الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / عبير نعمة… ماذا يبقى منّا بعد أن يُطوّقنا الحبّ؟

عبير نعمة… ماذا يبقى منّا بعد أن يُطوّقنا الحبّ؟

مجلة وفاء wafaamagazine

أطلقتِ الفنانة عبير نعمة (1980) كليبَ أغنيتها «قديش بحبّك» أواخر كانون الثاني (يناير) 2022، مُستبقةً عيدَ الحب بالكثير من الإلحاح على موضوعة الفَقد والهجران التي أبرزتها كاميرا المخرج إيلي فهد، والأداء الرفيع للمُمثل رودريغ سليمان الذي يشفُّ عن وجه ضبابيّ يشبهُ الحلم الرومانسي الذي يعيشُه المحبّون عامّة، وتتّفقُ بشكل خاص مع كلمات وألحان مروان خوري (1968)، بوصفه مختصّ الرّومانسيّة الأبرز في العقد الأخير. وللحديث عن نعمة، لا بدّ من الحديث بدايةً عن خوري الذي عمِلَ جاهداً على إعادة تقديم الرومانسية مراراً، مُتجنّباً تسلُّلَ المَللِ والرتابة إلى مُفرداتِه. لكن أليسَ المللُ مقتلَ الحبّ عبر التّاريخ، فكيفَ يمكنُ لمعالجة موسيقيّة أن تنجوَ منه؟ مع خوري، نحن أمام إجابة واضحة، قوامُها مشروعٌ جادّ يمزج ما بين الاجتراح الذكي للكلام (هل جئنا على سيرة الذّكاء في معرض الحديث عن الحب الذي يُؤخَذ عليه أنّه لا يبقى منه شيء بعد هُجوعِه وسكونِه سوى ما يُخلّفُه في أنفسنا من إحساس بالغَباء والحرج؟) والتوصيفات البديهية المُتوقّعة بين النّاس.

أطلقت عبير نعمة أخيراً أغنية «بلا ما نحس»

وهنا مكمنُ التجديد في اشتغالاتِه، فالتّجديد هو إحياء للقديم وليس خلقَ شيء مختلف ونافرٍ عنه، إحياء البديهيّات التي تحضر بسلاسة في مقدّمات وقفلات الكلام عند خوري. وهذا ما حدث فعلاً وبجرعةِ توقُّع عالية، في «قديش بحبّك»، التي تبدأ بضمير المُتكلّم «أنا» المُتلائم جدّاً مع ذات المُحبّ النرجسية ورغبتِه في تَملُّكِ الآخر الذي يُعرّفُ ذاتَه: «أنا لمّا بشوفك، بحلم فيك لْعم بتداوي جروحي، أنا ليش بحِسَّك إنك غاية أحلامي وطموحي»، وتنتهي بومضة تضيعُ فيها النهاية بالبداية والموت بالانبعاث: «آه، شو بعمل قِلّي؟ آه، حتى تحنّلي، وتبادل عيني بنظرة، تحلم إيديي بغمرة، وموت… وعيش من جديد» مع خلفية موسيقيّة تتصدّرها آلة خوري الأثيرة أي البيانو.
لذا؛ فالحديث عن تبنّي خوري الفنّي لهذه الطبعة الرّومانسية من الحبّ، ليسَ بعيداً ولا مُنقطِعاً عن تجربة نعمة. على العكس هو يُسهّل علينا دخول عالمها، وينطبقُ كثيراً على تجربتها الفنّية وأيّ طبعة تتبنّى عن الحبّ، ما عدا أنّ خوري قد حضرَ مُلحّناً في أغنيتها «وينك» (صيف 2018) التي قارَبتْ فيها نعمة موضوعة الفقد والهجران أيضاً. وعليه يصحُّ من باب مراعاة مقتضى الحال أن نستعيضَ عن الفعل «ينطبق» بالفعل «يتعشّقُ»، أليس هذا أنسب؟
تنتمي «قديش بحبّك» إلى ألبوم حملَ عنوان «بيبقى ناس» (ريان الهبر ــ صيف 2021، إنتاج يونيفرسال ميوزك)، يضمّ ثماني أغنيات، توزّعت على خمس موضوعات، أوّلاً: المحبّة بمفهومها الإنساني العام التي وَسمَت عنوان الألبوم، وأرادَ لها الكاتب والملحن ريان الهبر أن تُعبّر عن لحظة التواصل الأخوي بين النّاس في زمن الضّائقة المادّية، والجائحة الصّحية، والتواصل الافتراضي الزائف. ثانياً: الحظوظ الاجتماعية المتفاوتة التي يمرُّ بها الإنسان في حياته وتمثلها أغنية «هيدي الدّني» (غدي وأسامة الرّحباني). ثالثاً: أغنية «فلّو» عن السّفر والنّساء اللّواتي هدّهُنَّ الانتظار ويسندُ بعضُهنّ بعضاً، يقاوِمنَ وحشة الوقت والبيت اللي صار حجار، وهذه الأغنية تُذكّر بعمل أوركسترالي ضخم قدّمته نعمة قبل أعوام بعنوان «المُتنبّي مُسافراً أبداً» بالألمانية والعربية الفصحى. رابعاً: الوطنيّة «هيدا وطني» وتنتمي إلى زمن الاحتجاجات قبل عامين ونيّف. خامساً: الحبّ الرومانسي وما يتبعُه من فقد وهجران، ويضمّ إلى جانب «قديش بحبّك» ثلاث أغنيات أُخرى «أنا قلت بترجع»، «محتارة»، «نحنا سوا».
«هيدي الدّني» عن الحظوظ الاجتماعية المتفاوتة التي يمرُّ بها الإنسان

