الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / Landscapers: ما نقترفه أحياناً بدافع الحبّ!

Landscapers: ما نقترفه أحياناً بدافع الحبّ!

مجلة وفاء wafaamagazine

Landscapers أحدث تعاون درامي بين شبكتَيْ HBO الأميركية و«سكاي» البريطانية، أبصرت أولى حلقاته النور في السادس من كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي. يرسم المسلسل القصير المؤلَّف من أربع حلقات صورتَيْن حيّتَيْن لكن متباينتَيْن للجريمة نفسها: واحدة مدفوعة بالجشع واليأس، والأخرى بالحبّ.

البريطانيان «سوزان» (أوليفيا كولمان) وكريس إدواردز (ديفيد ثيوليس) هاربان في فرنسا. زوجان فضوليّان في منتصف العمر يرتديان معطفين قديمين وينتعلان حذاءين مقبولين. المال شحيح. فرنسية كريس المتعثّرة لا تساعد كثيراً في مقابلات العمل. لكن على الرغم من أنّهما يائسان، إلا أنّهما لا يزالان يحتفظان أحدهما بالآخر وبالحب الذي يعبّران عنه بطرق غير عادية. «أنا مستعدّة لتناول حبّة كرواسون مرميّة من سلّة المهملات من أجلك»، تقول سوزان لكريس. لا يزال لدى المرأة أفلامها العزيزة على قلبها، وخصوصاً تلك التي تنتمي إلى الويسترن الأميركي، في مكان ما للهروب إليه عندما يفوق كل شيء طاقتها على التحمّل. لكنّ الضغط يتصاعد، وحبّها لتذكارات هوليوود القديمة يستنزف احتياطيات الثنائي النقدية. والأهمّ أنّهما لا يستطيعان مواصلة الهرب إلى الأبد. هل هما قاتلَان؟ حتى هما لا يبدوان واثقين من الأمر!
مع ذلك، في إنكلترا تتزايد الأسئلة. بعد تلقّي بلاغ عن طريق زوجة والد كريس، تابيثا إدواردز، يقصد رجال الشرطة في نوتينغهام منزلاً في إحدى الضواحي، حيث يكتشفون جثّتَيْن مدفونتَيْن في الحديقة الخلفية. تشير حالتهما إلى أنّ الضحيّتَيْن ماتتا في الوقت الذي اختفى فيه والدا سوزان، باتريشيا ووليام ويتشِرلي، في عام 1998 (أي قبل 15 عاماً من الأحداث). وفي ظلّ عدم وجود مكان يذهبان إليه، ربّما حان الوقت لكريس وسوزان للعودة إلى الوطن والمواجهة. هذا ما يؤكّده الزوج حين يقول: «أعتقد أنّه كلّما ركضنا، سنبدو مذنبَيْن أكثر».
يحمل Landscapers توقيع إيد سينكلير (زوج أوليفيا كولمان وشريكها في الإنتاج) لناحية السيناريو، ويستند إلى قصة حقيقية. في حزيران (يونيو) 2014، سُجن البريطانيان «كريس» و«سوزان» الحقيقيّان مدى الحياة لقتلهما والدَيْ الزوج وسرقة 300 ألف جنيه إسترليني من أصولهما، في الوقت الذي بقيا يصرّان فيه على أنّهما بريئَان.
بين أيدٍ أقلّ مهارة، يمكن أن تكون نتيجة نقل رواية الجريمة الكلاسيكية هذه إلى الشاشة الصغيرة مخيّبة، غير أنّه من الواضح أنّ لدى HBO و«سكاي» طموحات أكبر. فإذا كان مفهوم سينكلير الجريء ونصّه يرفعان المسلسل إلى مستوى أعلى بكثير من متوسّط ​​دراما الجريمة التي اعتدنا عليها، فإنّ أسلوب ويل شارب الإخراجي هو ما يجعل Landscapers عملاً لا يُنسى. نحن أمام لغز جريمة قتل، لكنّه في الوقت نفسه كوميديا وقصّة حب وتأمّل في عمل إبداعي، وبطريقة ما، احتفال بغرابة اللغة الإنكليزية.
في الآونة الأخيرة، يفرض شارب نفسه كفنان قادر على اعتماد كلّ مدارس الإخراج. وهنا، كما في الكوميديا السوداء Flowers، يشعر المُشاهد بأنّ كلّ كادر أُنجز بعناية كبيرة بالتفاصيل. فـ Landscapers عمل تجريبي من حيث الشكل والنغمة، فيما ينزلق إلى أُحادية اللون من أجل اللقطات الرومانسية، من دون أن ننسى الانتقال عبر الزمان والمكان بسلاسة شديدة، بالإضافة إلى الحصّة الوافية للفن السابع.
كذلك، تتميّز التصميمات الداخلية بثراء نسيج الـ «روكوكو» (طراز تزيين داخلي ظهر في القرن الثامن عشر ويُعدّ امتداداً للباروك). حتى المرور في محطة القطار يصبح رائعاً بشكل غريب.
من ناحيتهما، يحوّل كولمان وثيوليس كلّاً من سوزان وكريس إلى ما يشبه بوني وكلايد: شخصان متشابكان حتى النهاية. يحصلان على الكثير من الوقت أمام الشاشة، ويرسّخان نفسيهما كشخصيتَيْن صبورتين يمكن تصديقهما. ينقلب تفاني الزوجة إلى عوز، بينما تعمي قسوة وضعهما رغبة الزوج في حماية العلاقة. نشعر بالأسف لكليهما، إذ ليس بالأمر الهيّن أن يستذكر المرء أحداثاً واقعية مروّعة. لكنّ أوليفيان كولمان وديفيد ثيوليس ليسا وحدهما من يقدّمان أداءً مميّزاً في Landscapers. هناك كيت أوفلين في دور «إيما لانسينغ» التي تشكّل مع «بول ويلكي» (صامويل أندرسون) ثنائياً بوليسياً ساخراً وسخيفاً.

العمل المؤلّف من أربع حلقات من كتابة إيد سينكلير وإخراج ويل شارب

يثبت Landscapers أنّ جانبَي القصّة يمكن أن يكونا صحيحَيْن، ولو كان النظام القضائي يتّسع لواحد فقط. يقول كريس في وقت من الأوقات: «في الأفلام، هناك الأخيار والأشرار، وأعتقد أنّه يتعيّن علينا قبول حقيقة أنّنا سنظلّ دائماً الأشرار بالنسبة إلى معظم الناس». ويضيف: «لكنّنا نحب بعضنا البعض يا سوزان، ولا يمكن لأحد أن يأخذ ذلك منا». بدلاً من محاولة تصحيح خطأ أو استغلال قصّة مؤلمة للترفيه السلبي (كما تفعل العديد من مسلسلات الجريمة الحقيقية)، تتيح هذه الحكاية الرومانسية مساحة للغز بينما تحترم احتمال أنّ هذَيْن الشخصَيْن فعلا ما فعلاه بدافع الحب. ربما تكون المحاكم ورجال الشرطة والعالم بأسره قد سلبوا «كريس» و«سوزان» قصّتهما ــ وأبعدوا أحدهما عن الآخر ــ لكنّ Landscapers يعيدها في نهاية المطاف عبر الشكل المفضّل لدى الثنائي: السينما.
صحيح أنّ هذا المسلسل قد يكون مستنداً إلى أحداث واقعية، لكنّه في الحقيقة يتمحور حول الأكاذيب: الأكاذيب التي نقولها للأشخاص الذين نحبّهم على أمل إسعادهم، أو ربما يوماً ما، لنفهمهم!