مجلة وفاء wafaamagazine
على رغم إدراكه أن الغارات الجوّية التي قاربت 300 ألف غارة منذ بدء الحرب عام 2015، لم تَعُد مجدية، وأن لا أهداف جديدة يمكنه إضافتها إلى بنكه العسكري، كثّف التحالف السعودي – الإماراتي، أخيراً، عمليات استهدافه للأعيان المدنية اليمنية، وعلى رأسها قطاع الاتصالات، في ما يبدو توطئة للاستيلاء على هذا القطاع، ونقله إلى عدن عبر واجهة يمنية متمثّلة في حكومة عبد ربه منصور هادي
صنعاء | مطلع الأسبوع الجاري، أعلن المتحدّث باسم التحالف السعودي – الإماراتي، تركي المالكي، العزم على استهداف مواقع مدنية «تُستخدم لأغراض عسكرية»، وذلك بعد ساعات من إعلان المتحدّث باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، «تمكُّن سلاح الجو المسيّر من استهداف موقع عسكري هامّ في مطار أبها بطائرة مسيّرة من نوع قاصف 2K». وعلى رغم أن الهجوم على المطار، الذي يُعدّ «من المطارات التي تُستخدم للأعمال العسكرية ضدّ اليمن» بحسب سريع، نُفّذ بواسطة طائرة متشظّية واحدة، إلّا أنه كان مؤلماً، وفق ما تشير إليه التداعيات الناتجة منه؛ إذ سارعت الرياض إلى حشد إدانات دولية على خلفيّته، قبل أن تردّ بشنّ سلسلة هجمات على العاصمة اليمنية، استهدفت مناطق سبق قصْفها بمئات الغارات، كقاعدة الديلمي ومناطق الحفا وعطان والتعدين. وكون نتائج قصف المقصوف عدمية، أعلن «التحالف» عزمه تنفيذ عمليات جوّية في صنعاء خلال 72 ساعة، ستشمل «مواقع مدنية تُستخدم عسكرياً»، ليضع فجر الإثنين الفائت مؤسّسات الدولة المدنية في قائمة أهدافه الجديدة، مطالباً المدنيين بإخلاء الوزارات والمؤسّسات العامة بشكل فوري.
وكالعادة، كان قطاع الاتصالات اليمني أوّل أهداف العدوان الجديد، على الرغم من أنه محميّ بموجب القانون الدولي كأعيان مدنية، إذ أعلنت وزارة الاتصالات في صنعاء تعرُّض المؤسّسة العامة للاتصالات في حيّ الجراف لسلسلة غارات، أدّت اثنتان منها إلى تدمير مقرّ الشركة الوطنية للاتصالات الدولية «تيليمن» بشكل كلّي. وأكدت الوزارة أن قطاع الاتصالات اليمني «قطاع خدمي لا علاقة له بالصراع»، مجدّدة التحذير من انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت بالكامل عن المواطنين في المحافظات كافة. وعلى رغم ما خلّفته الغارات من دمار في شركة «تيليمن»، أدّى إلى انقطاع الاتصالات الدولية كلّياً بين اليمن ودول العالم، عاود الطيران، مساء اليوم نفسه، استهداف الشركة وأجهزة خاصة بالإنترنت الفضائي، إضافة إلى أجهزة ومعدّات أخرى، محاوِلاً بذلك قطْع خدمات الإنترنت عن مناطق اليمن كافّة، متسبّباً بانقطاعها بالفعل عن عدد من مناطق البلاد. وفي هذا الإطار، قالت منظّمة «نت بلوكس» المتخصّصة في خدمات الإنترنت، مساء الإثنين، إنّها سجّلت انقطاعاً كبيراً للإنترنت في اليمن، وأكّدت تأثّر خدمات «تيليمن» بشكل ينذر بتوقّف الخدمات بشكل كامل، وهو ما أكده أيضاً وزير الاتصالات في حكومة صنعاء، مسفر النمير، الذي تحدّث عن «تدنّي الوضع التشغيلي للإنترنت، وبلوغه مرحلة حرجة نتيجة معاودة العدوان قصف مربع الاتصالات»، «ما اضطرّ الفرق التقنية لوقف مهامها ومغادرة المكان».
