الأخبار
الرئيسية / سياسة / حكومة إنقاذية في أسرع وقت تجنباً للانهيار

حكومة إنقاذية في أسرع وقت تجنباً للانهيار

السبت 09 تشرين الثاني 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

لم تعد الدعوات الداخلية والخارجية الى استعجال تأليف حكومة انقاذية تحول دون السرعة المخيفة للتدهور المالي والاقتصادي الذي بات يضع لبنان أمام انهيار لم يعرف مثيلاً له في ذروة حُقب الحرب، مجرد شعار أو نشيد لفظي وكلامي، بل اتخذت في الساعات الاخيرة طابعا بالغ الجدية والخطورة في ظل تعاقب الازمات والاضطرابات الناشئة عن أزمة السيولة والاجراءات المتشددة والتقشفية التي تتخذها المصارف. واذا كانت ازمات المستشفيات والمحروقات واستيراد الكثير من السلع وتفاقم المخاوف، من انهيارات واسعة في مؤسسات القطاع الخاص تقدمت الواقع المثير للمخاوف فان وتيرة الاتصالات السياسية الجارية في الكواليس بعيداً من الاضواء لم تتكشف عن أي تطور ايجابي بعد في شأن شق النفق المقفل امام انطلاق الاستحقاق الحكومي في مسار سريع تحتمه خطورة الاوضاع.

ولكن بدا من خلال المعلومات التي توافرت لـ”النهار” ان الساعات الثماني والاربعين المقبلة قد تكون ساعات مفصلية حاسمة بالنسبة الى نقطة الانطلاق الجوهرية لمسار الاستشارات النيابية الملزمة التي يتعين على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحديد موعدها حال اتمام التوافق التي تتسارع الجهود لاتمامه حول التكليف علما ان العقبة التي تعترض هذا التوافق تتصل بالشروط المسبقة لتأليف الحكومة وهو السبب الرئيسي على ما يبدو الذي جعل رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري يصر على رغبته في عدم اعادة تكليفه تأليف الحكومة الجديدة. إلا أن معلومات تقاطعت من جهات سياسية عدة، أشارت الى ان عطلة الاسبوع قد تشكل موعداً مفصلياً لبت مصير اعادة تكليف الحريري ايجاباً أو سلباً بما يوحي بان الاتصالات تسارعت غداة اخفاق لقاء الرئيسين عون والحريري في قصر بعبدا حول الحكومة الجديدة. وقالت أوساط سياسية بارزة لـ”النهار” إن الوضع المالي والاقتصادي في البلاد بلغ درجات من الخطورة تنذر باوخم العواقب وان الوسيلة الاخيرة والوحيدة لتلافي بلوغ ما بات يشكل هاجساً وطنياً ساحقاً، أي الانهيار، هي المسارعة فوراً (ويستحسن ان يكون ذلك مطلع الاسبوع المقبل) في إضاءة الاشارات الخضراء الى انطلاق المسار الحكومي بدءاً بتحديد موعد الاستشارات النيابية في قصر بعبدا، وان الاتصالات التي أجريت في اليومين الاخيرين بلورت درجات الخطورة التي ستنجم عن كل يوم تأخير في اطلاق اشارة الحل السياسي الذي سيكون وحده العامل المفرمل للاندفاعات نحو الانهيار والا انزلقت البلاد نحو متاهات مخيفة.

وقد دفع هذا الواقع البنك الدولي أمس الى دق جرس الانذار مجدداً وبعد أقل من ثلاثة أيام من تحذير أولي من خطورة الاوضاع المالية والاقتصادية في لبنان، لدى زيارة وفد منه قصر بعبدا. وحض البنك الدولي أمس لبنان على تشكيل حكومة في غضون اسبوع تلافياً لفقدان الثقة في اقتصاده، محذراً من اخطار جدية على استقرار لبنان جراء الازمة المالية والاقتصادية.

ولم يكن موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري بعيداً من هذا التحذير اذ صرح مساء أمس لـ”النهار” إن “الوضع خطير وخطير جداً ويجب تشكيل الحكومة أمس قبل الغد لان الحكومة هي الخرطوشة الاخيرة للانقاذ “. وشدد تكراراً على تمسكه باعادة تكليف الرئيس الحريري قائلا انه لن يكف عن المطالبة باعادة تكليفه، كما شدد على ضرورة تمثيل الحراك المدني في الحكومة.

