الأحد 24 تشرين الثاني 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
رأى عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، خلال احتفال تأبيني في حسينية بلدة الخيام، أن “هناك بعدين للأزمة المالية الاقتصادية والسياسية التي نعيش فيها اليوم، بعد داخلي وآخر خارجي. ففي ما يتعلق بالبعد الداخلي، نحن لدينا في لبنان عدة أسباب لما وصلنا إليه اليوم، أحدها النظام الطائفي، وكذلك السياسات الاقتصادية الخاطئة على الأقل من التسعينيات إلى اليوم، فلبنان اليوم يأكل ويلبس مما يستورده من الخارج، ولكن قبل التسعينيات وتحديدا في مراحل السبعينيات والستينيات، كان الاستيراد أقل بكثير، وللأسف تركنا الأرض والعمل، وهذا بسبب سياسات الدولة، فأموالنا تذهب إلى الخارج، إما لاستيراد السلع، أو لدفع أجور العمال والعاملات، فهذا هو الواقع، وهذه هي السياسة الاقتصادية الخاطئة التي أدت إلى فقدان العملة الأجنبية وتحديدا الدولار في البلد، وسلمنا البلد إلى ما سمي اقتصاد الخدمات والمصارف، وبات الشعب اللبناني وكأنه عامل عند المصارف، والولايات المتحدة التي كانت تدعي دائما حرصها على القطاع المصرفي، رأينا أين أوصلته اليوم.
وقال: “إن الأمر الآخر في العوامل الداخلية هو الفساد المستشري في مؤسسات الدولة اللبنانية، من أعلى مسؤول إلى أدنى موظف، فكل المنظومة فاسدة، وأينما نذهب في الدولة نرى الفساد، من مخفر الدرك إلى النفوس إلى الدوائر العقارية إلى الوزرات وصولا إلى الإدارات، فحيث نمد يدنا نجد أن هناك فسادا، وهذه المنظومة لم تأت بالصدفة، فكان هناك سياسة إفساد، حيث يتم التغيير والتبديل عبر دفع الأموال والرشاوى، وبالتالي أفسدت الدولة اللبنانية بقرار حتى يتم الاستيلاء على مقدراتها وثرواتها”.
وأضاف: “هناك من يسأل أين كانت المقاومة خلال تلك الفترة، ونحن نقول لكل من يسأل بصدق، بأننا كنا مشغولين بحماية الناس، وكان الآخرون مشغولين بسرقة أموالهم، فمن العام 1992 عندما أجريت أول انتخابات وبدأت الحكومات تتشكل، كنا معارضة، ومن يعود إلى أرشيف تلك المرحلة، يعرف موقف كتلتنا، ولم نكن في أي حكومة من الحكومات من العام 1992 حتى العام 2005، كنا في المقاومة نقاتل العدو، وكان هناك من يتقاتل على الأموال وجمع الثروات والاستيلاء على الإدارة وتركيب منظومة الدولة، لتكون منظومة محاصصة، ونحن لم نكن في داخل هذه السلطة، ونقول أكثر من ذلك، نحن كنا نعمل على حماية مقاومتنا، لأنه كان هناك من يتآمر على هذه المقاومة حينما كانت تطل على أي ملف من هذه الملفات، وقلنا بأنه علينا أن نحرر البلد، لأنه لو لم نحرر البلد، فلما كان هناك دولة ولا مؤسسات”.
وأردف: “في العام 2005 دخلنا إلى الحكومة، وكان هناك أكثرية في مجلس الوزراء من فريق سياسي، وكنا حين نطرح أي فكرة، يقولون لنا علينا أن نذهب إلى نظام التصويت، وعندما نذهب إلى التصويت، كان خيارنا يسقط بعدد الأكثرية، وجاءت حرب تموز، ومن العام 2005 إلى 2017 كانت هذه المقاومة مشغولة بحماية لبنان، إما في لملمة تداعيات الحرب وآلامها وجروحها، وإما في متابعة هذه الأزمة السياسية التي نشأت على خلفية الموقف من الحرب، إلى أن دخلنا أيضا مرة أخرى بدمائنا لحماية دماء وأعراض اللبنانيين في مواجهة المشروع التكفيري”.
