الأربعاء 20 اذار 2019
فؤاد رمضان
في ذكراه الخالدة، جورج ابراهيم الخوري حالة استثنائية يبقى فيها هو الإسم واللقب
“ربّي، لا تحيني إلى يومٍ أكون فيه كلّاً على أحد، خذ بيدي قبل أن أقول لمن ألقاهُ عند القيام: خذ بيدي”.. مقولة كان يردّدها ولطالما تفكّرت فيها وجلت في أبعاد معانيها وأنا على يقين بأن الأديب الراحل جورج ابراهيم الخوري لم يكن يخشى في حياته شيئا كما يخشى تقلّب الدهر! كيف لا وهو صاحب أطول رحلة صحفية في العالم العربي بموقعه كرئيس تحرير لمؤسسة إعلامية واحدة، وقد شهد خلال مسيرته الإعلامية الطويلة كيف تزول المناصب وتتهاوى المراتب، وتتبدّل المواقع والأحوال والأوضاع عندما تتغير المصالح والإمكانيات والظروف… بينما تبقى الألقاب وحدها!
صانع الألقاب ومطلقها على نجوم الفن والإعلام في الوطن العربي كان يدرك جيدا بأن اللقب وحده يبقى مرافقا لصاحبه حتى بعد مماته، هو الذي يمجّده وهو الذي تتناقله الشفاه والألسن، كان يعلم بأن مسؤولية منح الألقاب هي حرفة بحد ذاتها، حرفة تشترط وجود معايير ومقاييس وإمكانيات صعبة ومعقدة لمن يستحق التقدير! لذلك لم يكن يمنح اللقب الا لمن يتسحقه، بل كانت مسألة الفوز بكنية أو لقب من عميد الصحافة مسألة شرف يسعى كل فنان إلى الفوز بها!
وهي مسألة تستوجب التوقف عندها في ذكراه اليوم بعدما باتت الألقاب تمنح وتعطى وتقدّم لكل من “هبّ ودبّ” على الساحة، ودون أدنى معايير النقد والجدارة، في زمنه كان حتى لقب أستاذ هو أعلى ما قد يناله الصحافي المجد والمتقن لعمله، أما اليوم بات الأستاذ والمختص والممتهن يُنادى بالـ “زميل” من قبل دخلاء وهواة وطفيليين يطلقون على أنفسهم ألقابا ومسميات ما كانت تطلق إلا على العمالقة وأصحاب الإنجازات الكبيرة، حتى عجّ الوسط بالسفراء والعمداء والمدراء وأصحاب المعالي والزعامة .. وغيرها من الألقاب على بساط الفن! كان اللقب هو المناسبة وهو الحدث، وصار للألقاب مناسبات متنوعة ومتفرقة تنظّمها جهات مختلفة على مدار السنة لتمنح وتهدي الألقاب على أطباق مذهبة لمن يهوى ولمن ..يحضر!
لربما اخترت التطرق إلى موضوع الألقاب في هذه المناسبة حيث ان الحديث عن أدب وفكر وإرث جورج ابراهيم الخوري لا تتسع له مساحة المقالة وقد لا تنصفه عبارات الثناء والتقدير والتقييم..
ليست حكاياته الخيالية، ولا أبطالها الافتراضيين.. لا النثر فيها، لا الشعر ولا الموسيقى! كل ما كتبه الأديب الراحل جورج ابراهيم الخوري، كل ما نظمه ونثره وصاغه، كل ما بناه من مجد أسطوري في عالمي الصحافة والفن، وكل الحكايات والقصص والإنتاجات الأدبية..
كل هذه العطاءات والمشاهدات والحقائق الملموسة تبقى رهن مشهدية بسيطة تتصارع فيها الألقاب مع حروف اللغة لإنصاف مطلقها! هو جورج ابراهيم الخوري صاحب اللقب الذي لم يتمكّن أحد من الفوز به منذ رحل وفي ذكراه الخالدة، لا يزال لقب “عميد الصحافة الفنية” ملكا لصاحبه، الذي امتهن مهمة تسليم الليل للنهار، وعرف بانه خادم الأدبين الرفيعين “الصحافة والفن”، ولعل من الجدير ذكره -أن من قلّد الفنان ملحم بركات لقب الموسيقار وأعطى للمخرج سيمون أسمر لقب صانع النجوم، وسلطان الطرب لجورج وسوف، وشمس الأغنية لنجوى كرم، وفارس الغناء العربي لعاصي الحلاني، والسوبر ستار لراغب علامة، وغيرها من الألقاب لكبار وعمالقة نجوم الوطن العربي – رحل في وقت كان يؤمن فيه بأن معظم نجوم اليوم لا يستحقون الألقاب، فلم يتمكن اي منهم من ان يظفر ولو حتى بنداء إلى حين ظهور موهبة ملحم زين التي شدت انتباهه لينال بها لقب رئيس الأغنية اللبنانية وبعده هيفاء وهبي التي توّجتها مخيلته الأدبية في عالم النجومية بوصفها “عطر الليل”.