مسلسل التدمير الممنهج للبنية التحتية للدولة اليمنية بدأته الرياض وأبو ظبي منذ أكثر من سبع سنوات
التصعيد الجديد ضدّ مؤسّسات الدولة في صنعاء، جاء بذريعة استخدام تلك المؤسّسات الخدمية لأغراض عسكرية من قِبَل حركة «أنصار الله»، وهو ما تمّ نفيه من قِبَل العميد سريع، الذي عدّ تلك الادّعاءات «مجرّد تبرير مفضوح لاستهداف المنشآت المدنية والمدنيين»، مؤكداً أن هذا العدوان «لن يحقّق أهداف العدو في كسر إرادة الشعب ولن يمرّ من دون ردّ وعقاب». وفي هذا الإطار، يتحدّث مراقبون عن إمكانية تدمير محطّات تحلية المياه السعودية ومنظومة الاتصالات، واضعين ما يقوم به «التحالف» في إطار «مسلسل التدمير الممنهج» للبنية التحتية للدولة اليمنية، والذي بدأته الرياض وأبو ظبي منذ أكثر من سبع سنوات. وكانت وزارة الاتصالات في حكومة صنعاء أعلنت، في مؤتمر صحافي، خروج الاتصالات الدولية بشكل كلّي عن الخدمة نتيجة استهداف مبنى شركة «تيليمن»، فيما أوضحت الشركة الحكومية التي تُعدّ المشغّل الرئيس للاتصالات والإنترنت في اليمن منذ عام 1996، أن «استهداف المبنى الخاص بها أدّى إلى تأثّر العديد من الخدمات والقطاعات الحيوية في كلّ مناطق الجمهورية اليمنية وحرمان المواطنين من أحد حقوقهم الأساسية»، نافيةً ما يتمّ تداوله حول استخدام مواقعها لأغراض عسكرية.
في المقابل، أفادت مصادر مطّلعة، «الأخبار»، بأن حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، تلقّت وعوداً إماراتية بتشغيل البوّابة الدولية للاتصالات من مدينة عدن، بعد أيّام من استهداف «التحالف» بوابة الإنترنت في محافظة الحديدة الشهر الفائت بسلسلة غارات أدّت إلى تعطّل خدمات الإنترنت في اليمن بشكل كلّي لخمسة أيام، قبل أن تتمكّن المؤسّسة العامة للاتصالات الدولية، من إعادة الخدمة وإصلاح الأضرار. ووفقاً للمصادر، فإن «الإمارات وعدت رئيس حكومة هادي، معين عبد الملك، خلال زيارته الأخيرة الشهر الماضي لأبو ظبي، بنقل البوابة الدولية للاتصالات من صنعاء إلى عدن بالشراكة مع شركات اتصالات إماراتية». وكانت وزارة الاتصالات في حكومة هادي قد أعلنت، قبل أيام، عزمها توسيع خدماتها في المحافظات الجنوبية بعد تلقّيها أجهزة تقنية، من دون أن تكشف عن الدولة الداعمة. كذلك، أفاد مصدر مسؤول في وزارة الاتصالات الموالية لهادي، مطلع الأسبوع الجاري، بتمكّن وزارته من نقل شركات الهاتف النقّال من صنعاء، وإنشاء شبكات اتصال حديثة ومتطوّرة، وبناء بنية تحتية جديدة ستتيح للوزارة توسيع خدماتها خلال الفترة القادمة.
صنعاء تفنّد ادّعاءات «التحالف»
عرضت قوات صنعاء، أمس، مقاطع فيديو غير مسبوقة، لعمليات إطلاق للمسيّرات، في خطوة تحمل من حيث التوقيت، العديد من الرسائل إلى التحالف السعودي – الإماراتي، خصوصاً أنها تتزامن مع تصعيد الأخير هجماته على المنشآت المدنية، بذريعة استخدامها لإرسال المسيّرات.
ونشر «مركز الإعلام الحربي»، التابع للجيش اليمني و«اللجان الشعبية»، أمس، مشاهد لإطلاقٍ مكثّف لطائرات مسيّرة من طرازات مختلفة، كطائرات «صمّاد 3» طويلة المدى، وذلك من مناطق خالية من السكان، ومن على منصّات مكوّنة من وسائل تقليدية متوافرة، كقطع من الحديد وبعض الحجارة. ولأوّل مرّة، لم يتمّ تمويه المناطق التي خرجت الطائرات منها خلال استهداف العُمقَين السعودي والإماراتي في الأسابيع الماضية؛ إذ أظهر الفيديو انطلاقها من مساحات صحراوية ونائية، وفي وضح النهار، ومن أماكن مكشوفة، وليس من أنفاق أو بساتين، ما يطرح تساؤلات كثيرة حول قدرة طائرات الاستطلاع التي لا تغادر سماء البلاد، وكذلك الأقمار الصناعية المسلّطة على اليمن، على رصد عمليات الإطلاق، واستباقها.
كما أظهرت المقاطع الجديدة قدرة الطائرات المسيّرة اليمنية على التحليق على مستويات مختلفة قبل وصولها إلى أهدافها، ما يتيح لها هامش مناورة واسع، ويجنّبها إلى حدّ بعيد، أيّ منظومات اعتراضية مضادّة. وقبل ذلك كله، بدت لافتةً «الطمأنينة» التي يتمتّع بها الفريق الذي يقوم بتجهيز هذه المسيّرات وإطلاقها، من دون أيّ خوف من طائرات «التحالف» ووسائل رصده.