الغيرة التي لا يتكلم عنها أحد، إلّا في العيادات النفسية، وهي الغيرة الجنسية. فما هو هذا النوع من الغيرة؟ كيف يتطور؟ وكيف يمكن مساعدة الشخص الذي يمكن أن تظهر عليه سمات الغيرة الجنسية؟

 

عندما يتحدث المختصون بالصحة النفسية عن الغيرة الجنسية، هناك بعض الكلمات التي تكون مرافقة لهذا النوع من الغيرة، وهي «كراهية المنافس» و»الشعور الدائم بالدونية» و»عدم وجود أي دليل قاطع على علاقات خارجية للمحبوب». ويعني ذلك بأنّ الشخص الذي يتخبّط مع نفسه بسبب الغيرة الجنسية، غالباً لا أساس لها، لا من قريب ولا من بعيد، للواقع الذي يعيشه. فأفكار غير منطقية يمكن أن تغذّي غيرته، وعادةً هذه الأفكار لها طابعها الجنسي.



الغيرة الجنسية… وتحليلها نفسياً
الغيرة بشكل عام، يرجع أسبابها إلى الطفولة، خلال الشعور بالمنافسة في المرحلة الأوديبية، حيث يتنافس الطفل مع أبيه لإستثارة الأم والبنت مع أمها للفت نظر الأب. ويمكن أن تستمر هذه الغيرة وتأخذ أشكالاً مختلفة وصولاً إلى الغيرة الاخوية ثم الغيرة من الأصدقاء، حيث يمكن أن ترافق الشخص خلال مرحلة الرشد كلها وصولاً إلى مرحلة الإستقرار والزواج. وعادةً، الشخص الذي يعاني من الغيرة، تكون إحدى تقسيماته النفسية وهي «الأنا» غير ناضجة. فكل إنسان، وحسب التحليل النفسي، مكوّن من مكونات ثلاثة وهي: الأنا والأنا الأعلى والـ»هو». وكان يعتبر أب التحليل النفسي «سيغموند فرويد»، بأنّ «اللاتوازن النفسي» يكون سببه «اللاتوازن» بين مختلف التقسيمات النفسية التي ذكرناها للتو. لذا، الشخص الغيور يصارع أحاسيسه اللاواعية، ويعجز أن يدرك حقائق المواقف التي يعيشها. بل يفسّر تلك المواقف بطرقه الخاصة، وربما تكون تلك الطرق غير منطقية البتة.
ونجد الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الغيرة الجنسية، يقرّرون الطلاق ثم يتراجعون عنه مرات عدة، من دون أي سبب حقيقي، بسبب أفكارهم غير المتزنة والواعية. ومن أهم ما يُلاحظ عند الشخص الذي يعاني من هذا النوع من الغيرة:
أولاً، تضخيم الشكوك والتي تكون جميعها لها علاقة بالجنس. مثلاً، إذا اتصل أحد بالزوج لمشروع عمل ما، فالزوجة التي تعاني من هذه الغيرة، ستضخّم الامر وستعتبره خيانة كبيرة لها أو ربما تحضيراً لزواج آخر لشريك حياتها.

ثانياً، التهويل في التفكير والإنصراف إلى تفسير المواقف بطريقة غير منطقية البتة. ويعتبر التحليل النفسي بأنّ هذا السلوك ربما له جذور مازوشية (تعذيب الذات) يستعملها الشخص فقط لكي يشعر بالألم النفسي الذي يضاهي الألم الجسدي.
ثالثاً، الشعور الدائم بالنقص وعدم الكفاءة، وهي من أهم خصائص الإنسان الذي يغار بشكل عام. والجدير بالذكر بأنّ الغيرة «الطبيعية» أو ذات المستوى المقبول، تكون عادة مقبولة بين المحبوبين، ولكن عندما تتخطّى الحدود تصبح كابوساً لكليهما.

 

ماذا عن… العلاج؟
الكثير من الأشخاص يشتكون من تصرفات أحبائهم من الغيرة التي يمكن أن تقتل الحب الذي يجمعهما. فالغيرة كانت وما زالت موضوعاً مطروحاً في الأدب، وكُتب عنها أجمل القصص والروايات والمسرحيات مع الأدباء العظام كشكسبير وتولستوي. وعادة الغيرة يمكن أن تؤدي إلى «الجرائم العاطفية»… ولم يقتصر هذا الإهتمام فقط في الأدب ولكن أيضاً في علم النفس، وتحديداً في الإضطرابات الشخصية التي تدرس وتُحلّل شخصية الغيور وكيفية مساعدته للتخفيف من معاناته ومن معاناة الأشخاص المحيطين به. فلا يمكن أن ننكر بأنّ الغيرة هي فطرية، حيث تظهر عنده في مرحلة الطفولة المبكرة (السنة الثانية من عمره) ثم تتطور خلال جميع مراحل نموه النفسي، ويمكن أن ترافقه طوال أيام حياته. لذا هناك بعض النقاط التي يجب الإنتباه لها ومراعاتها، إذا شعر الشخص بأنّ غيرته يمكن أن تخنقه وتخنق كل من حوله:

– طلب المساعدة من المختصين بالصحة النفسية، لأنّ بعض الاحيان لا يمكن للشخص أن يساعد نفسه بل يجب أن يرافقه في علاجه أخصائي نفسي، يتشاركان العلاج سوياً من خلال النصائح المفيدة والتمارين النفسية الواضحة.
– التمييز ما بين مختلف أنواع الغيرة. ومن المفيد أن يقوم الشخص الذي يعاني من الأفكار الجنسية والغيرة بالتمرين التالي: كتابة على ورقة من جهة الأفكار التي يواجهها في ذهنه، ومن جهة أخرى كتابة إلى أي مدى تلك الأفكار هي منطقية (أي كتابة ما هي البراهين لتلك الأفكار الغريبة التي تراوده).
– التحدث مع الشريك عن الأفكار بكل هدوء ومنطق والإبتعاد عن العدوانية والتسلّط والتشبث بالفكرة. كما لا يجب أن ينسى الشخص الغيور، بأنّ الغيرة من المشاعر الجميلة في العلاقة الغرامية، ولكن لا يجب أن تتخطّى الحدود.
– الإرتكاز على مواقف أساسية وحقيقية بعيدة من الشك. لا يمكن للشخص الذي يعاني من الغيرة الجنسية أن يتهم دائماً شريكه بالخيانة والأفكار الملوثة لعلاقتها لانّ ذلك يمكن ان يؤدي لمشاكل كبيرة كالطلاق.
– وأخيراً، لا يجب أن ينسى الشخص الذي يغار، بأنّ كل إنسان لديه كرامته ولا يمكن أن «نتخطّى» الحدود حتى لو كانا شريكين في الحياة.