مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الصادق أحد أصحابه وهو ابن جندب، فقال له: “يا ابن جندب، حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه فإن رأى حسنة استزاد منها وإن رأى سيئة استغفر منها.. يا ابن جندب، من غش أخاه وحقره وناواه جعل الله النار مأواه.. يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة،.. يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم لا تذهبن بكم المذاهب، فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس.. يا ابن جندب صل من قطعك وأعط من حرمك وأحسن إلى من أساء إليك وسلم على من سبك، وأنصف من خاصمك، واعف عمن ظلمك كما انك تحب أن يعفى عنك، فاعتبر بعفو الله عنك، ألا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين.”..هذه وصايا الإمام الصادق، إن نحن استوصينا بها نعبر عن حبنا وولائنا لهذا الإمام، ونكون أكثر وعيا وقدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من الواقع المعيشي الصعب الذي بات الهاجس اليومي للبنانيين ومصدر قلقهم بعد الغلاء الفاحش والمدى الذي بلغته أسعار البنزين والمازوت والمواد الغذائية والخدمات وكلفة النقل وتأمين الكهرباء والاستشفاء والدواء، من دون أن يلمسوا أية بوادر أمل لحلول تخرجهم من هذا الواقع الصعب، بل هم يخشون أن تزداد سوءا في ظل ما يجري من تطورات على الأرض أو ما قد يجري”.
اضاف: “أما الحكومة التي كان يتطلع إليها اللبنانيون، ويرون فيها سبيلا لخلاصهم من هذا الواقع الصعب أو على الأقل التخفيف من وقعه عليهم، فقد تعرقلت وباتت معطلة ومشلولة بفعل عوامل داخلية وخارجية، وإذا كانت هناك مبادرات من وزراء فيها فهي خجولة، وليست سوى وعود وأمان، وهي تحت عنوان أطلقه رئيس الحكومة العين بصيرة واليد قصيرة.. فيما يستمر التأزم على الصعيد السياسي بفعل الملفات المطروحة إن على صعيد الانتخابات أو تداعيات التحقيقات التي جرت في الطيونة أو قضية المرفأ، والتي تهدد استقرار البلد وأمنه، بعدما لم تعد المؤسسات هي الطريق لمعالجة أي من هذه الملفات أو حسمها”.
وأعلن “اننا أمام هذا الواقع نعيد دعوة القوى السياسية إلى أن لا تستمر في أسلوبها في إدارة الظهر لقضايا الناس، وتأخذ بعين الاعتبار في كل قراراتها ومواقعها حاجاتهم واستقرارهم وأمنهم وثقتهم بوطنهم، وأن تنصب كل جهودها لمعالجة الأزمات المعيشية وسد احتياجاتهم وإزالة أي عراقيل تقف أمام ذلك بدلا من تعقيدها، لا أن يعملوا لتكون الناس وقودا لصراعاتهم ومصالحهم الخاصة والفئوية، بعدما باتوا غير قادرين على تحمل المزيد.
إن على كل القوى السياسية أن تعي أن غضب الناس، إن لم يحصل الآن لأنهم لا يريدون العودة إلى الشارع لتداعيات هذه العودة التي خبروها وخطورة ما تؤدي إليه، ولكن قد يأتي الوقت الذي لا يعود لكل ذلك حساب عندهم أو أنهم ينتظرون ذلك عند وضع أصواتهم في صناديق الاقتراع”، مؤكدا “ان على القوى السياسية أن تدرك أن رأسمالها الأساسي هم الناس، فما ينفعهم إن كسبوا مواقع لهم، أو مواقع لمن هم من حولهم وخسروا ثقة الناس، أو غادروهم إلى بلاد الله الواسعة”.