وأشار إلى أنه “من العام 2011 إلى العام 2017، كانت أولوية المقاومة أن تحمي الوجود والنفوس قبل أن نحمي الفلوس، لأنه إذا أزهقت الأنفس، فلا يعود هناك القيمة للأموال، وبالتالي، فإن المقاومة لم تكن جزءا من هذه السلطة ولا من هذه المنظومة، كانوا يبنون هذه المنظومة، ونحن كنا مشغولين في الدفاع عن بلدنا”.
ولفت إلى أن “المرة الأولى التي أطلينا بها بكل إمكاناتنا وقدراتنا كانت في انتخابات عام 2018، فعندما أطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مشروع مكافحة الفساد، كان ذلك بسبب التقارير المالية والاقتصادية التي وصلت إلى حزب الله، حيث رأينا أن البلد متجه إلى الهاوية إذا أكمل في نفس الطريقة، وبدأنا هذه المعركة إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من هذه الأزمة”، مؤكدا “الاستمرار بالتصدي مع كل الشرفاء في لبنان لهذه الضغوط الأميركية، حتى نمنع الولايات المتحدة من فرض شروطها على بلدنا”.
وقال: “عندما طرح ملف مكافحة الفساد، وبدأنا تجميع الملفات والمستندات وذهبنا إلى القضاء، كان هناك من يشكك ويطرح التساؤلات، وهناك من حاول أن يحبط العزائم والمساعي، ولكن نحن نعمل وفق رؤيتنا وتكليفنا الشرعي والوطني، فذهبنا إلى القضاء، وقدمنا له ملفات دسمة، بعضها فيه المئات من الأوراق، وفيها أسماء كبيرة”.
أضاف: “اليوم نتيجة المناخ الذي حصل في البلد تحركت السلطة القضائية، وبدأت تستدعي وتدعي، وهذه الإجراءات جيدة ولكنها غير كافية، ونحن مطلبنا أن يحول كل المدعى عليهم إلى قضاة التحقيق، وأن يذهبوا إلى القضاء العدلي المختص، لا أن يحولونهم إلى محكمة خاصة اسمها المجلس الأعلى، ونحن قدمنا اقتراح قانون من أجل أن يحاكم المتهم أمام القضاء المختص، فالقضاء هو الذي يدين وهو الذي يبرئ، وعليه أن يستعيد الأموال المنهوبة، فلا يستطيع أحد أن يبرئ نفسه ولا يدين الآخرين، والمدان يجب أن يوضع وراء القضبان أيا يكن مستواه، ويجب أن لا يكون هناك أي حصانة على أحد”.
وشدد على “ضرورة أن تسقط كل الحصانات القانونية والدستورية والسياسية والطائفية والمذهبية، ولا سيما أن الفرصة مؤاتية لنضع هؤلاء السارقين والناهبين وراء القضبان، وهناك إمكانية لفعل لك، ولا يتذرعن أحد بالوضع الطائفي والمذهبي، أليس الذين سرقوا مال الناس يسرقون اليوم أحلامهم، وعليه، فإن ها المسار لا يحتاج إلى حكومة، وإنما إلى عدد من القضاة الذين لديهم الجرأة بأن يأخذوا قرارات، ونحن قلنا لهم ابدؤوا من عندنا”.
وفي ما يتعلق بتشكيل الحكومة، أكد فضل الله أن “التواصل مستمر، والمشاورات قائمة، والتنسيق بيننا وبين حلفائنا على قدم وساق من أجل أن يكون هناك إمكانية لإنجاز تكليف تمهيدا للتأليف، بما يتلاءم مع الظروف الاستثنائية والخاصة للمرحلة الحالية، ونحن نريد لهذا التواصل أن يؤدي إلى نوع من التفاهم، فالبلد يحتاج إلى جميع المخلصين، وإلى الكتل الأساسية التي عليها أن تتشارك في حمل العبء، خصوصا أولئك الذين كانوا في السلطة من التسعينيات إلى اليوم”.
