مجلة وفاء wafaamagazine
لم يحرّك هؤلاء ساكناً إزاء مشروع تطيير الانتخابات البلدية التي تتيح إعادة برمجة آليات التغيير على مستوى التمثيل الشعبي
ابراهيم الأمين
لنقم برحلة سريعة مع برامج وسياسات وحصاد معارضي المقاومة في لبنان وخارجه خلال أقلّ من عامين.
بعد احتجاجات تشرين الأول 2017، سارع «صيصان السفارات» إلى محاولة استثمار التحركات ضد المقاومة، من زاوية تحميلها مسؤولية بقاء الفاسدين في الحكم. أطلقوا شعار «كلن يعني كلن» لاعتقادهم بأن في ذلك ما يجعل حزب الله طرفاً مباشراً في الفساد. خلال أسابيع قليلة تراجعت الحشود في الساحات، فقدّموا لنا تفسيراً وحيداً هو خوف الناس من البلطجية.
لكنّهم قرّروا الخروج من هذا الموسم بغُنم اعتبار الحزب مسؤولاً، من خلال مقاومته، عن تحميل اللبنانيين عبء الأزمة الاقتصادية، لأن دوره في سوريا والعراق واليمن (اقرأ: مقاومة الاحتلالين الأميركي والإسرائيلي) تسبّب بعقوبات، إلى جانب حمايته للفاسدين في الأزمة الاقتصادية الكبرى.
حتى إن بعضهم، وأذكر حواراتي معهم يومها، كان يحلّل بأن المقاومة ستلجأ إلى تسخين الجبهة مع العدوّ «هرباً من أزمتها الداخلية»، مسارعين إلى القول: سنحمّل الحزب مسؤولية أي دمار أو خسائر تصيب لبنان جرّاء أي عدوان إسرائيلي.
حصل الكثير خلال عام 2020، والنقاش حول مقاربة الحزب للحراك الشعبي والتعامل مع الأزمة كان ويبقى قائماً داخل الحزب وخارجه. لكنّ الأزمة تفاقمت بصورة أوصلتنا إلى لحظة قاسية اقتصادياً ومالياً ومعيشياً. ومرة جديدة، لجأ الفريق نفسه إلى تصعيد حملته بتحميل الحزب المسؤولية عن «عدم تلقّي لبنان المساعدات».
وهم كانوا يستعدون فعلياً للانقضاض على الدولة بعد فشل إطاحة السلطة… حتى جاء تفجير المرفأ في 4 آب. يومها تصرّف الصيصان، كما دِيَكتهم في الخارج، بأن فشل إطاحة السلطة في تشرين 2019 يمكن مقايضته بإطاحة الدولة، من خلال فكرة تدمير صورة الإدارة العامة، ورفع شعار «لا مساعدات إلا من خلال المجتمع المدني».
وطبعاً، أرفق هؤلاء خطواتهم بتمييز للجيش، ليس لأنهم يثقون به، بل لأن الدجاجة الأميركية الكُبرى قالت لهم إن الجيش سيكون الديك الذي يقدر على ما لم يقدروا عليه، أي مواجهة حزب الله. مع ذلك، فإن حفلة الهرج والمرج جعلت الأقل توتراً منهم يركز على فكرة المساعدات، فيما ذهب المجانين بينهم، وهم كثر، إلى ما اعتقدوه المعركة الفاصلة بتحميل المقاومة المسؤولية عن الانفجار.
واحتاروا بين اتهام الحزب بتخزين مواد عسكرية تعرّضت لقصف من الخارج، وبين اتهامه بالمسؤولية عن الإتيان بنيترات الأمونيوم خدمة للنظام في سوريا.
مرّت الأسابيع، وكانت الصدمة الأولى في أن الديك الأميركي ودجاجات أوروبا قرّروا أن اللحظة لم تحن بعد لتفقيس البيض. فوجد الصيصان أنفسهم في حال انتظار لمزيد من الرعاية بانتظار الجيل الجديد الذي يشكل رافعة احتلالهم مقاعد السلطة. لكنّهم التهوا ببعض الديدان المتفرّقة في الشوارع الضيقة، من دون أن يكون لديهم جواب حول سبب عودة سعد الحريري نفسه ليُكلّف بتشكيل الحكومة، ولا جواب عن سبب فقدانهم تلك القوة السحرية التي جعلتهم ينسبون إلى أنفسهم الفضل في استقالة الحريري وفرض معايير جديدة في اختيار الوزراء في حكومة حسان دياب.
