مجلة وفاء wafaamagazine
كما كان متوقعا، بدات تاثيرات «الكباش» السياسي –القضائي تنعكس سلبا على الوضع النقدي والمالي في البلاد، وحدهم الناس يدفعون ثمن هذا الصراع المفتوح على مصراعيه بين سلطة سياسية تتحلل من مسؤولياتها وتبحث عن «كبش فداء» تحمله مسؤولية فشلها وتواطئها خلال سنوات مضت من الشراكة مع النظام المصرفي وحاكمية مصرف لبنان. واليوم يخوض فريق سياسي معركته الانتخابية من «بوابة» التصويب على المصرف المركزي وجمعية المصارف اللذين يتحملان جزءا كبيرا من مسؤولية الانهيار، لكن ليسا وحدهما، فتوقيت فتح الملفات «مريب»، وعدم التوجه لاتخاذ اجراءات توقف النزيف بدل الدخول في نفق لا خروج منه يثير الكثير من علامات الاستفهام»، «فالعناد» المتبادل، براي اوساط سياسية بارزة، سيؤدي الى مزيد من الكوارث الاقتصادية، فمع اقفال المصارف التحذيري، ارتفع سعر الدولار، والمصارف المراسلة استفسرت عن قرارات منع السفر بحق رؤساء ادارة بعض المصارف، ما قد يوقف التعامل معها، اي انهيارها. ثمة مساع للتهدئة، ولكن استمرار القرارات القضائية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى العودة للتهديد بالاستقالة، بعدما لمس عدم وجود تعاون من بعبدا، وقد دخلت السفارة الاميركية في بيروت على الخط لتهدئة «غضب» رئيس الحكومة مجددة دعمها للحاكم، فيما كانت باريس عبر سفيرتها اكثر «ليونة» بل لا تمانع من احداث التغيير في الحاكمية الان.. وفيما تتجه المصارف للعودة الى العمل يوم غد، جاءت النصيحة من بعبدا لجمعية المصارف، بضرورة توجيه «السهام» نحو رئيس مجلس النواب نبيه بري لاجباره على تمرير قانون «الكابيتال كونترول»، لكن عدم جهوزية خطة التعافي يثير شكوك كبيرة بقدرة المصرف المركزي بالتدخل في «السوق» لمدة طويلة ما يشير الى تفاقم مخيف للاوضاع الاقتصادية مع توقع ارتفاع جنوني لسعر الدولار، وكذلك اسعار المواد الحيوية، ربطا بالتطورات الاقليمية والدولية المتسارعة في اوكرانيا والسعودية، وتهويل اسرائيل مجددا بالحرب، في هذا الوقت ابلغ البابا فرنسيس رئيس الجمهورية ميشال عون انه مطلع بأسى على ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في لبنان، مؤكداعزمه على زيارته قريبا..
ميقاتي «والمهزلة»
وفي هذا الاطار، تقول اوساط مطلعة على اجواء القصر الحكومي ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بات مقتنعا ان العهد والتيار الوطني الحر مصران على خوض معركتهما الانتخابية عبر «فتح» مشكل مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، وهو وضع كل المعنيين باجواء أنه غير قادر ان يبقى متفرجا على هذه «المهزلة» اذا ما قدر لها ان تستمر، لانها ستهدم كل مهمته على رأس الحكومة التي تتلخص بمهمتين، الاولى تامين اجراء الاستحقاق الانتخابي، والحفاظ على الحد الادنى من الاستقرار المالي والنقدي في هذه المرحلة الصعبة. واذا ما استمرت الهجمة على حالها فان الامور في البلاد ذاهبة الى فوضى اقتصادية ومالية تهدد الاستتقرار العام وتجعل الانتخابات في «خبر كان»، ولهذا فهو لن يتوانى عن تقديم استقالته في حال وصلت جهوده الى «حائط مسدود»، وشعر ان فريق العهد السياسي ماض في استراتيجيته دون الاكتراث بالوضع العام في البلاد.
