مجلة وفاء wafaamagazine
فاتح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رئيس جمعية المصارف سليم صفير بنيّته زيادة نسبة المؤونات على توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، المُحدّدة حالياً بـ1.89%. القرار، إذا صدر، يعني الاعتراف بوجود نسبة عالية من الخسائر التي تتحمّلها المصارف، ويجب أن تُغطيها من رساميلها، ما يعني زيادة الضغط عليها… لكنّ سلامة بقراره لا يُطلق «الثورة» ضدّ المصارف المُفلسة، وإنما يعطيها مزيداً من الوقت تهرّباً من إعلان إفلاسها
ليا قزي
منذ حصول الانهيار، خاض «حزب المصرف» معركة منع توزيع الخسائر بطريقة تقضي على موازنة مصرف لبنان، وتؤدّي إلى إعلان المصارف المُفلسة. اتّخذ حاكم البنك المركزي رياض سلامة كلّ الإجراءات الكفيلة بإجهاض أي خطة إنقاذية، ومنع أي حلّ يتضمن الاعتراف بخسائره وخسائر المصارف، وإعادة هيكلة القطاع. وكان يعلم أنّ طريقة إدارته تقضي على مقوّمات الصمود لدى السكّان، وأنّ عدم إعادة هيكلة المصارف والدفاع عن استقرار الليرة وخلق أسعار صرف متعدّدة والتوقّف العشوائي عن دعم استيراد السلع الرئيسية والتحكّم بالحاجات الاستهلاكية للشعب، ستوصل في النتيجة إلى إفقار أكثر من 74% من السكان (بحسب دراسة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا – الإسكوا، سنة 2021). المؤونات (الأموال التي تُستخدم لتغطية خسائر متوقّعة. قبل إضافة أموال إلى حساب الأرباح في الرساميل، يتم اقتطاع مبلغٍ لتغطية الخسائر)، هي إحدى الأدوات التي استخدمها سلامة لإطالة عمر المصارف ومنع المساس برساميلها، عبر تحديد نسب مؤونات متدنية لا تتلاقى مع حجم الخسائر المتوقّعة في القطاع المصرفي، كالمؤونات على توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان (نسبة 1.89%) والمؤونات على سندات الدين بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) التي تحملها المصارف (نسبة 45%). تحديد نسبة متدنية لم يكن عبثياً، بل كانت وظيفته منع إشهار إفلاس المصارف.
الموضوع يعود إلى 3 شباط 2020، حين أصدر مصرف لبنان التعميم الرقم 543، حدّد فيه للمصارف بأنّه يجب احتساب نسبة مؤونات 1.89% على توظيفاتها بالعملات الأجنبية لديه. حجم المبلغ الخاضع لهذه الخسائر يبلغ 80 مليار دولار، وهو مبلغ كبير حتى قبل احتساب نسبة المؤونة عليه، وخطورته أنّه بالدولار الأميركي. فعادةً، المؤونة تُكوّن بعملة الدين، واستنزاف الدولارات وتبديد المصارف لهذه السيولة، يزيدان الضغوط عليها في تكوين المؤونات.
حالياً، قرّر سلامة إعادة جدولة الخسائر، و«مفاوضة» المصارف لزيادة نسبة المؤونات على توظيفاتها بالعملات الأجنبية لدى «المركزي». فبحسب معلومات «الأخبار»، تواصل سلامة مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير عارضاً عليه زيادة النسبة إلى 30%. برّر سلامة تعديل النسبة بأنّه «لم يعد ممكناً التغافل عن حجم الخسائر. كما أنّ ذلك يُعدّ من الشروط الأساسية لصندوق النقد الدولي». زيادة النسبة تعني إجبار المصارف على تكوين مؤونات بما يُقارب الـ24 مليار دولار (على اعتبار أنّ التوظيفات تُقدّر بـ80 مليار دولار)، في وقتٍ أنّ مجموع رساميل المصارف يبلغ 16.3 مليار دولار، أي إفلاس أغلبها. يتطابق ذلك مع سيناريوهات سابقة أجرتها لجنة الرقابة على المصارف («الأخبار»، عدد 20 تموز 2019) لاحتساب متطلبات زيادة الرساميل لدى المصارف ونسبة المؤونات، فتبيّن لها أن الإفلاس سيطاول 23 مصرفاً، تسعة منها مصنّفة في فئة «ألفا».
