مجلة وفاء wafaamagazine
إذا كان أركان الدولة لا يأبهون للناس كما أظهرت ترشيحاتهم وتحالفاتهم وبياناتهم الانتخابية، فهم فعلوا ذلك فقط لشعورهم بالقدرة على تجاهل الشارع، وإفهامنا أنهم لا يخشون أحداً: لا يخشون محاسبة مؤسسات رقابية، ولا قضاءً ولا شارعاً أيضاً. وهم انتقلوا في فجورهم ليس فقط الى حدّ عدم الإقرار بالأخطاء والانسحاب، بل عادوا الى ممارسة سياسات النهب والهدر والسرقة. وها هو مجلس الوزراء يتجاهل الحصار الأميركي والغربي المتمثّل في امتناع البنك الدولي عن الالتزام بتعهداته، وجعل تمويله يقتصر على الاستهلاك. وبدلاً من محاسبة هؤلاء وعدم الخضوع للشروط المسبقة والقاتلة للصندوق، تفكر الحكومة في استرضاء هذه المؤسسات ومن يقف خلفها، من خلال إفراغ ما تبقى من أموال في الاحتياط العام لدفع رواتب ومستحقات فرق المؤسسات التمويلية العربية والدولية التي كانت شريكاً كامل المواصفات في سرقة العصر التي قادها فريق من الحكام المتعاقبين على الدولة منذ خمسة عقود على الأقل.
إبراهيم الأمين
في لبنان، فقط، يحصل أن يبقى حاكم المصرف المركزي في منصبه، وعلى رأس عمله، رغم كل الشبهات المعلنة وغير المعلنة على أفعاله. وفي لبنان، فقط، يجري الضغط على القضاء والضابطة العدلية لعدم ملاحقة من هو محلّ ادّعاء واشتباه بسرقة المال العام من جهات قضائية أوروبية، وليس فقط من جهات قضائية لبنانية ممنوع عليها مواصلة التحقيق. والحاكم، بدل أن يعقل، هو وإدارات المصارف والمؤسسات الكبرى، يواصل سياسة الابتزاز من زاوية أنه الأدرى بأحوال النقد في لبنان. من جهة، يرفض توفير الدعم الضروري لمواد أساسية للناس من الطحين الى الأدوية، ومن جهة أخرى يشجع الحكومة على دفع مستحقات (لم يدقق أحد في حقيقة أرقامها) لمؤسسات دولية تعيش على قهر الشعوب تلبيةً لطلبات حكوماتها.
وقاحة من عرض على الحكومة اتخاذ قرار بالدفع للمؤسسات الدولية مبلغاً يتجاوز 220 مليون دولار لا تقلّ وقاحة عن تردّد لازم هؤلاء في توفير متطلبات مشروع البطاقة التمويلية، وإعادة الاعتبار الى بعض مؤسسات الدولة الضرورية، من قوى أمن وعدلية ومؤسسات تربوية تعمل بالحد الأدنى من طاقتها.
العجب ليس في ما يقوم به هؤلاء، العجب هو في صمت يزداد رسوخاً بين الناس الذين يتعرّضون اليوم لأكبر عملية تعبئة سياسية تهدف الى إعادة التجديد ليس لقوى المنظومة نفسها، بل لأشخاصها أيضاً. أما من يريد اعتبار فوزه انتصاراً للتغيير، فليس سوى من بطانة السلطة نفسها، مهما رفع من شعارات وأطال من خطب لا تنفع في إعادة رسم صورته على شكل منقذ.
الأخبار