وقال: “ونبقى على هذا الصعيد، لنحذر من خطورة استخدام الخطاب الطائفي على الصعيد السياسي أو في معالجة ما يجري على الصعيد القضائي، والتي يعرف الجميع آثارها الكارثية على هذا البلد. وهنا نعيد دعوة القيادات الدينية أن يكون دورها إطفائيا لأية حرائق يراد لها أن تشتعل على هذا الصعيد، بحيث لا تكون مرجعية دينية في مقابل مرجعية دينية أخرى، بل أن تتعاون في ما بينها لنزع هذا الفتيل من أيدي من يديرون الواقع السياسي ويسخرونه لمصالحهم”.
وتابع: “وعلى صعيد ما جرى في الطيونة، نعيد التأكيد على ضرورة استمرار الجهود لمتابعة الإجراءات القضائية بعين العدالة بعيدا عن التسييس، وعدم إدخالها في لعبة التوازنات الطائفية أو السياسية والمساومات، لتكون قضية مقابل قضية أخرى، حتى لا تتكرر هذه الحادثة أو تضيع.. فمن حق أهالي الضحايا أن يعرفوا من الذي قتل أبناءهم ومن حق اللبنانيين أن يعرفوا من كان يسعى إلى جر البلد إلى أتون الفتنة الطائفية والصراع الداخلي”.
اضاف: “أما على صعيد التحقيق في جريمة المرفأ، فقد أصبح واضحا مدى الحاجة إلى معالجة جادة وواقعية للمأزق الذي وصل إليه التحقيق بهذه القضية، والذي إن استمر سيتسبب في ضياعها، سعيا للوصول إلى الحقيقة.. فمن حق أهالي الضحايا والمصابين في هذه الكارثة، أن يعرفوا حقيقة ما جرى، وأن لا تصبح هذه القضية مادة في الصراع السياسي الداخلي أو الخارجي، وأن يروا بأم عينهم أن العدالة ستتحقق على الأرض لا فقط في السماء”.
وعلى الصعيد القضائي، قال: “إننا نرى أن الوقت قد حان للعمل لإصلاح فعلي على صعيد هذه المؤسسة التي بدونها لا تبنى دولة ولن تستقيم الأمور، ولا تبقى عرضة للتدخلات الداخلية أو الخارجية أو أداة من أدواتها، وحتى لا تكون الأحكام القضائية وجهة نظر بدلا أن تكون هي الحل..وهذا لن يتم إلا عندما تشرع القوانين التي تضمن للقاضي أن يكون حرا من كل قيد سوى قيد العدالة، فلا يكون رهينة في تعيينه أو في تدرجه لمن يملكون السلطة السياسية”.
وتابع: “إننا أمام كل الأزمات التي يعاني منها هذا البلد والتي باتت تأتيه من الداخل والخارج، ندعو اللبنانيين إلى مزيد من التكاتف والوحدة، فهما الضمانة الوحيدة لخروجهم مما يعانون منه، ومواجهة الأزمات من كل ما يهدد هذه الوحدة أو من يعمل على تهديدها”.
وعن العراق، قال فضل الله: “نجدد الدعوة للشعب العراقي للعمل على تعزيز وحدته الداخلية ومناعته، وأن لا تترك الانتخابات أي ندوب في جسم هذا البلد الذي يعاني ولا يزال على كل الصعد، ليتعاون الجميع لمعالجة أزماته وكل ما يهدد استقراره ووحدته، لا سيما بعدما عادت داعش إلى تصعيد جرائمها بحق هذا الشعب، وكانت آخر جرائمها في قرية الرشاد في ديالى، والذي أدى إلى سقوط العديد من الضحايا والمصابين”.
واشار الى “مصادقة الكيان الصهيوني على بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية في الضفة الغربية، والتي تمثل استمرارا لسياسية التغيير الديموغرافي والسكاني الذي يمارسه هذا العدو، ومع الأسف يجري ذلك في وقت لا يزال هناك من يعمل بطريقة وأخرى على التطبيع مع العدو الصهيوني وإعطائه جرعات من القوة”، وقال: “إننا نجدد دعوتنا للتضامن مع الشعب الفلسطيني لإبقاء هذه القضية حاضرة في الوجدان ولمنع استفراده وتركه يعاني وحيدا”.