مجلة وفاء wafaamagazine
تُعقد اليوم جمعية عمومية لكل من شركتَي الخلوي «ألفا» و«تاتش»، لانتخاب مجلسَي إدارة جديدين. ويتردّد بين العاملين في «تاتش» أن وزير الاتصالات جوني قرم يسعى الى استبدال رئيسة المجلس الحالية حياة يوسف برئيس القسم التقني في الشركة سالم عيتاني، على أن يحلّ مدير العمليات علي ياسين مكان عيتاني. تغيير إن حصل، يدلّ على انتصار الفريق المؤيّد لتفعيل عقد «تاتش» مع شركة «باورتيك» بعد تعديله ومنح الشركة 30% من قيمته بالدولار النقدي. وتفعيل العقد يعني أن تصبح الشركة مسؤولة عن الوظيفة التشغيلية المتصلة ليس فقط بالصيانة والتطوير، وإنما بشراء المازوت للمحطات أيضاً. عرّاب تعديل العقد، هو وزير الاتصالات، وأداته التنفيذية عيتاني الذي أعدّ دراسة تروّج للعقد باعتباره يوفّر 35% من استهلاك المازوت، فيما ثمّة من يقول إن تقدير الاستهلاك مبالغ فيه أصلاً من أجل الترويج لأهمية «باورتيك» فقط
عام 2017، أيام الوزير جمال الجراح، وقّعت شركتا «تاتش» و«ألفا» عقداً مع شركة «باورتيك» لتطوير المحطات وصيانتها (صيانة البطاريات وتركيب أنظمة طاقة بديلة، وتزويد مولدات المحطات بالمازوت)… في «تاتش» لم يطبق من العقد سوى التطوير والصيانة، علماً بأنه في هذا الشقّ تواجه «باورتيك» شكاوى عدّة لجهة إنجاز الأعمال. رغم ذلك، سُجّلت ضغوط من وزراء الاتصالات المتعاقبين لغاية اليوم، لتعديل بنود العقود، وتفعيل كل ما لم يطبّق منها، ولا سيما قيام الشركة بتشغيل التجهيزات الجديدة وتوريد المازوت لمولدات المحطات. الشركة طالبت بتقاضي 30% من قيمة عقدها بالدولار النقدي، وزيادة هذه النسبة في حال ارتفاع أسعار المازوت وباقي التجهيزات. وبالتزامن، روّج الفريق التقني في «تاتش» أن تفعيل العقد سيخفّض أكلاف المازوت التي تستحوذ على 64% من إيرادات الشركة. ما فات هذا الفريق هو أن أكلاف المازوت في «ألفا» لطالما كانت أقلّ بنسبة 50% عما هي عليه في «تاتش»، وتكفي العودة إلى دراسات حول مصاريف الشركتين عن الفترة الممتدة من 2010 إلى 2018، والتي عرضت في لجنة الاتصالات والإعلام النيابية عام 2019.
ممانعة هذا التعديل في العقد، جاءت من رئيسة مجلس إدارة «تاتش» حياة يوسف والمدير المالي شربل قرداحي. أصرّ الاثنان على أن الالتزام بتسديد جزء من قيمة العقد نقداً بالدولار سيفتح الباب أمام موردين آخرين لمطالبة الشركة بالمعاملة بالمثل. بعد نقاش، اتُّفق على مضض أن يكون الجزء النقدي 20%، لكن وزير الاتصالات السابق طلال حواط رفعها إلى 25%، واليوم يحاول الوزير الحالي جوني قرم رفعها إلى 30%. رهان قرم على تعديل العقد مع «باورتيك» غير واضح، في ظل وضع مالي حرج تعانيه «تاتش» وعجزها البالغ 3.5 ملايين دولار، و21 مليار ليرة، و12 مليوناً بالدولار المصرفي. هذه الأرقام وردت إلى الوزير من الشركة.