شيا على خط الازمة؟
وعلم في هذا السياق، ان اتصالا جرى في الساعات القليلة الماضية بين رئيس الحكومة والسفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا وجرى البحث في آخر التطورات المرتبطة بملف حاكم مصرف لبنان والمصارف، وشددت شيا على ضرورة عدم خلق ازمات في غير مكانها الصحيح، مجددة ثقة بلادها بحاكم المصرف المركزي، كما شددت على ضرورة عدم ذهاب رئيس الحكومة الى خيار الاستقالة الذي المح اليه خلال المحادثة، واعدة باجراء الاتصالات اللازمة لمحاولة تهدئة الامور، لكن ميقاتي ابلغها ان وجوده لن يكون ضروريا على راس السلطة التنفيذية اذا ما اصر فريق رئيس الجمهورية القضائي والسياسي على خيار المواجهة مع القطاع المالي، وترك هامشا ليس طويلا لمحاولة المعالجة، وشدد انه ورئيس مجلس النواب نبيه بري في «قارب» واحد في هذا الملف، والسلطة التشريعية لا ترى اي مبرر لما يحصل الان من حراك لا يمت الى القضاء ولا العدالة بصلة وانما تحرك استنسابي لاهداف انتخابية ضيقة، وهو قبل اتخاذ قرار الاستقالة سيتخذ كل الاجراءات التي تسمح بها صلاحياته لوقف هذه «المهزلة»، حسب تعبيره، مشددا على ان «رؤوس كبيرة» ستطير هذه المرة، لان الوضع لم يعد يحتمل انصاف الحلول.
ميقاتي «غاضب»!
ووفقا لتلك المصادر، فأن ميقاتي غير مرتاح للاجراء الجديد ضد سلامة، وفوجىء باستمرار التصعيد من قبل القاضية غادة عون، وعبر «بغضب» في اتصال مع مدعي عام التمييز غسان عويدات، وكذلك وزير العدل هنري خوري، عن ما اسماه تجاوزهما للاتفاق الاخير الذي تلى جلسة الحكومة الاستثنائية يوم السبت، وهو ابلغهما انها لم تكن مجرد محاولة لتنفيس الاحتقان، بل كان طلب من وزير العدل تقديم صيغة واضحة لوضع ضوابط لكيفية تحرك المدعين العامين، من خلال وضع اطار للتفاهم حول المرحلة المقبلة، حيث على كل مدعٍي عام ان يقوم وفق صلاحياته بالتحقيقات المطلوبة منه، لكن عليه ألا يتخذ أي قرار على مستويات مؤثرة في الانتظام العام للدولة من دون العودة إلى مدعي عام التمييز غسان عويدات الذي يرأس كل النيابات العامة. وهذا لم يحصل بعد!
لماذا الادعاء على سلامة؟
وكانت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون ادعت على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بجرمي الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، وعلى شقيقه رجا سلامة، والأوكرانية أنا كوزاكوفا، وعدد من الشركات، بالتدخّل بهذا الجرم، وأحالتهم إلى قاضي التّحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور، ولفتت القاضية عون في تصريحات اعلامية الى إنّ سلامة لم يحضر جلسة امس الإثنين ولهذا وجّهت إليه الاتهام غيابياً، موضحة أنّ الاتهام يتعلق بشراء وتأجير شقق في باريس بعضها للبنك المركزي. وسطرت عون قراراً يقضي بموجبه وضع اشارة منع تصرّف على كافة الممتلكات العقارية العائدة لشقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة وذلك حفظاً لحقوق الخزينة العامة الثابت إهدارها بنتيجة التحقيقات الأولية التي أجرتها في الشكوى المقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة رواد العدالة.
الحاكم ينفي..
وفي رده على الادعاء، قال سلامة إنّه أمر بإجراء تدقيق أظهر أنّ الأموال العامة لم تكن أبداً مصدراً لثروته، نافياً اتهام عون له بالإثراء غير المشروع، ولفت الى ان تقرير المراجعة هذا قُدّم إلى السلطات المختصة في لبنان والخارج.
