مجلة وفاء wafaamagazine
مَن يسلك الطريق البحرية من عين المريسة (بيروت) باتجاه الروشة، يمرّ حتماً بمحاذاة استديو «تلفزيون المستقبل» سابقاً. المبنى الصغير تحوّل في تسعينيات القرن الماضي إلى نقطة تجمّع أساسية لسائقي «التاكسي» الذين كانوا يقسّمون المحطات التي يتوقفون فيها تبعاً لموقع استديو «تلفزيون المستقبل» الجغرافي، في إشارة إلى أن تلك البقعة الصغيرة في العاصمة كانت «استراتيجية» في «زمن البحبوحة» الوهمي. كان الاستديو جزءاً من مبنى عز الدين، الذي شهد وَضع أوّل حجر أساس للتلفزيون الذي أسّسه الرئيس الراحل رفيق الحريري (1944ــــ 2005) في تسعينيات القرن الماضي.
في هذا الإطار، عاد «تلفزيون المستقبل» إلى الواجهة، لكن ليس عبر أخبار عن إعادة إطلاقه بعد توقّفه منذ سنوات، بل عبر خبر هدم استديو الروشة وتسويته بالأرض! «رغم تدميره، سيبقى حيّاً في ذاكرتنا»، بهذه العبارة استرجع قدامى موظّفي «المستقبل» ذكرياتهم في الاستديو الذي لم يعد موجوداً. في أروقة هذا الاستديو، بدأت رحلة القناة التي أحدثت في التسعينيات ثورةً في مجال صناعة المادة الإعلامية بشكل عصري جذّاب، قبل أن يقرّر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إقفال التلفزيون قبل حوالى ثلاث سنوات على إثر الأزمة المالية التي ضربت مؤسساته الإعلامية وتراجع الدعم السعودي له.
في البداية، انتشرت صور حطام المبنى على صفحات السوشال ميديا، وراح موظفو «تلفزيون المستقبل» يستعيدون انطلاقتهم في المبنى، واتّسمت التعليقات بـ «نوستالجيا» إلى هذا المكان لما له من حيثية ثقافية وإعلامية في ذاكرة اللبنانيين. في المقابل، لم تُعرف الأسباب التي أدّت إلى تدمير الاستديو، بينما راحت بعض التعليقات تشير إلى أن السفارة السعودية في لبنان وضعت يدها على تلك المساحة. فما قصة استديو الروشة؟
في هذا السياق، يروي الإعلامي منير الحافي الذي يُعتبر من مؤسسي «تلفزيون المستقبل» لـ «الأخبار»، حكاية الاستديو، قائلاً: «كانت بدايات «تلفزيون المستقبل» من استديو موقّت في مدينة صيدا (جنوب بيروت)، قبل أن يقرر الحريري الأب شراء المبنى الذي كان مرتبطاً بما يسمى بـ «فيلا» عز الدين. تلك الأرض كانت عبارة عن محطة وقود حوّلها الحريري إلى استديو». يستعيد الحافي شريط ذكرياته، فيقول: «في هذا الاستديو، قدّمت أوّل نشرة أخبار في التلفزيون إلى جانب زميلتي الراحلة نجوى قاسم». لكن مَن يملك المبنى حالياً؟ يجيب الحافي: «كانت الأرض مفرزة من إرث الرئيس الشهيد ورثتها زوجته نازك التي لا تزال بحسب معلوماتي تملك العقار وأرادت استثماره لأن المبنى كان مشقّقاً. فقد تمّ حرق الاستديو في أحداث أيار 2008 ويومها أُتلف أرشيف «تلفزيون المستقبل» وبعض معدّاته التقنية من كاميرات وأجهزة. وكما يعرف الجميع، فإنّ المبنى مهجور منذ عام 2008 بعدما تقرّر انطلاق «المستقبل» الإخبارية من القنطاري (الحمرا) حيث مركزها الأساسي. لكن لا علم لي إذا كانت السفارة السعودية في لبنان قد وضعت يدها عليه. ما أعرفه أن قرار الهدم لا علاقة له بالسياسة أبداً، بل إن أصحاب العقار قرّروا استثماره ربما في مشروع معيّن».
الاخبار