ولتثبيت مطلب التسديد النقدي، طُلب من الفريق التقني في «تاتش» إعداد دراسة حول الوفر المحقّق. فخلصت الدراسة إلى الآتي: إن استهلاك «تاتش» الشهري من المازوت يبلغ 1.817.460 ليتراً، وتفعيل عقدها مع «باورتيك» سيخفّض الاستهلاك بنسبة 35%. واستندت هذه الدراسة إلى النظرية الآتية: تشغيل نحو 958 مولداً للكهرباء التي تغذّي المحطات لنحو 20 ساعة يومياً يتطلب استهلاك كل هذه الكمية من المازوت، من دون تقديم أي كشف دقيق لإثبات أن هذا الاستهلاك يحصل بالفعل، ولا سيما أن المراكز الأساسية التي تستفيد منها هيئة «أوجيرو»، ومحطات إرسال ربط المناطق بعضها ببعض، والتي لا تتوقّف عن العمل بتاتاً غير مشمولة بالدراسة. والمثير للشكوك أيضاً أنه لا وجود لأنظمة رقابة على المحطات لمنع عمليات الغش والسرقة، وخصوصاً أنه قبل أشهر انتشر مقطع فيديو يُظهر سرقة المازوت من إحدى المحطات.
تقول مصادر مطلعة إن دراسة الفريق التقني «مبالغ فيها» وهدفها تعبيد الطريق أمام تعديل العقد مع «باورتيك» بوصفها الشركة التي خفضت الإنفاق، علماً بأنه ليس من الضروري أن تكون كلفة الإنفاق المشار إليها في الدراسة حقيقية. فمن غير المنطقي، في ظل وجود بطاريات تكفي لتشغيل 4 ساعات يومياً، وتضاف إليها تغذية بالتيار الكهربائي من مؤسسة كهرباء لبنان بمعدل أربع ساعات يومياً، أن تعمل المولدات 20 ساعة يومياً. لذا، فإن الإيحاء بأن «باورتيك» ستخفض استهلاك المازوت هو فضيحة بحدّ ذاتها. ويعتقد المطّلعون أن نتائج الدراسة هي الأداة التي ستتيح لسالم عيتاني أن يصبح رئيساً لمجلس إدارة «تاتش» اليوم، بما أنها أدّت الغرض منها وروّجت لتصوير «باورتيك» المنقذ الوحيد. وبمعزل عن دقّة الأنباء المتعلقة بتعيين عيتاني وإطاحة يوسف، فإن الأهم في المسألة أن الترويج النظري لتعديل العقد لا يخدم مصلحة «تاتش» المملوكة من الدولة، بل يخدم فكرة خصخصتها وبيعها بالقليل لحفنة من الأثرياء الراغبين في تحويل استثماراتهم إلى أرباح مضاعفة.
من جهته، يدافع الوزير قرم عن تعديل العقد مع «باورتيك» وتفعيله، مشيراً إلى أنها تمكنت من خفض إنفاق «ألفا». لكن الوزير لم ينتبه الى أن الدراسات التي أعدّت في الشركتين عن مصاريفهما خلال 2010 – 2018، عُرضت في لجنة الاتصالات النيابية، وتبيّن أن أكلاف المازوت في «ألفا» كانت على مرّ السنوات أقلّ من أكلاف «تاتش» بمقدار النصف. «تاتش» تنفق ضعف ما تنفقه «ألفا» قبل توقيع الأخيرة مع «باورتيك وبعده». فعلى سبيل المثال: عام 2012 بلغت كلفة تشغيل محطات «ألفا» من المازوت 4 ملايين و956 ألف دولار، بينما بلغت في «تاتش» 10 ملايين و373 ألفاً. وفي عام 2013، بلغت في «ألفا» 6 ملايين و674 ألفاً، وفي «تاتش» 11 مليوناً 451 ألفاً. فما الذي سيحققه قرم بالعقد مع «باورتيك»؟ طالما أن هذه الدراسات التي عُرِضَت في لجنة الإعلام والاتصالات في عام 2019 تُعيدنا إلى لبّ الموضوع. الخلل في إدارة «تاتش» نفسها.
