الأخبار
الرئيسية / سياسة / فضل الله: لحكومة تلبي مطالب الشارع : ليس من مصلحة أحد عودة بذور الفتنة

فضل الله: لحكومة تلبي مطالب الشارع : ليس من مصلحة أحد عودة بذور الفتنة

الجمعة 29 تشرين الثاني 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما قال: {خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون}، فالله يدعونا إلى التروي والسكينة، وهدوء الفكر في التعامل مع الأحداث، والتثبت من المعلومات، وتدبر العواقب قبل أن نأخذ بها أو نرسلها إلى أحد. وقد ورد عن رسول الله: “إنما أهلك الناس العجلة، ولو أنهم تثبتوا لم يهلك أحد”. وورد عن علي: “مع العجل يكثر الزلل”. وقد اتبع القرآن هذا الأسلوب في تعامله مع الذين كانوا يتحدثون عن النبي ويتهمونه بأنه ساحر ومجنون ويعلمه بشر، إذ دعاهم إلى عدم الاستعجال في إطلاق مثل هذه الأحكام بحقه، ونصحهم بالابتعاد عن الأجواء الانفعالية الضاغطة التي تؤثر في مواقفهم، وطلب منهم أن يجلسوا فرادى أو اثنين اثنين، ليفكروا بهدوء وتأن في شخصية هذا الرسول وفي ما يطرحه، لكي تكون أحكامهم صائبة: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة}. إذا، لا بد من عدم الاستعجال، ليكون التثبت والتبين هو المعيار في الحكم. وبذلك، نكون أكثر وعيا وقدرة على مواجهة التحديات”.

وقال: “البداية من لبنان، الذي يستمر على حاله من المراوحة على المستوى السياسي، حيث لم تفلح بعد كل الجهود التي بذلت لتأليف حكومة تلبي مطالب الشارع والقوى السياسية الفاعلة، ولا يزال التأليف محكوما بالشروط والشروط المضادة وتعقيدات الخارج الذي لم يسهل بعد مهمة العاملين للوصول إلى حل. يأتي ذلك في ظل تصاعد المخاطر على الصعيد الاقتصادي والنقدي والمعيشي، وعدم قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم من الغذاء والدواء، وأخيرا الوقود، والخوف من انزلاق البلد إلى الفتنة ومما يهدد حياة المواطنين وممتلكاتهم وسلمهم الأهلي، والذي عبرت عنه أكثر من حادثة مؤسفة جرت الأسبوع الماضي وفي أكثر من منطقة لبنانية”.

اضاف: “وفي هذا الجو، كانت الفاجعة الأليمة التي وقعت على الطريق الساحلي في الجية نتيجة قطع الطرقات، والذي كنا قد حذرنا سابقا من آثاره وتداعياته، ونأمل أن تساهم هذه الفاجعة في ردع كل من يعتمد هذا الأسلوب كوسيلة احتجاج أو لأجل تحقيق المطالب، فقطع الطريق لا ينبغي أن يكون أبدا وسيلة، فلا حق لأحد بقطع طريق الناس أو تقييد حريتهم، ولا سيما ممن يعلن أن تحركه هو لأجلهم ولحسابهم ولحل مشاكلهم. ونحن في الوقت الذي ندين هذا الأسلوب، فإننا لا نريد أن يصل رد الفعل عليه إلى حد التعرض لحياة الناس وممتلكاتهم وأرزاقهم أو تهديد سلمهم الأهلي”.

وتابع: “ولا بد هنا من أن نحذر من تداعيات رفع الشعارات الطائفية والمذهبية وكل ما يذكر بتوترات أخذت هذا البعد، مما لا يريد أحد من اللبنانيين العودة إليه، فالكل يعرف الآثار الكارثية التي قد تنتج من رفع الشعار الطائفي أو المذهبي في ظل التوترات الحاصلة، فهذا الشعار سيواجه بمثله، ونحن في بلد سرعان ما تتأجج فيه الحساسيات وتستثار فيه المشاعر والغرائز”.

واكد “ان على الواعين، ممن يملكون التأثير في الساحات، أن يتحملوا مسؤوليتهم في هذا المجال، وأن لا يتركوا مثل هذه الأصوات تنطلق، وإذا انطلقت أن يسارعوا إلى علاجها ومنع أي تداعيات أو ردود فعل قد تنتج منها، وأن لا يخضعوا في ذلك لمنطق الشارع وردود أفعاله، فليس من مصلحة أحد في هذا البلد أن تعود إليه بذور الفتنة أو يفتح المجال للداخلين على خطها”. وقال: “ان من حق كل فرد وجهة وموقع أن يعبر عن قناعاته وما يفكر فيه، ولكن بما لا يستفز مشاعر الآخرين ولا يثير أية حساسيات لديهم”.

اضاف: “إننا في هذا البلد محكومون بأن نعيش معا بكل تنوعاتنا الدينية والمذهبية والسياسية، ولن يستطيع أحد، مهما بلغ من القوة والإمكانات، أن يلغي أحدا أو يسيطر على أحد أو يحتكر الساحة لنفسه. فلنوفر على هذا البلد كل ما يؤدي إلى الشرخ بين مكوناته وتعميق الهوة في ما بينها، وإذا كان لأحد بأن يطالب برفع غبن أو ظلم عن نفسه أو دفع فساد، فليطالب بالعدالة للجميع”.

وقال: “ويبقى أن نتوجه إلى كل القوى والمواقع السياسية التي تولت إدارة البلد طوال هذه الفترة، لندعوها إلى تحمل مسؤوليتها، فلا يستطيع أي منها أن يتنصل من مسؤوليته أو أن يخرج نفسه منها. الكل مسؤولون، ولا بد لكل منهم أن يقوم بدوره في هذه المرحلة الصعبة، وذلك بالعمل سريعا لتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، والكف عن المناورات والتمسك بالأسقف العالية، بعدما لم يعد مبررا أي تأخير. وما لم يتحقق ذلك سريعا، فعلى الأقل إبقاء الحرارة في الحكومة المستقيلة للقيام بتصريف الأعمال، إذ إن مرحلة تصريف الأعمال لا تعني الشلل وترك الأمور على غاربها. إن المرحلة التي نعيشها ليست مرحلة تقاذف الكرات بين القوى والمواقع السياسية، بل مرحلة العمل معا، وبعيدا من كل الحسابات، من أجل حفظ هذا البلد من أن يتداعى إنسانه أو أن يهيم على وجهه أو أن يموت كمدا من معاناته”.

وختم: “أخيرا، لا بد من أن نطل على العراق، هذا البلد العزيز الذي تزداد جراحاته وآلامه، ويرتفع عدد الضحايا التي تسقط فيه يوميا بفعل الفساد المستشري فيه وتدخلات الخارج، لندعو كل القيادات السياسية إلى تحمل مسؤوليتها والعمل سريعا لإخراج العراق من الواقع الذي وصل إليه، بالإصغاء إلى صوت الشارع ومطالب الناس المحقة، حتى لا يضيع هذا البلد، أو يصبح لقمة سائغة في يد من لا يريد له خيرا، وعندها يسقط الهيكل على رؤوس الجميع”.