وهم أنفسهم بلعوا ألسنتهم، قبل أسابيع، عندما شكّل نجيب ميقاتي الحكومة. وفيما كنا أمام ساحات للثورة في بيروت وطرابلس وصيدا والطرقات الموصلة بين هذه المواقع الثورية، لم نعد نرى حتى تجمّعات بسيطة من بوابة السراي الكبير في وسط بيروت مروراً بالصيفي والدورة والذوق وجبيل وصولاً إلى ساحات طرابلس، والأمر نفسه في الجزء الجنوبي من الساحل اللبناني. ولم يفسّر لنا سبب هؤلاء إقدام «الثوار» على إطلاق الرصاص في عاصمة الشمال ابتهاجاً بالفوز بجولة كبيرة عندما جمعوا كرتونة بيض ورشقوا بها موكب وزير الداخلية أثناء خروجه من… استديوهات الثورة في الرابية!
الصيصان لم يعرفوا حتى الاستفادة من المزاج العام الاعتراضي الذي يسود اللبنانيين. لننظر، مثلاً، إلى ما فعله قادة الثورة في نقابة المحامين وأين هي النتائج الحقيقية للانتخابات الطالبية في الجامعات الخاصة، أو ماذا يريدون فعلاً من نقابة المهندسين.
ما نعرفه، وعشناه، هو أنهم لا يحترمون الجانب القطاعي في هذه الأطر، ويستعجلون استثماراً سياسياً على شكل أصوات في الانتخابات النيابية حصراً (هلا تجمعون لنا مواقفهم وتحرّكاتهم إزاء مشروع السلطة الأكثر خطورة بتطيير الانتخابات البلدية). الأمر ببساطة يعود لكون الديك والصيصان أنفسهم لا يريدون تغييراً حقيقياً لبنية النظام وأساس الاقتصاد. هم يريدون التغيير كما حصل بعد اتفاق الطائف، من فوق، أي اتركوا لنا مقاعد السلطة.
علماً أنهم (أو الاذكياء بينهم) يعرفون أن أي انتخابات نيابية لن تغيّر جدياً في واقع البلاد في ظل الانقسامات والاصطفافات الحادّة. بل إن الانتخابات المحلية هي التي تتيح إعادة برمجة آليات التغيير على مستوى التمثيل الشعبي بوجهَيه الاجتماعي والسياسي. لكنّ هؤلاء ينشغلون اليوم في جمع الأموال لشراء الأصوات وليس لأي أمر آخر.
وبهذا المعنى، يفضّلون حتى عدم معالجة ظواهر الأزمة القائمة، ولا يقدرون على إقناع أميركا والسعودية بأن تجلبا لهم بعض النفط. يكتفي الصيصان بما يوزعه الديك على دجاجاته من ديدان تُبقيهم على قيد الحياة. لذلك، فإن موقفهم من خطوة حزب الله باستجرار المشتقات النفطية من إيران، على هذا القدر من التوتر الذي وصل بأنصار وليد جنبلاط وسمير جعجع إلى أن يمنعوا بالقوة استفادة مؤسسات صحية أو أهلية أو بلدية من هذا المازوت… وردّهم السياسي الوحيد على خطوة الحزب (هي خطوة قسرية لم تنتظر موافقة لا الأميركيين، ولا العرب، ولا إسرائيل، ولا روسيا، ولا السلطة الحاكمة في لبنان ولم تنتظرهم بطبيعة الحال)، بأن مثل هذا الدعم سيؤدي إلى مزيد من العزلة على البلاد. هؤلاء لا يهتمّون بمعالجة عملانية لمشكلات العتمة ونقص الخبز وتعطّل المصانع والمراكز الطبية، بل يهتمون بالعزلة إذا قررّ الديك الابتعاد عنهم قليلاً… وغير ذلك بطيخ ببطيخ!
عملياً، علينا تحمّل هؤلاء لمزيد من الوقت. لقد فقدوا الكثير من عناصر المبادرة. الصيصان في حالة توتر تكبر يوماً بعد يوم، لكنّ الدِّيَكة يبحثون بينهم عن الصوص الأكثر إفادة. لا يهمّ ما الذي يفعله، سواء أكان سياسياً أم ناشطاً (انسوا تعبير المناضل) أم حتى… قاضياً هو الأقل تحفّظاً بين جميع أقرانه، ويزهو أمام زائريه: ما أقوم به سيكون فاصلاً بين تاريخيْن: ما قبلي وما بعدي!
الأخبار