الأخبار
الرئيسية / سياسة / استقالة عادل عبد المهدي: عودةٌ إلى نقطة الصفر

استقالة عادل عبد المهدي: عودةٌ إلى نقطة الصفر

السبت 30 تشرين الثاني 2019

ثمة من يرى أن «المرجعية» «تقلب الطاولة على الجميع في اللحظة التي تراها مناسبة» (أ ف ب )

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب الزميل نور أيوب في الأخبار: منذ بداية الحراك الشعبي في العراق في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، جرت محاولات حثيثة لتلافي استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي. لكن تسارع الأحداث الميدانية، وعجز الحكومة عن ضبط إيقاع الأزمة، ومماطلتها والبرلمان والقوى السياسية في إثبات جدّية الحزم الإصلاحية، فضلاً عن عوامل خارجية، كلّ ذلك جعل من الرجل ضحية تراكمات 16 عاماً من حكم ما بعد الاحتلال الأميركي. سقط عبد المهدي بتلميح من «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني). فضّل الرجل الحفاظ على ماء وجهه، والاستقالة بنفسه لا إقالته برلمانياً، بعدما رفعت «المرجعية» الغطاء عنه، مثلما فعلت بسلفه حيدر العبادي وقبلهما نوري المالكي.

ربما بدت دعوة المرجعية إلى إقالة الحكومة، ومن ثمّ الإسراع في إقرار قانون انتخابي جديد، وإجراء انتخابات نزيهة، بالنسبة إلى البعض، «تقاطعاً» في تشخيص الحلّ مع الولايات المتحدة، التي سبق أن دعت في بيان صادر عن السفارة الأميركية في بغداد إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، تبنّى المطالبة بها أيضاً زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، أخيراً. في هذا الإطار، يدافع المطلعون على مناخات النجف بأن الموقف الأخير ليس مرتبطاً بأيّ جهة، بل هو نتيجة «تشخيص مصلحة البلد ومصلحة الشعب»، مُذكّرين بأن «المرجعية» تعتبر نفسها «مرجعية لكل العراق»، وتتصرّف على قاعدة «العراق أولاً، مع احترام السيادة الوطنية ورفض المساس بالجيران، وتحويل البلاد إلى ساحة للصراعات الإقليمية».

ثمة من يرى أن «المرجعية» «تقلب الطاولة على الجميع في اللحظة التي تراها مناسبة»، معتبرين على ضوء ذلك أن الدعوة إلى إقالة الحكومة قلبٌ للطاولة في وجه الإيرانيين، والدعوة أيضاً إلى التمييز بين المندسّين والسلميين وقوفٌ في وجه الأميركيين ومشروعهم الفوضوي. لكن ماذا عن الذهاب إلى انتخابات مبكرة؟ هنا، تساق تفسيرات متعددة، بين من يقول إن «المرجعية» لم تحدّد سقفاً زمنياً لإقرار القانون، وبالتالي هي على موقفها السابق بالحفاظ على «الانتخابات الدورية» وتهيئة المناخات لإجرائها، وبين من يذهب إلى أن النجف تريد بالفعل إجراء انتخابات مبكرة على أساس قانون جديد، يكسر احتكار «الكبار» للتمثيل، ويسمح بصعود المستقلّين.

أجاد الصدر، كما في كلّ مرة، الاستثمار في مطالب الناس وخطاب «المرجعية»


على أيّ حال، ثمة تمسّك بالحلّ الانتخابي، لكن لماذا؟ تبدي مصادر مطّلعة مؤثرة في العملية السياسية، في حديث إلى «الأخبار»، تفهّماً لهذا التمسك، على اعتبار أن ثمة اقتناعاً بأن التركيبة الحاكمة التي جاءت بعبد المهدي هي تركيبة مشوّهة، ولا تعكس تطلّعات الشعب العراقي، وخصوصاً أن القانون الانتخابي كان مُفصّلاً على مقاسات القوى الحاكمة في الدورة البرلمانية 2014 ــــ 2018، وأن نسبة المشاركة في الانتخابات لم تتعدّ الـ 40 بالمئة، فضلاً عن شبهات التزوير التي وسمتها. بالنتيجة، ولدت حكومةٌ عاجزة لخضوعها للمحاصصة الحزبية والطائفية من جهة، ومحارَبة دولياً لأن «الجناح الإيراني» طاغٍ فيها من جهة ثانية، ومنبوذة أميركياً لأن توجّهات رئيسها مخالفة لرغبات واشنطن من جهة ثالثة. انطلاقاً من كلّ ما تقدم، ترى المصادر أن خيار الانتخابات (سواء كانت مبكرة أو في موعدها) قد يكون مفيداً، على قاعدة «تحويل التهديد إلى فرصة». كيف ذلك؟ بالاستفادة من القانون المرتقب، والبحث عن أدوات جديدة مقنعة للشارع، وإنتاج طبقة ذات إنتاجية وأداء أفضل.

على خطّ موازٍ، تُطرح تساؤلات عن هوية الرئيس المقبل. بحسب المصادر، فإن من المبكر طرح أيّ أسماء، وخصوصاً أن شغل هذا المنصب يتطلّب «توافقاً شيعياً ــــ شيعياً»، ومن ثم توافقاً وطنياً. وفيما بدأ الحديث يدور عن ضرورة إعادة اختيار رئيسَي الجمهورية والنواب حتى لا يكون رئيس الوزراء هو الضحية الوحيدة، ثمة من بدأ ينظّر لإمكانية تولّي رئيس الجمهورية برهم صالح مسؤولية الحكم بالاستفادة مما ينصّ عليه الدستور في هذا الإطار، لكن «القوى الشيعية» سترفض ذلك الأمر رفضاً قاطعاً، وفق المصادر نفسها. وما يزيد من تعقيد المشهد هو تصاعد حدّة المواجهة بين واشنطن وطهران، ما قد يصعّب اختيار وجه «توافقي» جديد، في بلدٍ لا يزال قائماً على «التسويات». مصاعب تضاف إليها احتمالات الانهيار الأمني والتي لا تزال متقدّمة، راسمةً سيناريوات متعدّدة من الفوضى والفراغ.

أين مقتدى الصدر؟
في خضمّ كل ذلك، تُطرح تساؤلات عن مواقف زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر. هنا، لا يتردّد كثيرون في القول إن الرجل أجاد، كما في كلّ مرة، الاستثمار في مطالب الناس وخطاب «المرجعية»، من أجل تحقيق مكاسب سياسية. مكاسب يدفع الصدر في اتجاهها ــــ وفق هؤلاء ــــ تحت لافتة «الإصلاح»، على الرغم من أن كتلته النيابية تفاوض سرّاً على المناصب، وبعلم مباشر منه. أكثر من ذلك، ثمة اتهامات مُوجّهة إلى الصدر بمسؤولية مجموعاته عن الكثير من أعمال العنف، وهو ما رفض عبد المهدي التطرّق إليه في الأسابيع الماضية، «حفاظاً على الحدّ الأدنى من تماسك البيت الشيعي». اليوم، وفي ضوء العمل على إقرار قانون انتخابي جديد، يراهن الممتعضون من أداء الصدر على أن يتخذ تيّاره حجمه الطبيعي في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يكون قد تلمّسه الرجل وفق ما أوحت به رسالته أمس، والتي دعت إلى خطوات «إنقاذية» لا تمتّ إلى الدستور والقانون بشيء.