دعوى على «المجلس المركزي»
وفي تطور قضائي جديد، قدّم محامو «تحالف متّحدون» ومجموعة «رواد العدالة»، امس، بوكالتهم عن مودعين في جمعية «صرخة المودعين» بشكوى أمام النيابة العامة المالية بواسطة النائب العام لدى محكمة التمييز ضدّ أعضاء المجلس المركزي في مصرف لبنان ونواب الحاكم ومفوّضي الحكومة الحاليين والسابقين،كما تمّ التقدّم بشكوى أمام قاضي التحقيق بالإنابة في البقاع أماني سلامة.
من هو المسؤول؟
وفيما ادعت»رابطة المودِعين» على جمعية المصارف أمام قضاء العجلة «لوقوع الإضراب تحت خانة التعسّف، وتتجه في الايام القليلة المقبلة الى الادعاء عليها «بالافلاس» اذا ما استمرت في الاضراب. اكدت مصادر مصرفية ان ثمة من يريد ان يحرف المعركة عن وجهتها الصحيحة وتحويلها الى صراع بين المصارف والمودِعين، في حين أن حقيقة الأزمة هي بين مصرف لبنان والدولة المفلِسة ولهذا فان الحل يبدا بقانون الكابيتال كونترول الذي تتهرب السلطة من اقراره، والاهم من ذلك بأن تسدد الدولة ديونها لمصرف لبنان والمقدرة بعشرات المليارات، عندها يزوِّد البنك المركزي المصارف بالدولارات من احتياطها لتسدّد ودائع المودعين.ولفتت تلك المصادر الى ان ثمة من نقل «رسالة» من بعبدا تفيد ان معركة المصارف يجب ان تكون مع رئيس المجلس نبيه بري الذي يمنع اقرار»الكابيتال كونترول»!
تحذير المصارف «المراسلة»؟
في غضون ذلك، لم تلتئم جمعية المصارف امس كما كان متوقعا، في حين تجري اتصالات لاصدار بيان اليوم، حيث ستعود المصارف الى العمل غدا، والساعات المقبلة ستكون حاسمة بعد التواصل مع رئيس الحكومة الذي وعد بالمعالجة، واذا لم تتلمس جمعية المصارف جدية في التعامل مع هذا الملف الخطير ستكون هناك اجراءات تصعيدية بعدما اصبح مصير القطاع على المحك. وكشفت تلك المصادر عن «مراسلات» استفسارية قامت بها البنوك المراسلة مع البنوك الستة التي تعرضت للاجراءات القضائية، بهدف معرفة المسار الذي تتجه اليه الامور،خصوصا قرارات منع السفر بحق رؤوساء مجالس ادارات عدد من المصارف، وهذه المراسلات تعد اشارة غير مطمئنة وتهز من «صورة» القطاع لدى المصارف الخارجية التي تتعامل مع القطاع المصرفي في لبنان بكثير من الحذر والشك، وتاتي الملاحقات القضائية لتزيد الامور سوءا، فاذا توقفت المصارف المراسلة عن التعامل مع المصارف اللبنانية سؤدي ذلك الى اعلان الافلاس في هذا القطاع الذي سينهار حكما.!
لبنان في الفاتيكان والقاهرة
في هذا الوقت، جاء تزامن زيارتي رئيس الجمهورية ميشال عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي الخارجية، ليرسم معالم الافتراق بين وجهة نظر الرجلين في اكثر من ملف استراتيجي يهم المسيحيين، فقد حضر الملف اللبناني في كل من الفاتيكان والقاهرة من خلال لقاء عون البابا فرنسيس، ولقاء البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط. وفيما كان الرئيس عون مهتما بمحاولة تجميع الدعم للبلد المنهك، كان البطريرك الراعي يطرح في لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشكلة سلاح الحزب، معترفا انه بات ملفا اقليميا، داعيا خلال لقائه مع أبو الغيط إلى أهمية فك عزلة لبنان عن محيطه العربي والدولي.
