الرئيسية / آخر الأخبار / إسرائيل لا تداري غضبها: الخطر باقٍ… مهما فعلنا

إسرائيل لا تداري غضبها: الخطر باقٍ… مهما فعلنا

مجلة وفاء wafaamagazine

لا تُخفي إسرائيل قلقها العميق ممّا ستؤول إليه مفاوضات فيينا. مردّ ذلك إدراكها أنه أيّاً كانت السيناريوات المقبلة، فهي ستواجه مأزقاً حقيقياً. فلا إيران التي وقّعت الاتفاق النووي عام 2015، هي نفسها الآن، سواءً نووياً أو صاروخياً أو إقليمياً؛ ولا معادلات القوة التي تَطوّرت منذ ذلك الحين تُوفّر لإسرائيل أو للولايات المتحدة هامشاً عملياتياً لإعادة قلْب المشهد.

علي حيدر 

ومن هنا، يُفهَم وصْف رئيس وزراء العدو، نفتالي بينت، حالة الكيان عشيّة بدء المفاوضات بـ«القلقة جدّاً»، لا من إمكانية «رفْع العقوبات عن إيران وضخّ مليارات الدولارات إليها، مقابل فرْض قيود غير كافية على برنامجها النووي» فقط، بل أيضاً ممّا قد يعقب فشل المحادثات من خطوات نووية إيرانية إضافية. ولا يعود غريباً، والحال هذه، لجوء إسرائيل إلى خطاب تهويلي – تعويضي مُفاده أنها غير ملزمة بنتيجة التفاوض، خصوصاً في ظلّ إدراك مؤسّسات التقدير والقرار فيها أن الأمور على المستويات كافة لا تسير لصالحها، بدءاً من تطوّر برنامج إيران النووي، مروراً بتحوّل أولوية الإدارة الأميركية نحو منطقة المحيطَين الهادئ والهندي، وصولاً إلى التحوّلات النوعية التي استجدّت في معادلات القوّة الإقليمية.

هذا الواقع دفع بينت إلى وصْف المرحلة التي تمرّ بها إسرائيل، خلال مؤتمر لـ«معهد هرتسيليا» في «جامعة رايخمن»، بـ«المعقّدة» و«الأكثر جوهرية في الصراع المتواصل ضدّ إيران»، لاسيّما أن ما كانت تتخوّف منه تل أبيب، وتسعى للحؤول دون تَحقّقه، بات الآن أمراً واقعاً، مع تحوّل إيران إلى دولة «حافّة نووية». وما يعقّد المشكلة بالنسبة إلى الكيان، وفق ما يشرح رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء عاموس يادلين، أنه حتى لو عادت الجمهورية الإسلامية إلى اتفاق عام 2015، فإنها لن تكون على مسافة سنة من القدرة على إنتاج قنبلة نووية، وفقاً لمقتضيات الاتفاق، وإنما ستكون على مسافة شهرَين. ويعود ذلك، بحسب الخبراء الإسرائيليّين، إلى التطوّر الذي أحرزته في تطوير أجهزة الطرد المركزي، والخبرات التي اكتسبتها خلال السنتَين الأخيرتَين، وهو ما وضع الجميع أمام وقائع جديدة لم يَعُد بالإمكان العودة عنها، فضلاً عن أن طهران أكّدت بنفسها أنّها ستردّ «بشكل متناسب على أيّ ضغط»، وفق ما جاء على لسان كبير المفاوضين، علي باقري كني.

على رغم المسار التصاعدي للتهديدات، لا تزال إسرائيل ممتنعة عن اللجوء إلى خيارات عمليّاتية دراماتيكية

