الرئيسية / آخر الأخبار / لبنان وحلم المونديال: التاريخ لا يعيد نفسه

لبنان وحلم المونديال: التاريخ لا يعيد نفسه

مجلة وفاء wafaamagazine

حسناً، انتهت التصفيات الآسيوية المؤهّلة إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وفرضت الواقعية كلمتها، إن كان من خلال أسماء المنتخبات المتأهلة إلى مونديال قطر، أو من خلال ما حقّقه منتخب لبنان من نتيجةٍ نهائية في ختام الدور الحاسم. نتيجةٌ يُفترض الجلوس والتفكير بها مليّاً للعبور نحو مرحلةٍ أفضل تُبعد الخيبات وتجلب الانتصارات


من قال إن لبنان سيتأهل إلى كأس العالم؟ طبعاً هو كان أمنية وحلماً، لكنه لم يكن عبارة واقعية لاعتباراتٍ عدة.

 

 

محبو المنتخب كانوا يعرفون ضمنياً أن وطنيتهم وحماستهم هما اللتان تحركان فيهما تلك المشاعر التي تفصل المشجّع عن الواقع غالباً، فيشعر أحياناً بأن فريقه أو منتخب بلاده هو الأقوى. طبعاً كلنا شعرنا بهذا الأمر عندما بلغ منتخبنا الدور الحاسم من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى المونديال القطري، فنسينا سريعاً معاناتنا للفوز على سريلانكا الضعيفة، وتجاهلنا خسارتنا المريرة أمام تركمانستان خلال تلك الرحلة الصعبة إلى كوريا الجنوبية.
خدمتنا الظروف وقتذاك. كنا نعلم جيّداً ونعي، لكن جاء فوزنا الجميل على الجار السوري ليعمي بصيرتنا، فخرجنا مهلّلين ومتأملين وطامحين، أقلّه إلى مركزٍ ثالث في مجموعتنا، وذلك من دون الاكتراث إلى الخصم الذي قد ينتظرنا في الملحق القاري وما بعده أيضاً.


منتخبنا الوطني لم يتعمّد أن يأخذنا إلى عالم الأحلام أو أن يوهمنا بشيء لن يتحقّق، فنحن ذهبنا بأنفسنا إلى هناك لشدّة حاجتنا إلى فرحةٍ وإلى أملٍ بأن يوم غدٍ سيكون أفضل، وبأن الحياة ستبتسم لنا يوماً بعدما أصبحت أيامنا أشبه بليالينا من شدّة الظلمة والظلم الذي عرفته البلاد على وَقع أسوأ أزمةٍ تعيشها في تاريخها.
هنا المنتخب خدمنا في الحياة اليومية، حيث بات موعد مبارياته مقدّساً لأنه يُنسينا لمدة ساعتين من الزمن تقريباً كل همومنا، وهناك في الملعب انتهت التصفيات وبات الهمّ كبيراً لكيفية الخروج من دوّامة نتائجها السلبية التي كشفت أننا بحاجةٍ إلى الكثير من أجل مجاراة كبار آسيا، وتكوين منتخبٍ قوي ومتماسك فنيّاً يمكنه أن يأخذنا إلى أبعد ممّا وصلنا إليه ويحوّل الأحلام إلى حقيقة.

هاشيك بريء ومتّهم
الواقع أنه من الصعب إلقاء اللوم على طرفٍ معيّن بعدما قبع لبنان في قعر المجموعة الأولى للدور الحاسم، فمستوى المنتخب فنيّاً لم يكن ثابتاً، وذلك بسبب ظروفٍ مرحلية أثّرت عليه بشكلٍ أو بآخر.
كالعادة، تُوجّه أصابع الاتهام أوّلاً إلى المدرب، فسارع كثيرون عند كل مطبّ إلى اتهام المدير الفني التشيكي إيفان هاشيك بالتقصير هنا وبحساباتٍ خاطئة هناك.
هاشيك قدّم عملاً جيّداً لناحية تنظيم اللاعبين على أرض الملعب، فبدوا كمجموعةٍ أفضل بكثير مما كان عليه الوضع سابقاً، لكنّ الرجل عابه قراءة بعض المحطات المفصلية على غرار المباراتين اللتين شكّلتا مفترقاً في مشوارنا، وهما المواجهتان اللتان استضفنا خلالهما إيران والإمارات على التوالي.


لم يتعمّد منتخبنا الوطني أن يأخذنا إلى عالم الأحلام أو أن يوهمنا بشيء لن يتحقّق

الواضح أن هاشيك يتحمّل في مكانٍ ما مسؤوليةً في ما حصل باعتراف بعض اللاعبين أنفسهم، وهؤلاء غمزوا غالباً من قناة التحفّز المبالغ به في بعض اللقاءات، ولو أن الردّ عليهم كان بأن المنتخب لا يملك تلك الإمكانات الهجومية التي تخوّله فتح الملعب وتهديد كبار آسيا، والدليل أن منتخبنا كان الأسوأ هجوماً بين المنتخبات الـ12 التي بلغت الدور النهائي بتسجيله 5 أهداف فقط في 10 مبارياتٍ. لكنّ اللاعبين أنفسهم يردّون بإشارةٍ إلى تحرّرٍ شعروا به أيام المدير الفني الروماني ليفيو تشوبوتاريو الذي تمتّع بجرأةٍ غابت عن هاشيك وقبله عن نظيره المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش الذي أصرّ على منح أسلوبه الدفاعي عنوان الواقعية.
ربما دفع المنتخب أمام سوريا ثمن «الواقعية المفرطة»، وربما دفع ثمن غياب عددٍ كبيرٍ من الأساسيين، لكن السبب المباشر قد لا يكون في نظر البعض هاشيك أو أي غائبٍ عن تشكيلته بل أسباب أخرى.


واقعٌ صعب وعفويّ
هنا تكثر الأسباب، لكن ما يمكن تسميتها بالرئيسية لا جدال حولها، وهي تبدأ من الذهاب إلى إجراء مقارنةٍ بين واقع كرة القدم اللبنانية ونظيراتها في القارة الآسيوية.
هنا الكلام عن اعتماد المنتخب اللبناني على نهجٍ عفوي في مسألة تكوينه وزيادة قوته، فالمرحلة الانتقالية تبدو أصعب عندما يبدأ أي منتخب في انتشال نفسه من دوّامة النتائج السلبية ويعمل على خلق جيلٍ جديد. وهذا الجيل يحتاج إلى فترةٍ غير بسيطة ليندمج ويصبح أشبه بكتلةٍ قوية.
فرنسا احتاجت إلى سنواتٍ عدة للوصول إلى هذه المعادلة، وتحديداً منذ خروجها من مونديال 1986، فبنت على فشلين متتاليين في التأهل إلى كأس العالم لتفوز بعدها باللقب على أرضها بعدما أعدّت طبخةً ناجحة طوال السنوات العجاف في مقرّها الشهير في «كليرفونتين».
أما التجربة اللبنانية فتمّت بـ «القطّارة»، حيث كان البحث أوّلاً عن مواهب جديدة بدت محدودة، ومن ثم عن تعزيزها بمغتربين، وبعدها بالعمل على تثبيتها كمجموعة نهائية، ففات القطار بعض اللاعبين بحُكم عامل السنّ المتقدّمة، لتسير عملية البناء ببطء، وتأثّر تتطوّرها بطبيعة الحال بعوامل عدة، منها ضعف مستوى الدوري في مراحل معيّنة، والمشاكل التي عرقلت تقدّمه غالباً لا بل أوقفته، إضافةً إلى سوء البنية التحتية التي لم تنتج مواهب جديدة يمكنها صناعة الفارق أو أقلّه يمكنها تغطية الفراغ الذي يتركه اللاعب القادم من الخارج في حال غيابه بسبب فوارق المستوى الظاهر للعيان بكل وضوح، وهو ما بدا جليّاً مثلاً في غياب الشقيقين أليكس وفيليكس ملكي في اللقاء الأخير أمام سوريا.


مرحلة أخرى مرّت لم تحمل إنجازاً استثنائياً باستثناء الفرحة والأمل اللذين حضرا في وجدان اللبنانيين طوال مشوار التصفيات، لكنها مرحلة كشفت الكثير ممّا يجب العمل عليه على مختلف المستويات بعيداً من أي مرحلة تقليدية مرّت حديثاً وكانت نتائجها كلاسيكية وغير بعيدة عن التوقّعات الواقعية التي صوّبت علينا مباشرةً قبل انطلاق مشوار التصفيات.
هناك مقولةٌ تحمل خطأ تاريخياً شائعاً لا يفقهه سوى أصحاب الاختصاص ومفادها: «التاريخ يعيد نفسه». الواقع أن التاريخ لا يعيد نفسه بل إنه مبني على ثوابت، وهذه الثوابت تؤدي إلى نفس النتيجة الحتمية… هذا ما حصل مع منتخب لبنان.