الحوار بين بكركي وحزب الله
في هذا الوقت، وفيما نفت مصادر بكركي وجود اي حوار راهن مع حزب الله، لم تنف وجود اتصالات من قبل بعض الاطراف لاستنافه، لكن لا يوجد حتى الان اي اطار زمني لذلك، ومن هنا اعتبرت الحديث عن الحوار في هذا التوقيت، «للتشويش» على مواقف البطريرك الراعي في القاهرة حيث وضع سلاح الحزب على قائمة محادثاته مع الرئيس المصري، مقرا انه بات ملفا اقليميا لا محليا، مؤكداً في الوقت نفسه، تمسكه بخيار العيش المشترك ونهائية لبنان وعروبته. وهو تناول مع شيخ الأزهر العلاقات الأخوية والتعايش المسيحي الإسلامي، ثم زار الراعي أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، مؤكدا على ضرورة حياد لبنان حتى يمكنه القيام بدور واستعادة مكانته، مؤكدا أن انعزال لبنان عن محيطيه الدولي والإقليمي لا يرضي أحدا.
اسرائيل تهول بالحرب
وفيما يغرق لبنان في ازماته، وترتفع حدة السجالات الانتخابية «الفارغة» من اي مضمون جدي، ارتفعت حدة التوتر في المنطقة من «بوابة» الجبهة اليمنية، مع رفع انصار الله لمستوى استهداف المواقع السعودية الحيوية، ردا على الحصار النفطي ضد اليمن، ومع اعلان السعودية انها غير مسؤولة عن استقرار السوق النفطي بعد تعرض منشآتها للهجمات، للضغط على الاميركيين للتدخل بفعالية اكبر، عاد الحديث في اسرائيل عن امكانية خروج الامور عن السيطرة في المنطقة باندلاع مواجهة ليس مع حزب الله فقط وانما مع طهران في ظل نية الاميركيين للخروج من الشرق الأوسط.
الهجوم على ايران؟
وبحسب صحيفة «هارتس» الاسرائيلية فان المستويَين السياسي والأمني في إسرائيل، يعترفون بأن التأثير على مواقف الولايات المتحدة في المفاوضات مع إيران كان ضئيلاً للغاية، بسبب رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن بالإسراع للتوقيع على الاتفاق النووي، والمفاوضون الأميركيون في فيينا لم يشددوا مواقفهم في أعقاب التخوفات الاسرائيلية. ولفت الصحيفة الى أن إسرائيل تقود توجّها هجوميا ضد إيران. وهو توجّه فيه مخاطرة بالتورّط بالحرب العسكرية مع إيران نفسها أكثر من «أذرعها» القريبة من الحدود الإسرائيلية،وفي مقدمها حزب الله. وكشفت «هارتس» ان هذا الموضوع بحث بجدية بين إسرائيل ودول الخليج، وذلك لأهمية السعودية على مستوى موقعها الجغرافي القريب من الحدود الإيرانية؛ حيث تسعى إسرائيل إلى توقيع اتفاق تطبيع علاقات مع السعودية من أجل نشر ردارات على أراضيها تتيح الردع أمام إطلاق صواريخ من إيران باتجاه اسرائيل.!
تهديد «مسيرات» حزب الله
ويستقرّ التقدير في تل أبيب، ان محور كامل تقوده إيران يمتلك «ترسانة» من المسيّرات مع حلفائها واخطرهم حزب الله حيث تشير التقديرات الامنية الاسرائيلية بان حزب الله يملك أسطولاً يتجاوز الـ 2000طائرة مسيرة منها ما صنع في ايران ومنها صنع في لبنان. وفي اطار تبرير العدوان الاسرائيلي، زعمت مصادر إسرائيلية امس بأن الطائرات المسيرة التي أسقطتها القوات الأميركية في أجواء العراق قبيل منتصف الشهر الماضي، كانت في طريقها للانفجار في اسرائيل. وبحسب ادعاء أجهزة الأمن الإسرائيلية فان تلك الطائرات كانت مفخخة وتستهدف مواقع حساسة، وقد كشف الاعلام الاسرائيلي أن الجيش الأميركي أسقط في الرابع عشر من نفس الشهر، طائرتين إيرانيتين بدون طيار أطلقتا من العراق. هناك ترجيحات بإمكانية إطلاق الطائرتين من إيران، ودخلتا من هناك إلى العراق قبل أن يتم إسقاطهما.!
الديار