«تاتش» ستدفع بالدولار النقدي مقابل عقد «باورتيك» غير مضمون النتائج
«الأخبار» حملت هذه الوقائع والأسئلة إلى الوزير قرم، إلا أنه امتنع عن الردّ منذ أكثر من 10 أيام على الآتي:
– لماذا وافق قرم مع «باورتيك» على إعطائها 30% من قيمة العقد مع «تاتش» بالدولار النقدي، والشركة تنازع مالياً؟
– هل هو راضٍ عن أداء «باورتيك» في «ألفا» وسط الشكاوى الكثيرة لمستخدمي الشركة من انقطاع الخدمة، وتحديداً في البقاع وعكار حيث المازوت مفقود من محطات تلك المناطق في كثير من الأحيان؟
– لماذا يسير على خطى أسلافه بقبول الدفع من المال العام لشركةٍ (باورتيك) لا رقابة على أعمالها، إذ إن أنظمة الرقابة معدومة في كل محطات «ألفا» و«تاتش»، ما يشرّع الباب أمام السرقة والفوضى؟
– لماذا الإصرار دائماً على الاستعانة بعقود خارجية (outsourcing)، تزيد من نفقات شركات الخلوي، كعقد «باورتيك»، بدلاً من الاستفادة من الكادر البشري في القسم التقني داخل الشركات نفسها للقيام بأعمال الصيانة وجعلها جزءاً من مهامه لزيادة إنتاجيته. هو ذاته الفريق معدّ الدراسة المذكورة أعلاه، ما يجعل طلب التأكد من دقة أرقامه وحيادية استنتاجه منطقياً؟
– ألا يعتقد الوزير بضرورة تفعيل دور الهيئات الرقابية كديوان المحاسبة والتفتيش المركزي وهيئة القضايا، في ملف المازوت لدى الشركتين في ضوء الفروقات بين فاتورتيهما من المازوت منذ عام 2010 إلى الآن؟
– أليس الأجدى فتحِ تحقيقٍ في فواتير الشركتين منذ عام 2012، تاريخ انتقال المصاريف التشغيلية لتصبح على عاتق الدولة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحل المشكلة من جذورها، عوضاً عن الإصرار على تسليم جهة ثالثة مسؤوليات كبيرة وأساسية، في ظلّ الظروف الدقيقة التي يمرّ بها القطاع، فضلاً عن تكبيده نفقات إضافية، أم أن الوزير سيعتمد مبدأ المحاسبة اللاحقة، التي لم تأت بثمارٍ في ما خص وزارة الاتصالات في عهد الوزيرين طلال حواط ومحمد شقير، والأمثلة كثيرة؟
لجنة الاتصالات
في نقاشها لملف المازوت، انطلقت لجنة الاتصالات من رقم مليون و800 ألف ليتر الوارد في دراسة «تاتش» كحاجة شهرية. وبحسب المعلومات، فإن رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن أوصى بتفعيل العقد مع «باورتيك» والنواب وافقوا. المستغرب أن النقاش الذي كان من المفترض أن يدور حول معرفة حجم سرقة المازوت والمسؤولين عنها، انحرف إلى البحث في عقد «باورتيك» كسبيل لخفض النفقات، وكأن السرقة ستتوقف بمجرّد إبرامه.
مبنى «تاتش»
عام 2019، أقرّت لجنة الاتصالات بوجود هدرٍ وفسادٍ في قطاع الاتصالات، وطلبت تشكيل لجنة برلمانية تحقق في صفقة مبنى شراء «تاتش» على جسر الرينغ وملفات أخرى، منها أكلاف المازوت غير المنطقية والمتفاوتة بين شركتَي الخلوي. يعود المازوت اليوم إلى الواجهة، ويطغى على ما عداه كملفٍ باتت معالجته ملحّة، نظراً إلى الارتفاع الهائل في كلفته بفعل انهيار الليرة أمام الدولار. مضت سنوات ثلاث والتحقيق البرلماني في صفقة المبنى لم يُفعّل، بينما النواب الذين وقّعوا عريضة تشكيل لجنة التحقيق ومن بينهم نقولا نحّاس وجهاد الصمد والحاج حسن، لا إجابة لديهم عن سبب التجميد.
إخبار عدوان
يفترض بالإخبار المقدّم من النائب جورج عدوان، لدى المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، حول هدرٍ في مادة المازوت بنسبة 40% من قبل «تاتش»، أن يفتح باباً يؤدّي إلى تحقيق جدّي، لكنه لم يدفع لجنة الاتصالات ولا الوزير إلى التوقف عند ضرورة إجراء التحقيقات قبل اتخاذ موقفٍ من عقد «باورتيك».
أين ديوان المحاسبة؟
سبق لديوان المحاسبة أن أرسل إلى وزير الاتصالات السابق طلال حواط أسئلةً عن خططه وميزانياته من دون أن يحصل على جواب. الديوان يعلم بمشكلات القطاع، وكان يتابعها، والبلد ضجّ بمصاريف «تاتش» غير المنطقية، لذلك، وكجهة رقابية، يفترض بالديوان ألّا ينتظر طلب تحرّكه وأن يتحرّك من تلقاء نفسه.
الاخبار