على المستوى العسكري، يقرّ الطرفان الأميركي والإسرائيلي بالقفزات التي حقّقتها إيران خلال السنوات الستّ الماضية، في مجال تطوير قدراتها الصاروخية النوعية ومُسيّراتها ودفاعاتها الجوية. وبموجب ذلك، أصبحت حسابات كلفة أيّ اعتداء تختلف كثيراً عمّا كانت عليه سابقاً، في ظلّ تعزيز طهران موقعها في معادلات الرّدع الإقليمي والدولي، الأمر الذي يُضيّق خيارات تل أبيب (وواشنطن) العسكريّة، ويعمّق مأزقها الاستراتيجي. وممّا يعزّز موقف المفاوِض الإيراني، أيضاً، أنه على الرغم من الأثمان الكبيرة التي دفعتها إيران في مواجهة الضغوط الاقتصادية الأميركية القصوى عليها، إلّا أنها نجحت في إحباط هدف إسقاط النظام أو إخضاعه، كما حافظت على وحدتها الداخلية حول خياراتها الاستراتيجية بعدما اتّضح لجميع فئات شعبها عُقم الرهان على الانفتاح على الولايات المتحدة. وهكذا، لم يبقَ أمام الغرب وإسرائيل سوى المزيد من الشيء نفسه، في حين تلمِس تل أبيب أداءً أميركياً سياسياً وعملانياً، ترى فيه تشجيعاً لطهران على المُضيّ في خياراتها النووية والصاروخية والإقليمية، مع قدْر أكبر من الاطمئنان على أمنها ومصالحها. بناءً على ما تَقدّم، لم يبقَ أمام الإسرائيليّين سوى محاولة التأثير على النهج الأميركي، بما يشمل الإلحاح على تصعيد الضغوط على نحْو يكفل دفْع إيران إلى التراجع وتقديم التنازلات. والظاهر، في هذا الإطار، أن الإسرائيليّين لا يثقون بتلميحات الأميركيين إلى استعدادهم لدراسة خيارات بديلة في حال فشل الخيار الديبلوماسي، في ظلّ إدراك تل أبيب حرص واشنطن على عدم التورّط في مواجهة عسكرية واسعة مع طهران وحلفائها، فضلاً عن احتدام التنافس الأميركي مع الصين ومفاعيله على استراتيجية إدارة بايدن في المنطقة.
ولعلّ المُتغيّر الذي لا يقلّ حضوراً في كيان العدو، عن التهديد النووي الإيراني، هو التعاظم الكمّي والنوعي في قدرات «حزب الله» ومحور المقاومة عموماً. فإلى جانب المواقف والدراسات التي تتوالى عبر قنوات متعدّدة، تَكشف مناورات الجيش الإسرائيلي حجم مخاوف الكيان من تداعيات أيّ مواجهة، على الجبهة الداخلية، خصوصاً في ظلّ طروء مستجدّ نوعي غيَّر معادلات القوّة بشكل جوهري، والمقصود به تفعيل الصواريخ الأكثر دقّة، والمسيّرات التي تحوّلت إلى سلاح استراتيجي يراه بعض الخبراء أكثر خطورة من الصواريخ الدقيقة. هذه التحوّلات تَحضُر بقوّة على طاولة القرار الإسرائيلية، لدى دراسة الخيارات البديلة من زاوية كلفتها التي قد لا تُطاق، سواءً في فعل ابتدائي، أو حتى في خضمّ مواجهة متدحرجة. وما لا ينبغي أن لا يغيب عن البال، في هذا السياق أيضاً، هو أنه في عام 2015، كانت «داعش» وأخواتها تسيطر على أجزاء واسعة في سوريا والعراق وعلى مناطق جبليّة في شرق لبنان، أي أنه كانت هناك جبهة عسكرية مفتوحة ضدّ محور المقاومة لا تقلّ خطورة عن التهديد الإسرائيلي، أمّا اليوم فإن الوضع اختلف جوهرياً من هذه الزاوية.
مع ذلك، وعلى رغم المسار التصاعدي للتهديدات، لا تزال إسرائيل ممتنعة عن اللجوء إلى خيارات عمليّاتية دراماتيكيّة، كما فعلت في العراق عام 1981، وسوريا عام 2007، وفي حرب عام 2006 ضدّ «حزب الله» في لبنان. وهو ما يكشف، إلى جانب استنجادها العلني والمباشر بالولايات المتحدة، أثر التحوّلات الأخيرة على حدود قوّتها التي تزداد ضيقاً بمُضيّ الوقت. ومع أن الإسرائيليّين كثيراً ما يشخصنون الفشل، وتحديداً بوجه بنيامين نتنياهو وطاقمه السياسي والأمني بوصفهما مسؤولَين عمّا آلت إليه الأمور – وهذا صحيح -، إلّا أن الأدق هو أن إسرائيل والولايات المتحدة، كدولتَين، فشلتا في مواجهة إيران. وما استئناف المفاوضات في فيينا إلّا إقرار أميركي ودولي بالتوازنات المستجدّة في المنطقة، ومؤشّر إضافي إلى طبيعة اتجاهاتها المستقبلية، والتي لا تفتأ تُعظّم التوتّر الإسرائيلي، على رغم محاولة قادة الكيان تلطيف حدّته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار