مجلة وفاء wafaamagazine
الساعون إلى تغيير السلطة في البلاد، من خلال الانتخابات النيابية، يتصرفون بإرباك، بين أولويات الجهات الخارجية التي تطلب، بوضوح، إطاحة الأكثرية التي يمثلها التحالف بقيادة حزب الله والتيار الوطني الحر، وأولوية الجهات المحلية لتعزيز مواقعها في المجلس النيابي من خلال «لصق» نشاطها السياسي بالحركة الاحتجاجية التي قامت في البلاد قبل عامين.
ابراهيم الأمين
عملياً، يركّز الخارج الذي تقوده الولايات المتحدة والسعودية، بشكل واضح ومباشر، على ضرورة قيام تحالفات واسعة، مباشرة أو غير مباشرة، بين كل مكونات فريق 14 آذار. وهم يسعون، في شكل جانبي، إلى ربط هذه التحالفات بعمل المجموعات التي تدور في الفلك الأميركي – السعودي من باب الحملة على حزب الله وتحميله مسؤولية الأزمة، واتهام التيار الوطني الحر بتوفير التغطية المسيحية لسياسات الحزب الداخلية.
يستند الخارج إلى عناصر قوة أساسها الدعم المالي المفترض لهذه المجموعات، سواء الذي تتولاه حكومات كما هي حال السعودية، أو من خلال برامج حكومية توفرها أجهزة الدعم الأميركية على اختلافها. ويستند جانب آخر من التمويل إلى النفوذ غير العادي الذي تملكه واشنطن والرياض على عدد غير قليل من رجال الأعمال اللبنانيين العاملين في الخارج، والذين يفترض بهم توفير نحو 30 مليون دولار لدعم الحملات الانتخابية للمرشحين على لوائح تطالب بإطاحة حزب الله وتقليص نفوذ التيار الوطني الحر.
وإذا كانت السفارة الأميركية في بيروت تواجه «حالاً من الإحباط» بسبب النتائج الهزيلة للضغوط التي تمارس منذ عامين، إلى حدّ باتت معه السفيرة الأميركية دوروثي شيا تتولى بنفسها التواصل المباشر مع مجموعات وشخصيات، وتمارس وصاية من دون قفازات، وترفع الصوت وتعاتب وتحاجج هؤلاء بعدم قدرتهم على إظهار قدرات شعبية استثنائية. ولا تقف الولايات المتحدة وحدها في هذا المجال، بل تساعدها دول أوروبية تموّل جيشاً من الجمعيات والمجموعات التي تصب سياسياً في الجبهة نفسها. وقد تركّزت الاتصالات في الآونة الأخيرة على حالة التخبط التي سادت المجموعات التي تناحرت في ما بينها ما انعكس خسائر في الانتخابات النقابية، خصوصاً في النقابات المهنية التي يفترض أنها تمثل «النخب» في لبنان. وقد كان واضحاً أن الأوصياء الأجانب لم يكونوا راضين عما حصل في انتخابات نقابات المحامين والصيادلة وأطباء الأسنان، فيما يسعى بعضهم، الألمان على وجه التحديد، إلى منع الانهيار في قيادة نقابة المهندسين عبر توفير برنامج دعم خاص للنقابة من خلال مؤسسات ألمانية، خصوصاً أن النقابة باتت أسيرة بند واحد يتعلق بحقوق المهندسين المسلوبة كما بقية المودعين اللبنانيين، من دون أن يكون لديها برنامج واضح حيال النقاش العام حول إنقاذ البلاد.
في المقابل، تبدو المعركة الداخلية قوية للغاية، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة موجة جديدة من العداء، ليس لحزب الله فقط باعتبار أن غالبية المجموعات مقتنعة بصعوبة تحقيق اختراقات جدية في البيئتين الشيعية والدرزية، تقرر تركيز العمل في البيئة المسيحية أولاً، والسعي إلى جذب كتلة وازنة من أنصار تيار المستقبل الغاضبين، خصوصاً إذا تمسك الرئيس سعد الحريري بقراره عدم خوض الانتخابات.