وتابع: “هناك حوار نساهم فيه مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري من أجل أن نصل إلى أرضية مشتركة، نتمكن فيها من تكليف رئيس للحكومة وتأليف حكومة، التي عليها أعباء ومهمات إصلاحية بعضها موجود في الورقة الإصلاحية، وبعضها الآخر نحن حاضرون وجاهزون لكي نقدمه للحكومة الجديدة من أجل أن تنهض بالبلد، وهناك فرص، فلا يهولن ويحبطن أحد الشعب اللبناني، لأن جزء من هذه الأزمة هو سياسي وليس مالي واقتصادي، وحتى ما يحصل في المصارف اليوم، فالإجراءات التي قامت بها المصارف زادت من الهواجس عند اللبنانيين، وهذا القطاع الذي كانوا يتغنون به بأنه عنوان الثقة، هم بأدائهم هزوا الثقة به، وعليه، يجب أن تكون أموال اللبنانيين محفوظة، ولا يفكرن أحد أنه بإمكانه أن يضيع على اللبنانيين أموالهم بأي إجراءات وسياسيات يتخذها”.
وشدد على أن “مسؤوليات جسام تقع على عاتق الحكومة المقبلة، من بينها الإصلاحات، وبالأخص إصلاح الإدارة التي جزء كبير منها فاسد، تماما كما نطالب القضاء بأن يطهر نفسه من الفاسدين، وأن يعيد الثقة به، وأن تعمل الحكومة على دعم الاقتصاد المنتج، ولا سيما أن بلدنا فيه خيرات كثيرة، ويمكنها أيضا أن تدعم الزراعة والصناعة، وتستطيع أن توفر فرص عمل للشباب، وأن تحد بشكل كبير من الهدر، وتوقف الفساد، لأنه بعد الذي حصل في لبنان، لا أحد يقبل لا بوزير ولا بموظف ولا بقاض فاسد، ولا بأحد يتلطى بطائفته ومذهبه وحزبه من أجل أن يحمي ما نهبه”.
وأكد أن “الشعب اللبناني شعب منهوب، والدولة اللبنانية دولة منهوبة، ولكن فيها إمكانات وأموال، وإذا عملنا بطريقة صحيحة، يمكننا أن نخرج بلدنا من هذه الأزمة، فهناك أمل في المستقبل، لأنه جزء مما يحصل هو تهويل وضغوط سياسية ومحاولة بعض الأفرقاء في الداخل الذين ركبوا موجة وجع وآلام الناس أن يحصلوا مكاسب سياسية على حساب هذه الأوجاع، ونحن نعرف أن هناك أناسا صادقين وموجوعين، ولكن الذين يحاولون أن يقطفوا ويستثمروا من أبالسة السياسة اللبنانية والدولية، هم الذين سرقوا لقمة العيش والأموال ويحاولون اليوم سرقة أحلام اللبنانيين”.
وفي ما يتعلق بالبعد الخارجي، شدد فضل الله على “اننا نواجه ضغطا أميركيا مباشرا، لتحقيق جملة من الأهداف أبرزها السياسية والاقتصادية والمالية، فالضغط الاقتصادي من خلال منع لبنان من أن يفتح أبوابه لدول أخرى كالصين وروسيا وإيران، ومن أن يصدر عبر المعابر باتجاه سوريا، وأما الضغط المالي فهو من خلال العقوبات، وهذه الضغوط ناجمة عن فشل الخيارات الأخرى التي لجأت إليها أميركا”.
ولفت إلى أنه “إذا نظرنا اليوم إلى المحور التي تقوده أميركا، نجده يتخبط، فالرئيس الأميركي مهدد بالعزل، ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي نتنياهو بات أمام المحاكم، ومدعى عليه بتهم الفساد، وهما ركيزة “السيبة” ، وعاموداها الأساسيان، إضافة إلى بعض دول الخليج، ولكن هذه “السيبة” اهتزت، وبدأنا نرى أن المحور الأميركي اليوم ينتقل من فشل إلى فشل”.
وأشار إلى أن “أميركا ومن معها بعدما فشلوا في سوريا والعراق واليمن إضافة إلى محاولاتهم البائسة والفاشلة في إيران وفلسطين، جاؤوا إلى لبنان ظنا منهم أنهم من خلال ضغوطهم، يستطيعون الحصول على جائزة ترضية، وبالتالي فهم يريدون التعويض عن فشلهم بفرض إملاءاتهم على بلدنا، وإحياء مشروعهم من جديد في لبنان لصالح الكيان الإسرائيلي، ولكننا في لبنان لا يمكن لنا أن نسمح لهم أن يأخذوا جائزة ترضية”.