عادت نعمة قبل أيام لتطلق أغنية منفردة من خارج الألبوم (سينغل) وقدّمتها بطريقة الكليب أيضاً، وحملَت عنوان «بلا ما نحس» (نبيل خوري). لا تُحمِّل الأغنية نفسَها جهدَ الابتعاد عن الموضوعة الأخيرة التي تدور في فلكها «قديش بحبّك». ضبابُ النّهايات يلفّ المشهدَ بأسرِه، ماسحاً الملامح عن وجهِ الشريك الذي مضى، وهنا يفتتحُ الخوفُ والارتباك الزّمن، ويَثقلُ اللّسانُ عن الاعتراف بالحبّ لشريكٍ لا يظهر منهُ سوى وجهٍ ظليلٍ مُعتِم: «خَوفي قلّك شو بحِسّلك، ونبطّل أصحاب، وتبرم فينا الدنيي فجأة، ونصَفّي أغراب…».
بومضة عامّة من خارج الموسيقى نختمُ فيها الحديث عن الطبعة الرّومانسية من الحبّ، فلا شكّ في أنّ الرومانسية كمفهوم تمرّ اليوم بامتحان قبول عسير، إذ تصلُنا مُجرّحةً بسهام نقد الحركات الاجتماعية منذ الستينيات «الرّومانسية حِيلة برجوازية لديمومة القسمة الطبقيّة والهروب من واقع مُزرٍ» أو «الرومانسية أبويّة مُقنّعة تذهبُ المرأة ضحيّتها بالضّرورة». وعلى ما في هذا النّقد من وجاهة حسب بيونغ شول- هان في كتابه الأخير «مُعاناة إيروس»، بيد أنّ الحياة اليوميّة لا تسير أمامنا بهذه الضّديّة وتطرُّف السوشال ميديا. كذلك تقرأ «في مديح الحب» لألَن باديو أحد مُفكّري فرنسا الذين ترعرعوا في لهيب الستينيات ومفاهيمها عن ثورة الجَسد، فتجده يعود إلى المزج بين الالتزام ومثال أفلاطون، وتجد نفسك متماهياً مع رومانسية أم كلثوم وفيروز وعبير نعمة، ومستكيناً لما خطّه عمُّنا ابن حزم في كتابِه الشهير عن تلك المُطوَّقة.