الأوصياء الأجانب لم يكونوا راضين عما حصل في انتخابات نقابات المحامين والصيادلة وأطباء الأسنان
لكن المعركة، هنا، لا تعود مطابقة تماماً للبرنامج الأميركي. ويظهر جلياً أن الخلافات القائمة اليوم تركز على أن غالبية المجموعات التي تنشط بعناوين متصلة بحراك 17 تشرين، لا تستهدف ضرب التيار الوطني الحر فحسب، بل تريد «تقليم أظافر» القوات اللبنانية ومنعها من حصد أي كتلة من الأصوات المترددة أو الغاضبة مسيحياً. وهو أمر أساسي عند من يحاولون الآن خلق منصات تجميل لحزب الكتائب وبعض الشخصيات المنتشرة في عدد من الدوائر المسيحية في دوائر بيروت وجبل لبنان والشمال. ويركز هؤلاء على منع أي تحالف من شأنه خدمة «القوات» التي تحظى بتمويل سعودي خاص، وتضمن تحالفاً أولياً مع وليد جنبلاط في الشوف وعاليه، وتحاول الوصول إلى تفاهم مشابه مع الحريري أو مريديه في الشمال وزحلة وبيروت.
وسط هذه المعمعة، يمكن فهم حالة الهستيريا الخاصة بتصويت المغتربين في الانتخابات المقبلة. إذ تبين الأرقام الأولية أن غالبية المسجلين هم من المسيحيين، وأن توزعهم السياسي يشير إلى أن ثلثهم على الأقل يميل إلى التصويت لمصلحة أسماء جديدة. بينما يتنازع على البقية من الفئة العمرية الكبيرة كل الأحزاب المسيحية والتيارات التقليدية التي يمكن العثور عليها عند الفئة العمرية الكبيرة من المسجلين. لكن المشكلة لا تنحصر في حشد المسجلين، بل في ضمان حصولهم على فرصة التصويت ورفع النسبة قياساً بما حصل في الدورة الماضية. علماً أن عمليات تنظيف القوائم لا تزال مستمرة بين وزارتي الداخلية والخارجية.
الجديد الوارد إلى بيروت من الخارج، سعي القوى المعارضة لحزب الله إلى شطب قوائم بعدة آلاف من المسجلين الشيعة والسنة بحجة عدم احترام الشروط القانونية، وإطلاق حملة ترهيب في أوساط هؤلاء، في الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية. ووصل الأمر ببعض «المفاتيح» إلى التواصل مع لبنانيين يعتقدون أنهم يميلون إلى حزب الله وتحذيرهم من أن تصويتهم لمصلحة الحزب قد يعرضهم لعقوبات في دول عدة من بينها أميركا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا إلى جانب دول الخليج العربية. ويسعى القائمون بهذه الحملة إلى هدفين: دفع مناصري تحالف حزب الله – التيار الوطني إلى التخلي عن التصويت في حال كانوا مصرّين على دعم هذا التحالف، ومحاولة استقطاب أصواتهم لدعم معارضين للحزب عند الشيعة بغية رفع نسبة المعترضين عليه ولو من دون ضمان أي خرق في الدوائر التي يمتلك الحزب فيها النفوذ الأكبر.
بحسب مصادر رسمية في بيروت، فإن التوزع النهائي لأرقام الناخبين في لبنان وخارجه يفترض أن ينجز قبل نهاية هذا الشهر، وأن التعديل الوحيد مرتبط بتغيير موعد الانتخابات إلى أيار، ما يتيح لبضعة آلاف آخرين التصويت لبلوغهم السن التي تخولهم التصويت. لكن المشكلات تبقى أكبر في حال قبل المجلس الدستوري الطعن المقدم من التيار الوطني الحر لناحية إلزام المغتربين التصويت لاختيار ستة نواب في الخارج، ما سيدفع غالبية المسجلين إلى الامتناع عن التصويت. مع العلم أن مشاركة متوقعة لنحو 150 ألف لبناني في الخارج في الانتخابات المقبلة، سترفع من نسبة الحاصل في عدد من الدوائر ما يفتح الباب على احتمالات غير واضحة بالنسبة لمعارضي حزب الله – التيار الوطني، وذلك نتيجة فشل محاولات جمعهم في لوائح موحدة ما يشتت التصويت الموالي لهم، في مقابل كتل صلبة يسعى إليها الطرف الآخر، ولو أن حزب الله والتيار الوطني الحر على وجه التحديد يعرفان حجم الصعوبات التي تواجه حملتهما الانتخابية في هذه الدورة.
الاخبار