مجلة وفاء wafaamagazine
ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة قال فيها: “ورد الخطاب القرآني بصيغة النداء للمؤمنين ( يا ايها الذين آمنوا ) في ثمان وثمانين آية ، قال ابن مسعود: “إذا سمعت الله تعالى يقول: { يا أيها الذين آمنوا } فأرعها سمعك: فإنه خير تأمر به، أو شر يُنهى عنه”. وانما صدّرت هذه الكلمة بالحديث عن الايات الكريمة التي ورد فيها التعبير ب “يا ايها الذين آمنوا” وبقول ابن مسعود، اذا سمعت الله يقول يا ايها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنه خير تأمر به او شر تنهى عنه، لانه سينفعنا فيما سنتحدث به عن الايمان وما هو هذا الايمان المطلوب والمقصود ، وما استدعانا لهذا الحديث هو ما نراه من الاختلاف في ممارسة هذا الايمان في الحياة العملية بين المنتمين له بالمعنى النظري للكلمة، لذلك كان الحديث عن هذا الموضوع مهماً في نظري ، فليس هناك من يدعي ان الايمان المطلوب هو الاعتقاد المحدد بالايمان بالله سبحانه وتعالى وبرسله وكتبه واليوم الآخر المجرد عن ممارسة هذا الايمان وانعكاسه في الحياة العملية للفرد المؤمن وللجماعة المؤمنة”.
أضاف: “باستقراء الايات القرآنية الكريمة تلك التي ورد فيها التعبير ب “يا ايها الذين آمنوا الثمان والثمانين”، نرى بوضوح ان ما يعقبها وجود تكاليف لمجموعة من الاوامر والنواهي ، اضف الى ذلك ما ورد في آيات اخرى من اللوم والتوبيخ لاولئك الذين يؤمنون من ناحية ومن ثم يخالفون في سلوكهم هذا الايمان كقوله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ) الصف: 2، 3”.
وتابع: “ليس المطلوب من الايمان مجرد الاقرار والاعتراف وانما إتباعه بالتصديق العملي، والا كانت التشريعات الالهية الواردة والمتضمنة في القرآن الكريم لغوا لا معنى لها ، وان كان الايمان بمعنى الاعتراف والاقرار بنفسه ذي قيمة كبرى وعلى اساسه يقع تصنيف المؤمن والكافر وتختلف التبعات والاحكام وتُقبل الاعمال وتُرفض، فالايمان بمثابة الاساس للبنيان، ولكن هذا لا يعني الاكتفاء بمجرده وانما بمقدار ما يكون هذا الايمان متيناً وقوياً بمقدار ما ينعكس في حياة المؤمن تطبيقاً وسلوكا وعملاً، قال تعالى في سورة العصر: والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، فربط الايمان بالفلاح واستثنى من الخسران اولئك الذين جمعوا بين عناصر الايمان بمعنى الاقرار بالعبودية لله تعالى والعمل الصالح والتصديق بالرسل والاقرار بيوم الحساب وعالم الآخرة (يوم الدين)، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهو التصدي لبيان الحق للناس وحثهم على التزامه والصبر عليه في مواجهة محاولات التضليل وقلب المفاهيم وتغيير الموازين التي يجب الاستناد اليها في التفريق بين الحق والباطل التي يُعمل على الخلط بينها حتى يسهل على اهل الفتنة والشر المعادين للحق العمل على تضليل الناس والايقاع بينهم لتحقيق اهدافهم الشريرة ومصالحهم الذاتية التي تدفعهم اليها انانيتهم التي لا يمكن ان تنسجم او تتوافق مع الحق والعدل والسلم والانصاف التي هي من اهم الاهداف للايمان التي يسعى اهله لتحقيقها في الحياة ، ولكن تحقيق ذلك يحتاج الى توفر جملة من الشروط اولها الوعي، واعني بالوعي هو ان يكون هذا الايمان عن معرفة وفهم وليس ايمانا سطحياً فيتحول الى مجرد طقوس يمارسها في حياته دون ادراك لما يرتبه عليه من مسؤوليات على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام والمجتمع الذي ينتمي اليه والبيئة التي يعيش فيها حتى ولو لم يكن انتماؤه اليها عقائديا، فإن الايمان في نفس الوقت الذي يعني التزاما فرديا عقائديا محددا كما تقدم، ولكنه ايضا يعني التزاما بحقوق وواجبات تجاه المجتمع الذي ينتمي اليه والآخرين الذين يعيش معهم، بل لاهدافه التي يسعى لتحقيقها على الصعيد العالمي والانساني، ولذلك وبالعودة الى الخطاب القرآني والاحاديث الواردة عن رسول الله وآله الطاهرين نرى ان الكثير من الآيات والروايات لا يقتصر فيها الخطاب على المؤمنين، وانما يتعدى ذلك الى كل الناس من دون تخصيص لاتباعه او لفئة اجتماعية محددة او لقوم معينين بتوجيه الخطاب للناس جميعا، ففي القرآن الكريم قوله تعالى ( إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) وقوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ) ( واقسطوا ان الله يحب المقسطين ) ، وقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) “.