أما الاوضاع المالية، فكانت محور لقاء الرئيس الحريري أمس في “بيت الوسط” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ظل خطورة الازمة التي تمر بها البلاد والاجراءات التي تتخذها المصارف. وفي المعلومات، ان الاجتماع الذي عقده سلامة مع الحريري كان صريحاً للغاية، إذ فنّد حاكم مصرف لبنان بالارقام والوقائع الاجراءات الموقتة والاحترازية التي تتخذها المصارف، وشدد على ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة تعيد بناء الثقة وتساهم في إعادة الامور الى نصابها الصحيح بما يخفف الضغوط النقدية والمصرفية، معتبراً ان كل ما يحصل هو حالة إرباك ناتجة من فقدان الثقة ومخاوف من تطور الامور السياسية أكثر وصولاً الى اضطرابات واسعة. وأكدت أوساط سلامة ان الاجراءات التي تعتمدها المصارف ستنخفض حكما وتباعا مع عودة الاستقرار السياسي الى البلاد وتراجع التظاهرات والقلق لدى المواطنين، وان هذه الاجراءات تأتي لحماية المودعين واموالهم والمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية الثابت بدعم من الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها مصرف لبنان.

كذلك عرض سلامة موضوع فتح الاعتمادات وخدمة التجار وتأمين الدولارات اللازمة، مشيراً الى ان هذه الازمة تسلك طريق الحل بعد إعادة بناء الثقة التي تساعد في إعادة استقطاب الدولارات الى لبنان وتعزيز احتياطات المركزي. وتظهر ميزانية مصرف لبنان في نهاية تشرين الاول 2019 ان احتياطات المركزي بالعملة الاجنبية تصل الى 34 ملياراً و530 مليون دولار بعد حسم محفظة الاوروبندز، وتضاف اليها احتياطات من الذهب تقارب قيمتها 13.89 مليار دولار، وهذه الاحتياطات تساعد مصرف لبنان في الظروف الدقيقة الحالية للتدخل في سوق الصرف والمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة.

ورأى رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير أن “الامور تحت السيطرة تماماً ولا داعي للخوف إطلاقاً، وان حالة الإرباك لدى المواطنين تأتي نتيجة الازمة السياسية وما يترافق معها من تحركات في الشارع”. وشدد على أن “لا داعي لقلق المواطنين على ودائعهم ولا أموالهم، فالمصارف، رغم الإجراءات الاحترازية التي تحمي ودائعهم وتحمي الليرة اللبنانية، تستمر في خدمة زبائنها”. ونفى صفير كل ما حكي عن أسباب استثنائية لإقفال المصارف اليوم السبت والاثنين المقبل، قائلاً إن إقفال المصارف “يأتي إنفاذاً لمذكرة مصرف لبنان ومذكرة رئاسة مجلس الوزراء لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف”.

وأفيد ليل أمس أنه في اطار الاتصالات التي يجريها رئيس الجمهورية لمعالجة الوضع المصرفي في البلاد، دعا الى اجتماع يعقد بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا ويضم حاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف واعضاء مجلس ادارة الجمعية لعرض الواقع الراهن والسبل الكفيلة بمعالجته.

موفد ماكرون
وسط هذه الاجواء، افاد مراسل “النهار” في باريس ان مدير دائرة شمال افريقيا والشرق الاوسط في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فرنو سيصل الى لبنان الاسبوع المقبل للبحث مع المسؤولين اللبنانيين في سبل معالجة الازمة التي يمر بها لبنان. وسيجري فرنو بناء على طلب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون محادثات مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، الى عدد من المسؤولين السياسيين.

ويحمل فرنو رسالة واضحة وتحذيرية للمسؤولين اللبنانيين وهي “تشكيل حكومة ضمن تسوية بسرعة قبل الانهيار” وان تكون “حكومة جامعة لا تعزل أي طرف ضمن التركيبة اللبنانية فالوضع مقلق للغاية ولا يتحمل الانتظار”. والتسوية بالنسبة الى باريس لا تعني حكومة على شكل الحكومة السابقة وليس المهم من يكون رئيساً لها بل برنامجها الاصلاحي ومباشرتها الاصلاح الضروري.

وسيكرر الموفد الفرنسي أمام الاطراف اللبنانيين ما اعلنه سابقا وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان عن تطبيق البرنامج الاصلاحي الذي وضعه الرئيس سعد الحريري والتزام الحكومة الجديدة هذا البرنامج.

وستتمنى باريس في هذا السياق على السلطات اللبنانية أن تأخذ في الاعتبار مطالب التحرك الشعبي وتنفيذ الاصلاحات الضرورية التي اعلنتها الحكومة اللبنانية خلال مؤتمر “سيدر”.

ولكن ليس لباريس اية مبادرة ولا تريد التدخل في الوضع الداخلي وانما تقوم باتصالاتها مع اللاعبين المحليين والقوى الاقليمية والدولية لمساعدة لبنان على الخروج من الازمة المالية والاقتصادية والسياسية التي يعانيها لانها تخشى انهيار الوضع.

النهار