مجلة وفاء wafaamagazine
– سلامة كان يطبع عملة ثم يدّعي أنها أرباح حققها المصرف
رضوان مرتضى – الأخبار
تواطأت قوى الأمن لحماية حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة ومنعت تنفيذ قرارٍ قضائي بأمرٍ من مديرها العام اللواء عماد عثمان. شكّل عناصر قوى الأمن سدّاً منيعاً حال دون إحضار سلامة، ليخرج عثمان ببيانٍ ينفي منع عناصره تنفيذ مذكرة إحضار قضائية، فيما تفيد الإفادات المدوّنة في المحاضر بأنّ عناصر قوى الأمن أكّدوا تلقّيهم أوامر منه بعدم الاستجابة. فماذا حصل فعلاً؟
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فارّ من العدالة في سابقة في تاريخ لبنان ــــ والعالم ربما ــــ بعدما توارى عن الأنظار إثر مذكّرة إحضارٍ سطّرتها بحقّه المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون بعد تخلّفه عن الحضور أمامها ثلاث مراتٍ متتالية.
صباح أمس، دهم عناصر أمن الدولة منزلَي سلامة في الرابية والصفرا ومقرّه في مصرف لبنان، ليتبيّن أن الرجل كان مستعداً لـ«المواجهة» بإجراءات بسيطة. فعندما وصل عناصر أمن الدولة إلى منزل الرابية صباحاً، وجدوا الأبواب موصدة. قرعوا الجرس مراراً ونادوا على من في الداخل، من دون أن يتلقّوا جواباً. عندها، أبلغوا عون بالأمر، فطلبت منهم الدخول بأي طريقة. ولدى تخطّي العناصر البوابة الخارجية، «ظهر» عناصر الحراسة وعرّفوا عن أنفسهم بأنهم «قوى أمن»، ومنعوا عناصر أمن الدولة من الدخول. وعندما أبرز هؤلاء أمراً قضائياً ومذكرة خطية صادرة عن القاضية عون موجهة للعناصر الأمنية بعدم اعتراضهم، رفض الحرّاس التبلّغ بذريعة «أنّنا ننفّذ أوامر اللواء عماد عثمان»، طالبين من عناصر أمن الدولة المغادرة كي لا يحصل تصادم و«تخربوا بيوتكم»! إلا أنّ الأمر لم يصل إلى حد تلقيم العناصر أسلحتهم، كما جرى تداوله أمس، وهو ما يتبيّن في فيديو مصوّر لدى أمن الدولة وفي كاميرات المراقبة في منزل سلامة.
المشهد نفسه تكرر أمام المصرف المركزي. أُغلقت البوابات الحديدية، ورفض عناصر قوى الأمن الموجودون وراءها تبلّغ الإشارة القضائية، وأبلغوا دورية أمن الدولة: «نحن غير مخوّلين السماح لكم بالدخول». وبدا واضحاً لعناصر الدورية أنّ هناك قراراً واضحاً باعتراضهم من دون مواجهة، إلا إذا استلزم الأمر. فانسحبوا بناءً على أمر قيادتهم، قبل مشاورة القضاء وإبلاغ عون بتعذّر دخولهم.
إفادات العناصر دُوّنت في محاضر موجودة في عهدة القاضية عون التي استندت إليها للادعاء على عثمان بجرم مشهود لإعاقة سير العدالة ومنع تنفيذ استنابة قضائية. وأكّدت أنّ هناك محضرين رسميين من أمن الدولة يوثقان ما حصل، إضافة إلى فيديو يُثبت أنّ منع تنفيذ مذكرة الإحضار حصل بأمر من عثمان.
وأصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي لاحقاً بياناً بواسطة شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن، قال فيه إنّ «قوى الأمن الداخلي لم تمنع دورية لأمن الدولة من تنفيذ مذكرة الإحضار بحق حاكم مصرف لبنان»، مذيّلاً البيان بأنّه «أجرى اتصالاً بالمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا للتأكيد على ما ورد في البيان في إطار التنسيق المستمرّ بينهما».
إلا أن على عثمان شرح التناقض بين البيان الذي نفى تدخّله، وبين إفادات عناصره في محاضر رسمية عن تلقّيهم أمراً مباشراً منه بعرقلة عمل أمن الدولة، عندما يمثل أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور. إذ إنّ ارتكابه جرماً مشهوداً سيحرمه من حماية وزير الداخلية بسام المولوي المتمثلة بحجب إذن حضوره أمام القضاء.