وفي حديث رسول الله: ( احبوا للناس ما تحبون لأنفسكم)، وفي تصرف امير المؤمنين مع اليهودي او النصراني لما وجد درعه معه وكان قد فقده في صفين، وفي تفاصيل تلك الواقعه انه فقد درع أمير المؤمنين في زمن خلافته و حكومته في الكوفة، و بعد فترة وجدها بيد رجل مسيحي أو يهودي. فقال له علي: إن هذا الدرع لي، فأنكر الرجل و قال: إنه بيدي فإذا كنت مدعيا جئني بدليل. فذهب علي به إلى القاضي و أقام دعواه عليه و قال أن هذا الدرع لي، لم أبعه و لم أهده و إذا بي الآن أجده عند هذا الرجل. فقال شريح، قاضي المحكمة إلى الرجل: لقد أقام الخليفة دعواه، فما تقول أنت؟ قال: إن هذا الدرع لي و لكن مع هذا لا أكذّب قول صاحب مقام الخلافة، أمير المؤمنين، (قد يكون مشتبها).
ثم التفت القاضي إلى أمير المؤمنين و قال له: إنك مدع وهذا الرجل منكر، فعليك أن تأتي بشهود، فضحك علي وقال: صدق القاضي، علي أن آتي بشهود ولكن ليس لي شهود، فحكم القاضي لصالح الرجل المسيحي أو اليهودي على أساس أن المدّعي ليس له شهود، فأخذ الرجل الدرع و ذهب.ولكن كان الرجل أعلم بصاحب الدرع، فخطا خطوات و رجع و قال: إن هذا النوع من الحكم و السلوك ليس من نمط سلوك بشر عادي، إنه من نوع حكومة الأنبياء، فأسلم و أقرّ بأن صاحب الدرع هو أمير المؤمنين وسقط من يد علي أثناء مسيره إلى صفّين. عند ذلك فرح أمير المؤمنين من إسلامه و وهب له درعه. وبعد أيام قليلة جاهد هذا الرجل بشوقه و إيمانه تحت راية أمير المؤمنين ضد الخوارج في نهروان”.
قال: “بغض النظر عن تفسيرنا لما حدث تاريخيا أن صراعات اعطيت خطأ تفسيرا دينيا بين الاسلام والروم او بين الاسلام واليهود فإن ما حدث من نزاعات لبنانية داخلية سابقة بعد الاستقلال واستقرار الوضع اللبناني بحدوده الجغرافية الحالية لم تكن حروباً طائفية على الاطلاق، وان اعطيت هذه الصبغة لاهداف استعمارية غربية، بل كانت بسبب طبيعة النظام السائد وانعدام العدالة الاجتماعية مما وفر الارضية اللازمة استغلها العدو الاسرائيلي ليبرر وجوده العنصري وادى الى انقسامات داخلية لم تسلم منها اي طائفة من الطوائف حتى دخلت الى كل بيت، فكان الانقسام عاما شاملا وهي في حقيقتها فتنة شاملة اُشعلت وما تزال شرارتها لصالح اهداف غربية ولصالح الكيان الاسرائيلي بهدف اضعاف دول المنطقة العربية والاسلامية ليتحقق له الهيمنة عليها واخضاعها وسلبها عوامل المقاومة التي تحول دون تحقيق اهدافه الخبيثه وبيد محلية للاسف كما حصل في المنطقة ويحصل اليوم في لبنان”.
