الرئيسية / آخر الأخبار / الجمال من المنظور النفسي

الجمال من المنظور النفسي

مجلة وفاء wafaamagazine

خلال الأسبوع المنصرم، تعرّضت ممثلة لبنانية، بعدما ظهرت في أحد المسلسلات التلفزيونية، للتنمّر الإلكتروني، والسبب كان سخيفاً: لم تظهر بكامل أناقتها، ولم تتبرج أو تضع الحلي… بل قامت هذه الممثلة بدورها بشكل كامل مع تبرج مناسب، ليُظهر تعبها، إحتراماً للدور التي تقوم بتمثيله. ولكن لم يتقبّل بعض المشاهدين الممثلة، وتمّ نعتها بأبشع الألفاظ، بالرغم من أنّ العديد منهم أيضاً دافعوا عنها. فالجمال، لا مقياس له. فالبعض يجد في تلك المرأة الإغراء والجمال، بينما البعض الآخر برأيه، تجسّد البشاعة والإشمئزاز. كما أمام لوحة فنية، كل شخص منّا يرى منحى جمالياً فيها.

فما هو الجمال بشكل عام؟ وكيف يفسّر علم النفس والتحليل النفسي الجمال؟ وهل جميعناً نتمتع بالجمال؟


الجماليات أحد فروع الفلسفة، والتي تفسّر الطبيعة والجمال والفن والذوق. والكثير من أهل الفكر والفلاسفة أعطوا لهذا الموضوع حيزاً لا غنى عنه. أجمعت الفلسفة اليونانية، على أنّ الإنسان ليس سوى مثال للتكامل الجمالي عند الآلهة. فيما إعتبر «كانط»، بأنّ الجمال تجربة ذاتية ككثير من التجارب الإنسانية. وأضاف «هيغل» بأنّ الجمال موجود أينما كان. ولكن بعيداً من الفلسفة وأهلها، إهتمّ أيضاً علم النفس بهذا الموضوع، وهذا ما نسمّيه بـ»سيكولوجية الجمال» التي درست ردّة فعل المشاهد تجاه العالم الخارجي الجميل. لذا، كيف يرى الإنسان الآخر جميلاً؟ وهل من المعقول بأن لا نجد أي «عنصر» جمالي عند شخص ما؟ في هذا المقال، لست أبداً في صدد الدفاع عن الممثلة اللبنانية، التي لا أعرفها لا من قريب ولا من بعيد، والتي تعرّضت لكلمات جارحة فقط لأنّها ظهرت بجمالها الطبيعي. ولكن، كنفساني، دوري أن أفسّر ما هو الجمال، وكيف يمكن أن يدرك كل شخص الجماليات التي تحيط بنا من دون إذن.

 

ما هو الجمال؟

لا يقتصر الجمال فقط على الشكل الخارجي للإنسان. فهناك كثير من الأشخاص الذين يتمتعون بجمال خارجي، ولكن سلوكياتهم وعلاقاتهم وتفكيرهم يكون بشعاً مقززاً ومنحرفاً. والجدير بالذكر، أنّ الجمال لم يقتصر فقط على مفهوم الفيزيولوجي: الجسم الطويل والجميل أو الوجه الممتلئ مع العيون الزرقاء… فكل ذلك، موضوع ذاتي، يختلف بين إنسان وآخر. بل صوّب الجمال أيضاً إهتمامه نحو الرياضيات وجمال الأرقام وتناسقها وطبعاً الفيزياء وعلم الحاسوب، لاستنتاج نوعية الصور الجمالية وإظهار الإنسان جميلاً، وجمال الكون والهندسة المعمارية والطبيعة التي تتعايش في جمال تكراري، والذي يظهر من خلال تناسق الفصول. وذلك يذكّرنا بالمصوّرة الفوتوغرافية «ديانا أربوس» التي لم تصوّر إلّا مشاهد أو أشخاصاً كانوا يُعتبرون «قبيحين»، وأظهرتهم في صورها بأبهى الجمال. فالأحكام الجمالية ليست سوى نتيجة للتمييز الحسي عند الإنسان، والذي يختلف بين شخص وآخر. لذا نلاحظ بأنّ بعض الأشخاص يجدون بأنّ هذه المرأة جميلة والبعض الآخر عكس ذلك. فالممثلة ميريل ستريب، تمّ رفضها في بداية مشوارها التمثيلي، بسبب «إنكِ لست جميلة لكي تكوني ممثلة»… وها هي ستريب تتربّع في العديد من السنوات كأفضل ممثلة عالمية على الإطلاق. فالبرغم من انّ الجمال يجذبنا ويجذب حواسنا، ولكن ذلك حسب خبراتنا السابقة وتفضيلاتنا. فالطفل الصغير الذي أحبّ أمه «الممتلئة»، وكانت علاقتهما مميزة وسوية… عندما يكبر ويريد إختيار شريكة عمره، ستقع عيناه على الفتيات اللواتي تشبهنّ أمه، والحديث مماثل عند الفتيات أيضاً.

الجمال وعلم النفس وجمال الأخلاق

واهتم أيضاً علم النفس بالجمال عند الإنسان، حيث هناك العديد من الدراسات التي حللّت التقارب ما بين الجمال والثقة بالنفس. ولكن لا يمكننا تعميم ذلك، فالجميلة «مارلين مونرو» المرأة الأكثر إثارة في العالم، لم تتمتع بثقة بنفسها البتة. ولكن جمال الشخصية يمكن أن يلعب دوراً في التوازن ما بين نظرة العالم الخارجي للإنسان ونظرته لنفسه. كما قبوله «لجماله» هي من النقاط الحساسة والأساسية للثقة بالنفس عند الشخص الذي يسعى بكل قواه الى أن يلفت إنتباه العالم الخارجي لجماله. وهذا ما يحصل داخل أروقة وسائل التواصل الإجتماعي، التي يظهر فيها الإنسان بجماله، مستعملاً أم لا الأدوات التكنولوجية المتاحة في تلك الوسائل لإضافة جمال لصوره، كأنّه يقول للعالم الخارجي: «أنا جميل، إذاً أنا موجود».

 

كما واحدة من فروع «الجماليات» هو «جمال الأخلاق»، حيث تدرس سلوك الإنسان وجماليات تصرّفاته تجاه الآخرين. فالنزاهة واحترام الآخر ولبق الكلام وجاذبية المحادثة الراقية والمنطق وغيرها من المفاهيم، يمكن أن تكون موضع اهتمام لجماليات الأخلاق التي هي الأساس الفلسفي لتربية مبادئ السلام عند كل إنسان. فعندما يكون الإنسان «جميلاً» من الداخل، يعيش سلاماً مع العالم الخارجي. فكل تلك المفاهيم أو الصفات التي تمّ ذكرها ليست سوى صفات للسلام وقبول الآخر من دون أي شروط مسبقة. والجدير بالذكر في هذا الصدد، بأنّ الجمال يتغيّر مع الوقت. فمفاهيم الجمال هي في تطور مستمر ومتغاير ما بين الثقافات والأعراق… فمثلاً البشرة الداكنة جذابة جداً في المجتمعات التي لا تتواجد فيها بكثرة، والعكس صحيح، حيث نجد انّ البشرة البيضاء محبوبة جداً في الشرق. ولكن لا يمكن تعميم ذلك، لأنّ كل إنسان لديه «إسقاطاته» الخاصة ويرى الجمال حسب خبراته السابقة ونظرته للجمال من خلال طفولته وعلاقته مع الام (إذا كان صبياً) أو الأب (إذا كانت فتاة).