أضف إلى ذلك أن عثمان أورد في بيانه الكثير من الألغاز، وتعمّد إغفال حقيقة أنّ قوى الأمن مكلفة بأعمال الضابطة العدلية. إذ أشار إلى وجود نقطة لقوى الأمن الداخلي موضوعة منذ فترة، «بأمرٍ من الرؤساء»، لحماية الحاكم من أي تهديد أمني بعد ورود معلومات بهذا الخصوص.
لكنه لم يذكر من هم هؤلاء «الرؤساء»، وما إذا كان الخطر على الحاكم مصدره عناصر أمن الدولة ليمنعهم عناصره من أداء واجبهم. أضف إلى ذلك، كيف يُعقل أن يشير المدير العام إلى أنّ عناصر النقطة الأمنية غير مخوّلين التدخّل أو التبليغ، علماً بأنهم من عناصر الضابطة العدلية التي مهمتها معاونة القاضي.
وبعد إخفاق أمن الدولة في إتمام المهمة التي أُبلغ بها سلامة مسبقاً، لم يحصل ما توقّعه الجميع. إذ لم تصدر عون بلاغ بحث وتحرّ في حقه وتُحيل الملف إلى قاضي التحقيق، كما توقع سلامة، لكي يتقدم وكلاؤه بدفع شكلي، بل عمدت إلى طلب تكرار إحضاره، ما أثار إرباكاً في كل من أمن الدولة وقوى الأمن الداخلي. فهل تتكرر المسرحية نفسها؟
وكانت عون قد طلبت حضور سلامة كشاهد ثلاث مرات، وبعدما تقصّدت استنفاد كل الطرق لإبداء حُسن النية، أصدرت مذكرة إحضار في المرة الرابعة لرفضه المثول أمامها. وتختلف مذكرة الإحضار عن مذكرة التوقيف، إذ إنّ الأمر واضح للعناصر الأمنية بإحضاره أمام القضاء للاستماع إلى إفادته.
كان واضحاً أن هناك قراراً بمنع وصول أمن الدولة إلى سلامة ولو حصلت مواجهة
أما عن حيثيات الملف الذي يلاحق فيه سلامة، فقد علمت «الأخبار» أنّ الطلب جاء بناءً على تحقيق تجريه عون استمعت فيه إلى إفادات عدد من الموظفين الحاليين والسابقين في المصرف المركزي والمدير العام السابق لوزارة المالية آلان بيفاني، علماً بأنّها تحرّكت بناءً على ما اعتبرته إخباراً ورد في مقال لبيفاني ذكر فيه أنّ سلامة خبّأ خسائر بالمليارات مانعاً المعنيين من الاطلاع على أيّ من المستندات.
وقد توافرت لدى عون مستندات تعزز هذه الشبهات، وتفيد بأنّ حاكم المركزي خبّأ خسائر قُدّرت بـ ٥٥ مليار دولار. وذكر عدد ممن استجوبتهم عون أن سلامة كان يطبع عملة ثم يدّعي أنها أرباح حققها المصرف. كذلك تبيّن أنّ الحاكم أعطى في عام ٢٠١٩ قروضاً لثلاثة من كبار المصارف (عوده وسوسيتيه جنرال وبنك البحر المتوسط) بلغت نحو سبعة مليارات دولار.
وقال مدير مديرية القطع والعمليات الخارجية في مصرف لبنان نعمان ندور في إفادته إنّ القروض أُعطيت لعدم امتلاك المصارف المذكورة السيولة، وقد مُنِحت هذه القروض لكي تدفع إلى زبائنها في الخارج، على أن تعيدها وفق سعر الصرف الرسمي (١٥٠٠ ليرة). أي أنّ المصرف المركزي منح، في عزّ الانهيار، ثلاثة مصارف عملات أجنبية لتحوّلها إلى الخارج. كما استندت عون إلى ادعاء مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام» بأنّ المصرف المركزي والمصارف اجتذبت أموال المودعين عبر الاحتيال والادعاء بأنّ الليرة بخير، إضافة إلى ملف يتعلق بشقّة في باريس تسكنها والدة ابنته ويحوّل شهرياً ٥٠ ألف يورو لدفع إيجار لها!