أضاف: “لذلك ومما يؤسف له ان يعيد اللبنانيون التجربة مرة اخرى ولكن باساليب جديدة يستخدم فيها الحصار والتجويع وتفتعل الانقسامات الداخلية وتستخدم فيها اللغة الطائفية ولغة التخويف للطوائف من سلاح المقاومة وتوجيه الاتهامات الباطلة في وجه الثنائي الوطني المتمثل بحركة امل وحزب الله حتى طالت هذه الاتهامات المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، وبكلمة كان التوجيه الاعلامي الخبيث بالعمل على شيطنة الطائفة الشيعية التي كانت حريصة على وحدة لبنان والسباقة في تقديم التضحيات لتحرير ارضه والدفاع عن شعبه بكل طوائفه والحريصة على افضل العلاقات مع اشقائها من مكونات لبنان (اسلامية ومسيحية) وبكل طوائفها العزيزة على القاعدة التي تحدثنا عنها، والتي ستبقى الصخرة الصلبة التي ترتكز عليها الوحدة الوطنية والعيش المشترك وعدم الدخول في نزاعات داخلية. ومن هذا المنطلق فإننا نعبر عن حرصنا الشديد على استقرار الوضع الامني والاجتماعي في منطقة بعلبك الهرمل، وندعو القوى وفعاليات المنطقة الى القيام بالتواصل الفعال لايجاد الحلول التي توفر الامن والاستقرار ومعه الاهتمام بالوضع المعيشي ومساعدة المحتاجين في هذا الظرف الصعب، فان هؤلاء الاعزاء الذين قدموا الشهداء واعز ما لديهم من اجل عزتنا وكرامتنا يستحقون منا ان نقدم لهم في هذا الظرف الصعب ما نستطيع من دعم حتى تستفيق الجهات المسؤولة وتقوم بواجباتها في الحفاظ على الاستقرار وملاحقة العابثين الذين يستغلون الوضع الحالي لارتكاب جرائمهم بحق اهلنا الشرفاء في هذه المنطقة العزيزه، كما نؤكد على تعميق التواصل مع كل ابناء المنطقة من سائر الطوائف الكريمة، على ان الدولة بكل اجهزتها غير معفية من القيام بمسؤلياتها اتجاه ابناء هذه المنطقة العزيزة في فرض الامن والاستقرار ومنع التعديات والتصدي لكل من يعكر مسيرة الامن والاستقرار، في المقابل فان اولى واجبات الدولة النهوض بالوضع الاقتصادي واقامة مشاريع انتاجية واستثمارية تنعش الدورة الاقتصادية وتوفر فرص عمل جديدة تحد من البطالة المتفشية”.
ونوه ب “الانجازات الامنية الكبيرة التي سجلتها القوى الامنية في كشف البؤر التكفيرية التي كانت تتحضر لتنفيذ عمليات ارهابية، لو حصلت لا سمح الله لوقعت كوارث كبيرة في الارواح والممتلكات، ونتوجه بالشكر والتقدير لكل من ساهم في التصدي للعصابات التكفيرية والصهيونية ، و ندعو المواطنين الى الوعي والحذر والتعاون مع الجيش والقوى الامنية والعسكرية والمقاومة ليظل لبنان منيعا محصنا من الاختراقات الارهابية التي تجهد لضرب الاستقرار والامن في لبنان”.
وختم: “نحن اذ ننوه بالخطوة التي اتخذها المجلس النيابي باقرار قانون المنافسة الذي الغى الوكالات الحصرية وحرر المواطن من احتكار بعض التجار الذين اخضعوا لقمة عيشه الى اطماعهم، فاننا ندعو الحكومة الى توفير مقومات الاستقرار الاجتماعي لمواطنيها، فلا يجوز ان يدفع المواطن راتبه على اشتراك الكهرباء فيما لا تزال خطة انتاج الكهرباء غائبة. كما نطالب الحكومة باتخاذ اجراءات سريعة لتأمين عودة الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في اوكرنيا حفظا لسلامتهم، ولا سيما ان الاوضاع الخطيرة تستوجب تحركا عاجلا لانقاذ حياتهم”.