تُعارض المصارف رفع نسبة المؤونات خوفاً من تآكل رساميلها
لم تتلقَّ المصارف الطرح بـ«روح رياضية» إذ أثار اعتراض العدد الأكبر منها، لاعتبارها أنّ التعديل سيؤدّي إلى تآكل كلّ رساميلها… وإفلاسها. لذلك، تتوقّع مصادر مصرفية أن «يتوصّل سلامة مع الجمعية إلى حلّ وسط، يقضي بالموافقة على رفع النسبة من 1.89%، على أن تبقى أدنى من الـ30%». بالإضافة إلى ذلك، «سيُسمح للمصارف بتكوين الخسائر على سنوات عدّة (حالياً، يُسمح للمصارف بتكوين الخسائر على فترة 5 سنوات، وممكن تمديد المهلة لـ10 سنوات في حال التزم المصرف بزيادة 20% على رأسماله) حتى ولو كان هذا الأمر مخالفاً لمبدأ أنّ الخسائر تُحتسب عن كلّ سنة مالية ولا تُرحّل من سنة إلى أخرى». فحاكم مصرف لبنان لا يريد إفلاس المصارف، «بل منحها المزيد من الوقت إلى حين الانتهاء من الدراسة التي ستُحدّد المصارف التي ستُدمج، ومن سيخرج من السوق…». وتؤكّد المصادر أنّه أصلاً ليس صحيحاً أنّ زيادة نسبة المؤونات تؤدي إلى إفلاس المصارف، «لأنّها حالياً لا تُكوّنها من الرساميل أو بالدولار الحقيقي، بل بـ«الدولار اللبناني» ومن الفارق الناتج عن توقّفها عن دفع الفوائد على ودائع الناس، مقابل استمرار تلقيها الفوائد على توظيفاتها لدى مصرف لبنان، والفوائد على سندات الدين بالليرة اللبنانية، وفوائد القروض الشخصية».
«التخريجة» التي يحاول سلامة تركيبها مع صفير، تُشبه ما قام به حين باع المصارف دولارات وفق سعر صرف 1507 ليرات، تُستخدم لتكوين المؤونات على سندات الدين بالعملة الأجنبية – «يوروبوندز» (وقد حُدّدت نسبتها بـ45%) التي تحملها المصارف، ومجموعها يُقارب الـ11 مليار دولار (أصل السندات وفوائدها). وقد وضع سلامة شرطاً يسمح له بإعادة شراء هذه «الدولارات» بحسب سعر صرف «المنصّة الإلكترونية»، كما يكون حين يقرر استعادة «الدولارات». في هاتين الحالتين، يستمر رياض سلامة بتطبيق الخطة التي تُناسبه لمعالجة الخسائر ويحلو لها تسميتها بـ«الهبوط الهادئ»، في وقت أنّها تدمير لقدرات المجتمع وعدم السماح بإعادة إطلاق الاقتصاد، مقابل التخلّص من الخسائر في موازنة مصرف لبنان، وممارسة الغشّ في تكوين المؤونات لدى المصارف ومدّها بالدولارات حتى لا تنهار رسمياً.
فرنسا: لإنشاء نظام مصرفيّ سليم
إعادة هيكلة المصارف «أمرٌ لا مفرّ منه» بالنسبة إلى «الدول المانحة» وصندوق النقد الدولي. فخلال زيارته لبنانَ في أيلول الماضي، تحدّث السفير الفرنسي المُكلّف بتنسيق المساعدات الدولية للبنان، بيار دوكان، مع مجموعة من السياسيين والمسؤولين عن «المصارف الأشباح»، وأكد أنّ لبنان بحاجةٍ إلى «نظام مصرفي سليم يقوم بتمويل الاقتصاد الحقيقي». يقتضي ذلك، بحسب دوكان، معالجة الأزمة المصرفية. ولتحقيق ذلك، دعا إلى «قانون يُنظّم عملية تصفية المصارف، ويضع قواعد تنظيم التعامل مع كل مصرف على حدة، وتحديد مصير المصارف بعد دراسة وضع كلّ منها». وفي هذا الإطار، شدّد دوكان على «تجنّب إنشاء صندوق استثماري تُنقل إليه ملكية كلّ أصول الدولة السليمة. بالمقابل، يُمكن إنشاء مصارف سيئة تُنقل إليها أصول الدولة السيئة لتصفيتها».
الاخبار