وقال: “إن واحدة من عناصر هذا المشروع هو النفط والغاز، فهذا البلد يؤمل أن ينهض ويصبح قادرا على العيش برفاهية عندما تتم الاستفادة من ثرواته النفطية والغازية، ولذلك فإن واحدة من الشروط الأميركية على لبنان تكمن في موضوع ترسيم الحدود، وهم يعتبرون أن المقاومة هي الحاجز المانع أمام تحقيق مشروعهم بإفادة إسرائيل حتى من ثرواتنا، أو بوضع يدهم على هذه الثروة، أو بمنع لبنان من الاستفادة منها، حتى لا يصبح مستقلا على المستوى الاقتصادي والمالي، وبالتالي يصبح أكثر تحررا في خياراته السياسية، بما فيه على مستوى السلطة في لبنان، لأنه إذا أصبح لدى لبنان الإمكانات المالية مع قوته في مقاومته وجيشه وشعبه، فلا يعود بحاجة إلى القروض والمساعدات، ولا يرتهن لا لبنك دولي ولا لبنوك عربية، ولا لدول أو أموال تأتي من هنا وهناك، ويصبح أكثر استقلالا وحرية”.
وأردف: “إن الأمريكيين يضغطون الآن ويحاولون فرض إملاءاتهم وشروطهم حتى على تشكيل الحكومة من أجل أن يمرروا مشاريع أخرى، واحدة منها لها علاقة بصفقة القرن، وعلينا أن نتذكر أن لبنان كان دائما المكان الذي يريد الكيان الصهيوني تهجير فلسطينيي 48 إليه، وجزء من صفقة القرن هي توطين اللاجئين، واليوم أيضا هناك ملف آخر، ألا وهو ملف النازحين السوريين، وعليه، فإن الولايات المتحدة الأميركية مع دول كثيرة، تريد أن تبقي هؤلاء النازحين في لبنان، ولذلك تضع فيتو على بعض الأسماء للتوزير، لأنها تواجه موضوع النازحين وتتصدى له”.
وأوضح أن “واحدة من الأهداف الأميركية في لبنان هي إضعاف المقاومة، لأنها تشكل حاجزا أمام صفقة القرن وأطماع إسرائيل وإمكانية أن تستبيح بلدنا مرة أخرى، وكذلك تشكل حاجزا مع حلفائها أمام إبقاء النازحين في لبنان، وحاجزا مانعا أمام الاستيلاء على الثروات”.
واعتبر النائب فضل الله أنه إا أردنا أن نعرف أهمية مقاومتنا وصمود شعبنا، علينا أن نقرأ بما تحدث فيه فيلتمان من أيام، حيث تحدث عن الضغط على لبنان إلى حد أن لا تصل الأمور إلى حرب أهلية، لأنه حسبما قال بأن حزب الله في لبنان يمكنه أن يسيطر على البلد خلال ساعات، وعليه، فإننا يمكننا أن نقول بأن قوة المقاومة اليوم تمنع حربا أهلية، وثباتها يحمي الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، ولو أننا ضعفاء، لكانوا افتعلوا لنا حربا أهلية تماما كما فعلوا في العام 1975، ونسي البعض أنه في لك العام، قال “كاسينجر” لأهلنا المسيحيين بأن البواخر موجودة في البحر، وبإمكانكم أن تغادوا عبرها”.
وختم فضل الله: “اليوم لولا وجود هذه المقاومة، لكانت افتعلت أميركا حربا أهلية، ولكانت إسرائيل استباحت هذا البلد تماما كما فعلت في العام 1976، وبلدة الخيام تشهد على ما ارتكبه العدو من مجازر عندما كان لبنان ضعيفا، ولذلك فإن هذه المقاومة ليس فقط أنها حررت وحمت البلد من العدو الإسرائيلي والتكفيري، وإنما هي اليوم من صمامات الأمان في منع انزلاق لبنان إلى أي فتنة أو إلى أي حرب أهلية، سواء من خلال قرارها بالحفاظ على الأمن والسلم في لبنان، أو من خلال امتناع أعدائنا عن إثارة الفتنة خوفا من قوتنا، والجميع رأى مشاهد قطع الطرقات، ولولا صبر شعبنا وحكمة قيادتنا، لكنا رأينا البلد انزلق إلى متاهات لا ندري إلى أين تؤدي”.