مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“فلنستوصي بوصية أمير المؤمنين التي تدعونا إلى أن يمسك كل منا بزمام نفسه، فلا يدع أهواءه ورغباته وانفعالاته تتحكم به بل هو يتحكم بمسارها ويأخذ بقيادها، حتى لا ترديه، وحتى نأخذها إلى شاطئ أمانها في الدنيا والآخرة، وبذلك نكون أكثر وعيا ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.
أضاف: “البداية من هذا البلد الذي يبدو أن معاناة الإنسان فيه لن تتوقف، بل هي مرشحة للاستمرار بفعل تفاقم أزماته على كل الصعد، وانعكاس ما يجري في الخارج حيث الحرب المستمرة في أوكرانيا بكل تداعياتها وآثارها ولا سيما على الصعيد الغذائي، ما جعل الناس غير قادرين على تأمين أبسط مقومات حياتهم من الدواء والاستشفاء والغذاء والكهرباء وسبل التدفئة في هذا البرد القارس، ولا سيما على الجبال، وتوفير القدرة على تأمين المحروقات وسبل الانتقال، في وقت يعاود الدولار الارتفاع ويخشى من عودة طوابير السيارات على المحطات. يأتي ذلك في ظل عجز الدولة عن القيام بمسوؤليتها لعدم التوافق بعد على خطة تعيد التعافي الاقتصادي والمالي إلى البلد وتخرجه من أزماته، وبعدما بددت مدخرات الدولة واستهلك أغلب الاحتياط الإلزامي في المصرف المركزي وسيستهلك الباقي إن استمر الواقع على حاله، وبعدما أصبح واضحا أن العالم الذي ينتظر منه أن يمد يد المساعدة بات مشغولا بأزماته ومشاكله أو بملفات أخرى يرى لها الأولوية. وهناك من قرر عدم المساعدة لدولة يراها فاشلة وهي لم تقدم على أي خطوة إصلاحية، أو لديه مطالب تؤمن مصالحه وهو لن يعطي قبل أن يأخذ، وهناك في هذا العالم من ينتظر ما ستفضي إليه الانتخابات القادمة وأي صورة ترسم لهذا البلد ليبنى على الشيء مقتضاه”.
وجدد مطالبته للحكومة أن “تكون أكثر جدية في معالجات أزمات هذا البلد لا سيما على الصعيد المعيشي والحياتي، بأن لا تتحول إلى حكومة تصريف أعمال وتقوم أسوة بالحكومات السابقة بترحيل المشاكل إلى الحكومة التي تأتي بعدها، فالبلد لا يتحمل مثل هذه الحكومة والناس لا يتحملون. إن على الحكومة أن تفي بما وعدت به عندما أعلنت أنها حكومة إنقاذ في بلد أحوج ما يكون إلى الإنقاذ، فمن يتحمل المسؤولية عليه أن يقوم بها أو يدعها لغيره ليقوم بها، حتى لا يتكرر التبرير الذي عهدناه ممن يتولون مواقع ومسؤوليات بأنهم لم يدعونا نعمل، فمن لم يستطع العمل أو لم يسمح له عليه أن يغادر موقعه”.
أضاف: “في هذا الوقت، يستمر الكباش الحاصل بين القضاء والمصارف والذي وصل إلى ذروته بعد الإجراءات القضائية التي اتخذت بحق بعضها ورد الفعل الذي جاء منها والذي وصل إلى حد التهديد بإيقاف خدماتها أو تعليقها، ما يترك تداعيات على مصالح المودعين ومن يستفيد من هذه الخدمات. ونحن، في هذا المجال، نكرر ما قلناه سابقا إن من واجب القضاء أن يقوم بدوره في هذه القضية وأن تكون له الصلاحية والأبواب المفتوحة ليلاحق من أساء الأمانة وفرط بأموال المودعين وجنى عمرهم، فلا ينبغي أن توضع أمام القضاء خطوط حمراء أو تمارس الضغوط أو التهديدات عليه لتثنيه عن أداء دوره. لكننا في الوقت نفسه نعيد دعوتنا القضاء الذي بات يوضع موضع اتهام في أي قضية يقدم عليها، إلى أن يثبت وبالممارسة استقلاليته أنه بعيد من الاستنسابية والخضوع لأي أجندة سياسية، وأنه ليس جزءا من الصراع الجاري بين القوى السياسية على مكاسب ومصالح أو لتسجيل نقاط في ما بينها. إننا نريد للقضاء أن يكون عين الشعب التي ترعى مصالحه إن أخفقت السلطة السياسية أو تغاضت وتورطت، وإلى أن يسير في هذا الملف المالي كما في غيره من الملفات بمعايير الشفافية والوضوح والعدالة والحكمة، إلى أن يحقق الهدف المرجو منه بإعادة الأموال المنهوبة وتحقيق أماني المودعين بإعادة حقوقهم. ونحن في الوقت نفسه نؤكد على كل القوى والمرجعيات السياسية وغير السياسية أن من مصلحتها إبقاء القضاء بعيدا من أي تجاذبات، لأن من هو قوي قد لا يكون قويا في المستقبل، حتى يبقى القضاء مرجعا للجميع لبلوغ العدالة والعدالة وحدها”.
وقال: “ونبقى على صعيد الانتخابات التي تتصاعد حدتها لنجدد الدعوة على أن يكون التنافس فيها مبنيا على حسن الاختيار للمرشحين وللحلفاء وعلى نوعية البرامج التي سوف تعتمد في المرحلة القادمة في معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية وإنقاذ البلد من حال الانهيار. إننا نريد أن يتم التحشيد للانتخابات على هذا الأساس، فلا يتم بالشعارات أو بخطابات استثارة الغرائز الطائفية أو المذهبية أو بإثارة الأحقاد والضغائن أو بالاتهامات المتبادلة أو بتحميل كل فريق مسؤولية ما وصل إليه البلد للفريق الآخر، مما سئمته الناس وملت منه أو بالأعطيات التي بدأت تغدق على الناس. إننا هنا نقدر كل الذين سارعوا إلى كشف حساب عن ماضيهم وبينوا فيه إنجازاتهم ولماذا قصروا إن كانوا قصروا، وندعو إلى أن يتحول ذلك إلى قاعدة في العمل الانتخابي، فمن دون هذه القاعدة لن يحاسب أحد على أخطائه وارتكاباته ولن نبني وطنا”.
وعن فلسطين قال فضل الله: “لنتوقف عند العملية البطولية في بئر السبع والتي نراها تعبيرا عن إرادة الشعب الفلسطيني في مواجهة ما يتهدده من العدو الصهيوني الذي يستمر في سياسته العدوانية”، مضيفا “إن هذه العملية تؤكد مجددا أن جذوة المقاومة في فلسطين مستمرة وأن هذه القضية لن تموت على الرغم من كل اعتداءات هذا العدو وجرائمه”.
وختم: “ونحن اليوم نلتقي بعيد البشارة هذا اليوم الذي بشرت فيه الملائكة السيدة مريم بالسيد المسيح، ونريد لهذه المناسبة أن تكون فرصة لتعزيز القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية التي جسدتها السيدة مريم ودعا إليها السيد المسيح”.